قراءات

أصبع سبابة لحياة مخترعة .. محاولة أخرى لأنسنة المنجز الثقافي

المجموعة القصصية (أصبع سبابة لحياة مخترعة) للكاتب جمال الزائدي
المجموعة القصصية (أصبع سبابة لحياة مخترعة) للكاتب جمال الزائدي

ينسج الأستاذ “جمال الزائدي” مرة أخرى على منوال أنسنة المنجز الثقافي, بعد أن عاش هذا الأخير ردحاً من الزمن في أبراج عاجية, أو في “فيترينات” ملتقيات أهل الأدب والثقافة.

ينزل مرة أخرى إلى الشارع, ليرصد الحيوات المختلفة ويحيلها بأسلوب سلس بديع إلى “هجين جميل” .. لا تعلم إن كان بحثاً سوسيولوجيا ارتدى عباءة الأدب وتزين بمفرداته .. أو كان مقالات صحفية شطّطت في بديعها وبيانها حتى تجنست ببلاغة النثر العمادي “نسبة إلى عماد الدين الأصفهاني الكاتب” .. أو لعلها قصة قصيرة بمواصفات ثورية كما وصفها الكاتب الأستاذ “جمعة بوكليب”.

في المجموعة القصصية الأخيرة للزائدي “أصبع سبابة لحياة مخترعة” الصادرة مؤخراً عن دار السراج للنشر والتوزيع, يقتفي الكاتب أثر مؤلفاته السابقة “إفيكوات, أتوبيسات وهدرزة قهاوي”, فالبشر هم الأبطال – لا على الطريقة المارفللية – بل بقدرتهم على الحياة وسط الصعاب والمعاناة, وقدرتهم على اجتراح طريقة للاستمرار وسط سيل عرم من العقبات الكؤود.

أجزم أن “الزائدي” يؤمن بمقولة شكسبير عن أن “العالم مسرح, والناس ببساطة ممثلون على ركحه”, فهو لا يفتأ يختار من المحيط صوراً تكون ركيزة قصصه, لا يخرجها عن إطارها الطبيعي ولا يحيد بها عن ثنائية “الصدمة والنهوض” التي صبغت الحياة في ليبيا منذ أمد بعيد.

ولأنه يخط سبيله في نفق مظلم لم يسبقه إليه أحد فيضع أمامه العلامات ليهتدي, يحمّل “الزائدي” ذهنه مهمة رصد التفاصيل الصغيرة, لتكون العقد الذي ينظم الأحداث, أما المداد فعالة على رصيده المعرفي وأدواته كقاص “على سن ورمح” .. والتعبير الأخير لـ”أبو كليب”.

في ” أصبع سبابة لحياة مخترعة” تتمحور الأحداث حول أيقونتا العطاء غير المحدود ولا المشترط .. الوالدان .. كل بطريقته .. الأب بقسوته الظاهرة أحيانًا وتكريسه كقدوة دائماً .. والأم بعطائها الفياض, إلا أن العرض لن يقتفي تلك الآثار الشاعرية التي نعهد, بل سيختار أن يمضي على شفير بين ” المخيلة الشرقية والمخيال الغربي” – كما يصفه الكاتب الفلسطيني “جميل حمادة”, ليصطنع أسلوباً ساحراً يستدرج القارئ ليلتهم الصفحات تباعاً.

ثم لا يكتفي بذلك, فيعرض الصورة من زاوية أخرى, تهتم بالوالدين لا بالأبناء, “لاسيما ذاك العجوز المتقاعد المحتضر، الذي يقاوم النسيان بمحاولة اختراع حياة جديدة, علها تكون الطريقة لتصحيح أخطائه”, وهذا اقتباس آخر عن “أبوكليب”.

سيجد القارئ أن انطباعات شتى تولدت لديه لحظة الانتهاء من هذه المجموعة, تعكس في تباينها مكنوناته هو, وتتقاطع في أن الأمل يظل قائماً كفينيق يتجهز لينتفض من تحت الرماد أو بصيص يأبى أن تطفئه حلكة الخطوب, كما تبعث المجموعة القصصية في النفس القدرة على تأمل الذات, في الوقت الذي ظننت فيه أن هذه الملكة وأدت في بلادنا, التي خلتها أضحت شقيقة تشيلي في “وأد كل نزعة لتأمل الذات وهي ما تزال برعماً” – كما ذكرت “إيزابيل الليندي” في مقدمة كتابها “بلدي المخترع”.

مقالات ذات علاقة

رواية “زرايب العبيد” للكاتبة “نجوى بن شتوان”

المشرف العام

رواية (ضحايا) ترسم سريالية الموت !!

مهنّد سليمان

الزهور لا تنبت في البرلمان

حسين نصيب المالكي

اترك تعليق