النقد طيوب عربية

الحبكة الغائبة في القصة القصيرة جدا

من أعمال التشكيلي العراقي سعد علي
من أعمال التشكيلي العراقي سعد علي

 هذا المصطلح يعبر عن كيفية بناء الحبكة في النصوص التي تعتمد على الرمزية والتلميحات بدلاً من السرد المباشر. في الحبكة الغائبة، لا يتم تقديم الأحداث والمعاني بشكل واضح وملموس، بل تكون الحبكة مضمنة وغير مرئية بشكل مباشر، مما يتطلب من المتلقي تأمل النص وفهمه من خلال تفسير الرموز والعناصر غير الظاهرة.

والمتلقي هنا يقوم بدور نشط في بناء وفهم الحبكة. يحتاج القارئ إلى استكشاف النص والتفاعل مع الرموز والتلميحات لاكتشاف الحبكة والمعاني الخفية. بحيث ان اللغة لا تعكس الأحداث مباشرة، بل تقدم تلميحات ورموزًا تعبر عن المعاني بطريقة غير مباشرة

هناك الكثير من القصص القصيرة جداً التي تستخدم الحبكة الغير ظاهرة لغويًا، حيث يكون المعنى أو الحبكة مضمرًا ويحتاج القارئ إلى التأمل والتفسير. وسنقدم هنا ثلاثة أمثلة واحد منها افتراضي لغرض الدرس والآخران يعودان لقاصين استخدما هذه الحبكة هما القاص العراقي عبدالله الميالي والقاص الليبي محمد المسلاتي.

المثال الافتراضي: “الأبريق المكسور”

النص:

“على الطاولة، يوجد أبريق مكسور. في الصباح، كان هناك مقعد فارغ بجانبه.”

تحليل الحبكة الغائبة :

الحدث:

ظاهريًا: الأبريق مكسور ومقعد فارغ.

مضمر: الأبريق المكسور يمكن أن يرمز إلى فشل أو ضياع، بينما المقعد الفارغ يشير إلى غياب شخص أو فقدان علاقة.

الحبكة:

ظاهريًا: لا يوجد سرد واضح حول السبب وراء كسر الأبريق أو من كان يجلس على المقعد.

مضمر: الحبكة تُبنى من خلال القارئ الذي يستنتج أن الأبريق قد كُسر بسبب غياب شخص كان يجلس على المقعد، ما يعكس فقدانًا أو تحولًا كبيرًا.

الزمن:

ظاهريًا: لا يوضح النص الزمن المحدد.

مضمر: الزمن يُفهم من خلال سياق الحضور والغياب، حيث يشير المقعد الفارغ إلى فترة بعد فقدان شيء مهم.

الشخصية:

ظاهريًا: لا توجد شخصيات مذكورة.

مضمر: الشخصية هي غير مباشرة، حيث يُفترض وجود شخص كان يستخدم المقعد، والأبريق المكسور يمكن أن يرمز إلى حدث متعلق به.

التفسير الفلسفي:

القصة تعكس تأثير الفقد والتحولات التي تحدث في الحياة بطرق غير مباشرة. الأبريق المكسور والمقعد الفارغ يتناولان موضوعات الفقدان والتغير بأسلوب رمزي، مما يتطلب من القارئ استنتاج المعاني العميقة وراء العناصر الظاهرة.

المثال الثاني للقاص عبد الميالي

قصة “فَرحة”

“انتهتِ الانتخابات. استعدّ أطفال مدينتي للاحتفال. لديهم ما يكفي من الورق لصنع طائراتهم.”

التحليل:

1. غياب الحبكة لغويًا:

السرد المباشر:

النص يقدم حدثًا سطحيًا: انتهاء الانتخابات واستعداد الأطفال للاحتفال باستخدام الورق. لا توجد تفاصيل حول نوعية الانتخابات، نتائجها، أو تأثيرها على المجتمع.

غياب الحبكة:

الحبكة هنا غير واضحة لأن النص يفتقر إلى تقديم معلومات دقيقة عن خلفية الاحتفال أو تفاصيل الانتخابات. اللغة توحي بحدث سطحي دون تقديم توضيحات حول السياق أو المعاني العميقة.

2. الحبكة المضمرة:

الرمزية:

الأطفال: يُمثلون هنا كمجموعة غير ناضجة أو غير واعية، يُحتفلون بشكل سطحي دون فهم حقيقي للواقع السياسي. يمكن أن يكونوا رمزًا لقطاع من المجتمع يتعامل بسطحية مع التغيرات السياسية.

الورق والطائرات: تمثل البساطة والأمل البريء، وهي وسيلة للهروب من الواقع أو تجسيد للأحلام الصغيرة في مواجهة تحديات أكبر. يمكن أن تكون أيضًا رمزًا للتغيير البسيط غير القادر على معالجة القضايا الجذرية.

التلميحات:

النص يلمح إلى أن الاحتفال ليس سوى شكل من أشكال التظاهر أو الرد الفعّال الضعيف على الأحداث الكبرى. الرموز تشير إلى انعدام الوعي أو عدم القدرة على التعامل بشكل فعال مع التغيرات السياسية الكبيرة.

المثال الثالث

قصة “عقاب”

“مدّ يده متحمسًا لمصافحتهم. ردّوا إليه ذراعه من دون كفٍّ. خطا نحوهم لاستردادها. احتفظوا برأسه رهينةً إلى أن يكَفّرَ عن حياته.”

التحليل:

1. غياب الحبكة لغويًا:

السرد المباشر:

النص يقدم موقفًا رمزيًا حيث يتم رد اليد بدون كف، ويبدو أن الشخص الذي يمد يده يعاني من رد فعل غير متوقع. لا يوجد تفسير واضح لسبب أو سياق هذا الموقف.

غياب الحبكة:

الحبكة غير ظاهرة في السرد المباشر؛ النص لا يوضح السياق الكامل للموقف أو الأسباب التي أدت إلى هذا الرد الرمزي. اللغة تتجنب تقديم تفاصيل حول الموقف أو دلالته المباشرة.

2. الحبكة المضمرة:

الرمزية:

اليد والكف: اليد التي تُمَد للمصافحة ولكن تُرد بدون كف يمكن أن ترمز إلى التجاهل أو رفض التعاون، وربما تشير إلى الاستبعاد أو الانتقام من الشخص الذي يسعى للسلام.

الرأس كرهينة: الاحتفاظ بالرأس كرهينة يمكن أن يُفهم كرمز للعقاب أو التحكم القسري. يمثل هذا المشهد تهديدًا أو ضغطًا على الشخص لتلبية شروط معينة، ويعكس درجة من السلطة أو الاستغلال.

التلميحات:

النص يلمح إلى أن الشخص الذي يُعرض عليه المصافحة يتعرض للعقاب أو التحكم بطريقة قاسية. الرموز والتلميحات في القصة تعكس كيف يمكن للسلطة أو العقوبات أن تكون أدوات لفرض السيطرة أو الرد على الأفعال.

في قصة “فَرحة” وقصة “عقاب” يتم تقديم الحبكة بشكل مضمر وغير مباشر من خلال الرموز والتلميحات بدلاً من السرد المباشر.

“فَرحة” تُظهر غياب الحبكة لغويًا عبر تقديم حدث سطحي للأحتفال دون تقديم تفاصيل خلفية. الحبكة تُفهم من خلال الرموز التي تشير إلى التعامل السطحي مع التغيرات السياسية والأمل البسيط.

“عقاب” تعرض موقفًا رمزيًا يتضمن يدًا تُرد بدون كف ورأسًا يُحتفظ به كرهينة، مما يعكس التهديد والعقاب. الحبكة غير واضحة بشكل مباشر، ولكن يمكن فهمها من خلال الرموز التي تتناول السلطة والتحكم.

كلتا القصتين تعتمد على الحبكة الغائبة التي تتطلب من المتلقي تفسير الرموز والتلميحات لاكتشاف المعاني الخفية وفهم الرسائل العميقة.

مقالات ذات علاقة

آية غبور: أحب أن أتحدث ايضاً عن قوة المرأة وأنها قائمة بذاتها!!

سالم الحريك

هل العزلة ثقافة أتصال أم انفصال؟* 5 ـ 7

إشبيليا الجبوري (العراق)

إنقاذ قطع أثرية تونسية مهربة من البيع !

مهند سليمان

اترك تعليق