حكايات وذكريات: سيرة قلم 29
نعم.. حصوننا مهددة من داخلها:
قلت في عرضي لذلك الكتاب.. الذي نشرته على حلقات بصحيفة الزحف الأخضر.. ودون أن يهتم قسم اللغة العربية الذي كنت أدافع عنه وعن لغته.. وعن الجامعة التي انتسب إليها – قلت: إن هذا الكتاب الذي أهداني مؤلفه نسخة منه.. يعد أخطر كتاب كتب عن العرب وتاريخ العرب حتى الآن.. والتساؤلات التي يثيرها المؤلف نفسه تؤكد – بما لا يدع مجالا للشك – بأن ثمة جهة ما تقف وراء هذا الكتاب ومدعيه.
والآن وقبل التدرج في عرض ومناقشة أقاويله وتقولاته عن ديننا وعروبتنا وتاريخنا.. أرى من الواجب أن أعرض على القارئ الكريم ما دعاني إلى الشك في هذا الأستاذ.. وفى كتاباته وأفكاره لنصدر بعد ذلك الأحكام عليه بثقة ودونما تردد.
قوله بتحريف القرآن:
حدثنا ذات مرة عن بحث جامعي، قدم لنيل درجة الماجستير، موضوعه: “دراسة أصول المد في التجويد القرآني”.. وأبدى لنا إعجابه بهذا البحث وبموقفه الداعم له وللجامعة التي رفضته.. بل أكد أنه كان من المدافعين عنه وعن صاحبته.
فقلت له: يا أستاذ.. هذا البحث لا يستحق كل هذا الإعجاب وهذا الثناء، فقد رفض لأنه يقوم على مجازفات تجمع بين الانحراف والجهل، وصاحبته تشكك من خلاله في سلامة النص القرآني، بل وتدعى صراحة بأن القرآن حرف على ثلاثة مراحل، وأن هذا القرآن الذي بين أيدينا ما هو إلا نسخة محرفة مما أنزل على محمد.
فقال من حدثك بهذا.. ؟
قلت: وبما أنك أحد المدافعين عن هذا البحث.. يسرني أن أخبرك بأنني قد قرأت كتابا، يقول مؤلفه: إن أحد المدافعين عن هذا البحث كان محافظ “الروتاري” في الإسكندرية، وأستاذ سابق بكلية العلوم، أعير على إثر دفاعه الحار إلى كلية الآداب بجامعة الكويت، رئيسا لقسم اللغة العربية.
قال: هذا غير صحيح.
قلت له: سأحضر لك الكتاب.
وبالفعل كان أن أحضرت له في اليوم التالي كتاب: “حصوننا مهددة من داخلها”.. مؤلفه محمد محمد حسين.. الذي قال عن هذا البحث الذي أشرنا إليه: (وأنا أسرد للتاريخ أسماء الذين اشتركوا في الدفاع عن هذا البحث).
هذا موقف واحد لا غير.. من مواقف عدة جعلتني عن قناعة أرفض أفكاره وأباطيله.. وأكره امتحانه أيضا، باعتباره امتهانا لشرف العلم.. وتدنيسا لقدسية الحقيقة العلمية والتاريخية أيضا.
حديث الدكتور عن رسول الله:
لا أريد أن أحدثكم هنا عن رأيه وقوله بحق اليهود في مكة والمدينة.. ولا عن تشكيكه في صحة القرآن الكريم.. ولا عن دوافع (الغزو) العربي.. ولا عن دور المنتجات الزراعية في انتشار اللغة العربية…. وغير ذلك من الأكاذيب.. بل سأكتفي هنا بوجهة نظره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.. حيث يقول في الصفحة (125) من كتابه حيوات العرب:
(ولقد غادر النبي مكانه غار حراء.. وفي نفسه أن يلقي بنفسه في هوة.. ولكنه سمع صوتا في الطريق يعلمه بأنه أصبح رسول الله.. وعندما رفع عينيه إلى السماء.. رأى شيئا يقطع الأفق.. وتحول عن قصده وظل في مكانه أمدا طويلا.
وليس من شك في أن هذه التجربة.. قد أثرت على حياة النبي الخاصة تأثيرا كبيرا.. ولا يعنينا أن يقول قائل إنه نوع من الرؤى والأحلام.. “ولكن الذي يهمنا هو أن النبي اقتنع بهذه التجربة اقتناعا كاملا.. وأنه اعتبر نفسه رسولا من عند الله”.. وأنها دفعته بعد ذلك.. إلى أن يبشر لأبناء قومه بوجود الله ووحدانيته… ولئن كان قد راوده الشك أول الأمر .. حتى أنه كان يرغب في الانتحار فلقد راود الشك غيره من الرسل.. فلقد خشي بعضهم أن يكون نبيا زائفا تنقطع رسالته بعد حين)…. (يتبع).