من مقالات منتصف اللّيل (11)
الصديق الطيب البخاري
من طرائف الحبّ في الأدب العربي.
أذنب الشّاعر المحبّ المعروف (قيس بن الملوّح) في حقّ نفسه حين ذكر محبوبته ابنة عمّه ( ليلى العامريّة ) في شعره الأمر الذي جعل من عمّه أن يرفض طلبه بالزّواج منها على عادة العرب برفض تزويج بناتهم لمن يذكرون اسمها في كلامهم أو شعرهم صونا لشرف البنت وشرفهم , رغم حبّ قيس لها وشغفه بها وكونه في شعره عفيفا وكلامه مجرّد شعرا عذريّا لا شيء فيه يخدش الحياء ولا فيه ذكر لما تخبّيه النّساء , حتّى أنّ معاصروه في ذاك العصر وهو العصر الأموي أطلقوا عليه ( مجنون ليلى ) , وبهذا الوصف عرفناه في ثنايا كتب مؤرّخي تاريخ الأدب العربي بأنّه من الشّعراء العذريّين.
كان المجنون وهو الشّغوف بحبّ ليلاه يقول فيها من حبّه لها شعرا دون أن يمسّ شرفها ولا يحطّ من قدرها فهو شعر عذريّ سليم من وصف مفاتنها وبعيد عن كشف أوصاف جسدها على غير عادات الشّعراء في زمانه من طرقهم للمفاتن والكشف عن الخبايا والعورات للنّساء اللاتي يذكرونهنّ في كلامهم وأشعارهم.
وطريف الأمر الذي أردت ذكره وتسجيله أن صادف المجنون مرّة وهو في طريق تجواله المعتاد بمجموعة أناس يصلّون وكان وقته ذاك ينظم قصيدة في التّغزّل بابنة عمّه ليلى ويرجعها فلم يفطن لوجود الجماعة فلم يحيّيهم ولم يقرئ عليهم بالسّلام، فلاموه بعدها على ذلك.
كانت إجابته لهم بليغة وحاسمة ومفحمة فقد أجابهم: لو كنتم تحبّون الله وأنتم تعبدونه كما أحببت ليلى لما رأيتموني أصلا ولم تلوموني.
عرفت الحكاية من أبيات الشّعر التي سجّلتها لنا كتب تاريخ الأدب العربي فالمصلّون أو أحدهم عاتب المجنون بقوله: أتمرّ علينا ونحن نصلّي ولا تصلّي معنا؟ سألهم: أكنتم تصلّون؟ قالوا: نعم، قال يجيبهم: والله ما رأيتكم ولو كنتم تحبّون الله كما أحبّ ليلى لما رأيتموني.
فقد كان حبّه لليلاه رحمه الله حبّا روحيّا عذريّا خالصا.
رحمه الله ورحمها ورحم الحاضرين ورحم من أوصل لنا هذا من المؤرخين وغفر للجميع، ولنا ولكم ولسائر المسلمين.
السّلام ختام.