تأثرت بالأدب الروسي واللاتيني
عبدالعليم حريص | مصر
أكدت الروائية الليبية نجوى بن شتوان، أن الشارقة كانت نقطة التحول الأولى في مسيرتها الأدبية قبل البوكر، وأن رواية (زرايب العبيد) غيرت في مسيرتها، لأنها أخرجتها للقراء العرب.
وأوضحت في حوار مع مجلة (الشارقة الثقافية) أن الرواية الآن تحظى بالتميز لكونها الأولى في الآداب العربية حالياً، مشيرة إلى أنه لا توجد كثير من المؤسسات تدعم القصة بجوائز كما هي الحال في الرواية، بخلاف الغرب؛ فالرواية في العالم الغربي الآن، ضعيفة نسبياً مقارنة بالقصة.. مشددة على أن كتّاباً كثيرين لم يقدّروا في وطننا العربي، وإذا قدّر لي جائزة كبيرة، سأقول بأن هؤلاء يتناصفونها معي.
واعتبرت شتوان، أن الرجل محمي اجتماعياً، خلاف الأنثى التي مازالت تكافح من أجل أن تثبت نفسها، وأن تكتب كما تريد هي..
كيف كانت بداياتك في عالم الكتابة؟
– الشارقة كانت نقطة التحول الأولى في مسيرتي الأدبية قبل البوكر، حين فزت بأول جائزة وبنص مسرحي شبابي، في مسابقة الإبداع العربي، وقد وجدت ردة فعل طيبة في بلاد كثيرة، ما أعطاني فرحة لم تعطها لي أي جائزة أخرى.. فأول إصدار لي خرج من الشارقة، وبقيمة الجائزة التي تقارب ألف دولار، طبعت أول مجموعة قصصية على حسابي في مصر (قصص ليست للرجال). وقد بدأت بالقصة وبعدها كتبت مقالات مدةً طويلة، ثم توقفت عن كتابة المقالات، لأنها سيأتي عليها وقت وبعضها لا يقرأ، فركزت على القصة والرواية.
وكانت أول رواية لي هي (وبر الأحصنة)، وفازت في جائزة مهرجان الخرطوم، وبعدها أصدرت مجموعة قصصية، ثم أصدرت رواية (مضمون برتقالي) وكانت تجريبية جداً، حيث جربت أن أكتب بنوع آخر مختلف عمّا هو مألوف.
طالع أيضًا: نجوى بن شتوان المرشحة لجائزة بوكر للآداب لفسانيا: قدر زرايب العبيد أن تكون منطقة بحرية!
وماذا عن رواية (زرايب العبيد)، والتي تعدّ جواز مرورك للقارئ العربي؟
– بالفعل غيرت (زرايب العبيد) في مسيرتي، وكانت المنعطف الثاني في حياتي بعد الشارقة ككاتبة، لأنها أخرجتني للقراء العرب، وصنعت لي الشهرة، فالآن صرت اسماً معروفاً، والقارئ العربي يترقب أعمالي، وتأتيني رسائل عدة تنتظر روايتي المقبلة، وقد صنعت لي اسماً عند الغرب أيضاً، وألقت عليّ الضوء كامرأة قادمة من الوطن العربي، وتصدرت مكانة جيدة في مجال الرواية، وأصبح هناك تقدير لي من المجتمع العربي والغربي، وحتى في وطني ليبيا، والذي كان في البداية يزدري الكتابة، ولا يشجع عليها ويحبطها.
ما أبرز القضايا التي تكلمت عنها في أعمالك؟
– تناولت كل ما يتعلق بحياة المواطن العربي، والغربي، حيث أعيش حالياً في إيطاليا، بعد أن طالت يد الحرب ليبيا، وقد أصبحت جزءاً من المجتمع الأوروبي وهو جزء مني، ونتشارك معاً في كثير من الخصائص. والعمل القادم الذي أنجزته، أنا بصدد التعديل عليه حالياً عن المجتمع الإيطالي.
من الشخصيات الأدبية التي تأثرت بها؟
– في بداياتي اطلعت على الأدب المترجم، من أمثال تولستوي وتشيخوف من الأدب الروسي، وأيضاً الأدب الفرنسي بهرت به جداً، ثم الأدب اللاتيني الذي شغفني حباً. وكانت الروح الملهمة لي من الأدب اللاتيني، ماركيز وإدواردو غاليانو، فالأخير كان مدرسة في الأدب، وجائزة نوبل المجحفة التي لم تغيّر من قوانينها لكي تعطى لكاتب متوفى، لذلك يجب أن يأخذ قدره ككاتب قدم للإنسانية الكثير لأبعد من نوبل.
أما العرب؛ فهناك أعمال تستهويني، وأخرى لا تستهويني لنفس الكاتب، لكن يوجد بعض الأسماء أحبها؛ كالفلسطيني إيميل حبيبي، والسوري زكريا تامر في القصة القصيرة. وفي الرواية عبدالرحمن منيف، ورضوى عاشور، ولكن الوطن العربي لم يقدرهم. وإذا في يوم من الأيام قدر لي جائزة كبيرة، سأقول بأن هؤلاء يتناصفونها معي.
كيف تقيمين الرواية كجنس أدبي داخل المشهد الثقافي دوناً عن باقي الأجناس؟
– الرواية الآن تحظى بالتميز، لكونها الأولى في الآداب العربية، فإن كان الشعر قديماً هو ديوان العرب، فالرواية هي ديوانه الحالي، وربما يأتي اليوم الذي تصبح فيه القصة القصيرة ديوان العرب، وكما صعدت الرواية فقد تصعد فنون أخرى. وأية حركة سيكون فيها الغث والثمين، ففي الرواية العربية الآن أعمال تضاهي العالمية، وأخرى أقل من المستوى، لكن لنكن متفائلين ونقول إن الجيد يأتي مع اللاجيد ليبقى، فاللاجيد يذهب إلى النسيان، في زمن تحدث فيه الغربلة.
كانت القصة رائجة في الستينيات والسبعينيات، فلماذا تراجعت حالياً أمام الرواية؟
– أسباب تراجع القصة هو أن الكثير من كتابها ذهبوا إلى كتابة الرواية، فلماذا يكتب قصة ويبقى في الظل في حين الرواية ستجعله في المقدمة؟ لكن القصة ستعود وتتبوأ مكانتها اللائقة بعد الرواية أو تنافسها، فمن يكتب رواية يستطيع أن يكتب قصة، والعكس صحيح. فالمسألة في الاختيار الشخصي، وفي الظروف المهيئة لجنس الأدبي. فللرواية مؤسسات تستوعبها وترفع من قدرها، ولها حضور لدى القراء وشعبية لدى العامة، بينما القصة لا توجد كثير من المؤسسات تدعمها بجوائز مقارنة بالرواية، وتعدد جوائزها المحلية العالمية.. فالدعم المالي للجوائز يتجه للرواية ولا يتجه للقصص القصيرة، بدليل أن الناشر العربي يقبل على الرواية وليس القصة، بخلاف تجربتي مع الغرب، فلديهم اهتمام بالقصة، ويرصدون جوائز للقصة الآتية من لغات أخرى، فما ينخفض في جهة يعلو في جهة أخرى.
فالرواية في العالم الغربي الآن ضعيفة نسبياً مقارنة بالقصة. ولي تجربة شخصية، فبعد رواية (زرايب العبيد) والتي وصلت إلى القائمة القصيرة في البوكر، رجعت إلى كتابة القصة وأصدرت مجموعتين، فالإقبال في السوق الأوروبي وعند الناشر الأوروبي، وفي الصحف الأوروبية والأمريكية والغربية تسعى إلى ترجمة القصص ويحتفون بها أكثر من الرواية، فالمزاج الغربي عندما يتجه إلى العالم العربي للترجمة في الآداب، يميل إلى القصة أكثر من الرواية.
ما دور الجوائز في مسيرة أي كاتب؟
– الجوائز تعطي الكاتب المكانة التقديرية ثم تدعمه مالياً، فالأدب لا يطعم خبزاً، والجوائز تدعم الكاتب في أن تريحه مادياً، وتجعله يتفرغ من دون عمل لكي يكتب، هذه هي ميزتها، كذلك صناعة اسم، فعندما ترشح مثلاً لجائزة مهمة، فهذا ترويج للعمل وللكاتب.
الكتابة النسوية مازالت أمامها الكثير من التحديات سواء اجتماعية أو فكرية، كيف نقدم هذه الفكرة بشكلها الصحيح للمتلقي؟
– الكتابة النسوية كانت في فترة ما تهتم فقط بقضايا المرأة العربية في جيل المؤسِّسات، مثل لطيفة الزيات، ونوال السعداوي، وغيرهما.. أما الآن؛ فالكتابة النسائية هي الأدب الذي تكتبه امرأة، ولكن لا يتعلق بقضايا النساء، وقد أصبح هذا المفهوم يتراجع أن هناك كتابة نسوية أو ذكورية، وأصبحت الموضوعات التي يطرقها الذكر تتناولها الأنثى، وأفضل منه في كثير من الأحيان، فالمرأة تعاني رقابةً اجتماعية. أما الرجل؛ فقد تخطاها بما لديه من سقف حماية اجتماعية، فالرجل محمي اجتماعياً، خلاف الأنثى التي مازالت تكافح من أجل أن تثبت نفسها، وأن تكتب كما تريد هي، وأن تقلل الموانع الاجتماعية والرقابة عليها، أو لتتحمل أن تدفع الضريبة، من العائلة أو من الزوج أو من الأولاد. ولكن لن نجد الكثير من الشابات تحررن من هذا القيد، ففي بعض المناطق العربية مازالت المرأة تعاني.
كيف تقيمين تجارب بعض الروائيين الشباب؟
– التجربة مهمة وليس العمر الزمني، فهناك شاب يكتب بتجربة وبخبرة احترافية لا يكتبها روائي وصل سن السبعين مثلاً، فالمسألة رهن القدرات الشخصية وليست العمرية، فالشباب العربي الآن لديه تسرع وخاصة في الإقبال على الرواية، وسرعة صناعة اسم، والفوز بالجوائز يزيد الحماسة لديه لأن يكون نجماً بين يوم وليلة، وهذا يعتبر خرقاً للمراحل، ومن الأفضل التريث وعدم استعجال الشهرة.
كيف تنظرين إلى الحراك الثقافي في الوطن العربي؟
– الحراك الثقافي هو الذي نعول عليه، خاصة أن الوطن العربي يعيش موجة من التغيير، لذلك نعول على الثقافة لما لها من دور في صياغة إنسان المستقبل. ومن المبشرات أن هناك جهات ومؤسسات ليس كما السابق، ترعى الكتّاب وتقدم جوائز ومبادرات وتطبع الكتب، وحركة النشر مزدهرة، فالحراك الثقافي ممتاز، وإن كان لا يخرج للعلن، أو لا يعلم به الكثير، لكن سيعطي نتاجه فيما بعد. وفي كل الأقطار العربية هناك تركيز وأسماء ومبادرات، وقد أصبحنا مع رواج (السوشال ميديا) نعلم كل الأنشطة.
نجوى بن شتوان أستاذة جامعية وروائية ليبية، تقيم في إيطاليا، لها عدة مؤلفات في القصة والرواية والمسرح. صدر لها: (رواية وبر الأحصنة 2005م)، (مضمون برتقالي 2008م)، (زرايب العبيد 2016م) والتي وصلت للقائمة القصيرة في جائزة الرواية العربية (البوكر 2017م).
ومن مجموعاتها القصصية: (قصص ليست للرجال)، (صدفة جارية)، (الملكة) (الجدة الصالحة).
وفازت مسرحية (المعطف) بالجائزة الثالثة لمهرجان الشارقة للإبداع العربي في دورته السادسة (2002م)، ورواية (وبر الأحصنة) بجائزة مهرجان البجراوية الأول للخرطوم عاصمة للثقافة العربية (2005م)، وجائزة مهرجان الشارقة للإبداع العربي في مجال المسرح، وجائزة مؤسسة (هاي فيستيفال) لأفضل (39) كاتباً عربياً للعام (2009م).
الشارقة الثقافية | العدد الثالث والأربعون، 1 مايو 2020م