استطلاعات

الصور الفوتوغرافية.. سؤال.. المكان والذكريات والخصوصية

ضوء يستحيل إلي ذكريات

كاميرا
كاميرا

الصور التي نحملها ونعود بها من أماكن زرناها، هي ليست مجرد التقاطات عادية، بل هي استقطاع جزءا مهما من ذاكرتنا ونحن بين أحضان تلك الأماكن باختلافها وتنوعها، المشاهد فيها ليست وحدها ما تشدنا بل التصاق عقولنا بها وترجمتنا لها أيضا قد يكون ارتباطنا ببعض تفاصيلها.

الصورة .. هي حكاية بحد ذاتها وألوان مأخوذة من دواخلنا وتركيباتنا في ظروف مختلفة وانطباع يجسده ذكرياتنا وحنينا أحيانا ، وملامسة الجمال بأعيننا أحيانا أخرى.

سؤال مهم وجهناه للكتّاب المثقفين وإجابات تناغمت بين البوح والذكريات والعودة للماضي وبين الثقافة الصورة لديهم بشكل عام..

الكاتب والروائي/ جمعة أبو كليب

الكاتب الليبي جمعة بوكليب يوقع كتابيه بمكتبة الفرجاني بلندن
الكاتب الليبي جمعة بوكليب يوقع كتابيه بمكتبة الفرجاني بلندن

كلما شعرتُ بضيق الوحدة، أو تلبسني فرحٌ، أرجعُ إلى ألبومِ صوري القديمة، وكأني أنقّب باحثاً عن تفاصيل من أيام عمري أضاعتها ذاكرتي بهدف استعادتها. هي عادةٌ تأصّلت بمرور الوقتِ، وكانت تبهجنُي قديماً، وحالياً تحزنني. وأظنّني لست الوحيد في ذلك.

الكتابةُ الابداعية حِرفةٌ وصنعةٌ ومهنةٌ، وتختلف عن غيرها بكونها فنّاً وأدباً، وعدتها اللغة والخيال. فهل لصاحبها علاقة مميزة بالصورة الفوتوغرافية، ومختلفة عن غيره ممن يمارسون مهناً وصنائع ووظائف أخرى؟

الصورةُ هي الصورة. سواء أكانت معلقة في برواز على جدار، كتلك المعلقة على جدار غرفة في بيتنا المهجور، لشاب وسيم كنته في وقت مضى، أو مخزّنة وموثقة في ألبوم صور مع غيرها من الصور، كما أحتفظ بصوري في ألبومي الخاص. وكلها، في رأيي، لحظاتٌ مجمّدةٌ من زمن عبرنا ذات يوم مغادراً إلى ما لا نعرف.

الفرقُ بين الكاتب وغير الكاتب، في عالم الإبداع تحديداً، أن الأول منهما بحكم تخصصه، وملكة خياله، قادر على إعادة تلك اللحظات الزمنية المجمّدة في الصورة الفوتوغرافية إلى الحياة، واستنطاقها، أي توظيفها ابداعياً في نصّ ابداعي: شعري أو سردي.

الزمن الالكتروني زمن الصورة باستحقاق. الأجهزة الذكية التي نحملها جعلت منا مصورين فوتوغرافيين قادرين على توثيق كل لحظات حياتنا. وبعضنا أكثر شغفا بالتصوير من البعض الآخر. السؤال: لماذا الحرص على التصوير وبهذا الشغف؟

الأغراض تختلف باختلافنا. وفي حالتي الخاصة، ككاتب ابداعي، أعدُّ نفسي قليل الشغف بالتصوير الفوتوغرافي مقارنة بغيري. بمعنى أنني أحب الصور الفوتوغرافية، ولا أميل كثيراً إلى فعل التقاط الصور.

وهذا لا ينفي حرصي من وقت لآخر على التقاط صور بجهاز هاتفي كما يفعل البشر من حولي. في أغلب سفرياتي مثلا، أحرص على تصوير الأمكنة القديمة، وما يستقطب عيناي وقلبي من أشياء تبدو لي غريبة، وتستحق التصوير والاحتفاظ بها. أما السؤال حول لماذا أحرص على التقاطها، فذلك ما لا أملك له إجابة. إذ ربما يكون بمثابة توثيق لمكان أو شيء أو لوحة اثارت انتباهي وحركت في داخلي مشاعر مفرحة أو محزنة.

التصوير الفوتوغرافي وسهولة التقاط الصورة أحيانا تجعلني أعزف عن التصوير. وفي أحيان أخرى تشجعني كثيرا علي التقاط صورة أو صوراً. ولا أميل عادة إلى الانتفاع بما ألتقط وأحتفظ من صور في كتابة نصوصي الابداعية إلا نادراً. ولا أملك تفسيرا لذلك.

الكاتبة فريدة الحجاجي
الكاتبة فريدة الحجاجي

الكاتبة/ فريدة الحجاجي

الصورة شكل من اشكال الفنون ونوع من انواع التواصل بين الماضي والحاضر ، فالصورة تلتقط لحظات مرت ولن تعود وتضعها بين ايدينا وتحت ابصارنا من جديد ، فهي بذلك قادرة على اضفاء صبغة “البقاء والدوام” على اوقات واماكن واحداث ومواقف حدثت في الماضي بما فيها من جمال وبهاء وايضاً ألم وحزن لكل ما يمر بنا في هذه الحياة ، وهي بهذا قادرة على ان تعطي لأولئك الذين يطلعون عليها امكانية ان يعرفوننا اكثر وان يتعرفوا علينا بشكل أعمق، وهذا ما تعني لي “الصورة”

الشاعرة والكاتبة/ أم الخير الباروني

الشاعرة أم الخير الباروني (باريس 2023)
الشاعرة أم الخير الباروني (باريس 2023)

ثقافة الصورة لدي أخذت مراحل في التطور وربط العلاقة بالذات وبالمحيط. في مرحلة مبكرة كانت الصورة محاولة لاقتناص اللحظة وتوثيق الجمال سواء كان جمال الحدث أو الشخوص أو المكان من خلال الرحلات المدرسية أو العائلية، مناسبات الزواج وميلاد الحفيد الأول والطفلة الأولى، التتويج الأول والفوز الأول. ومن بعد وفي مرحلة مبكرة أيضا من خلال حبي لقراءة التاريخ ومتابعة الوثائقيات صارت بالنسبة لي ذاكرة المواقف تعطي دلالات ومؤشرات تؤيد أو تنفي الكثير من الحكايات والروايات المتناقلة في تاريخنا الحديث على الأقل لأن اغلب الاحداث معززة بالصور لفترة ما قبل ان تتدخل التقنية لتشكك في مصداقية الصورة ولكن تتيح لك المقارنة وقراءة العالم وانتصاراته وهزائمه من خلال أبطال الانجازات الإنسانية والفكرية وقادة الحروب اللا إنسانية التي وثقت الصور بشاعتها ومقدار الألم والمعاناة البشرية فالصورة حاليا هي الشاهد الأخرس لكنه الناطق الصريح. هي شاهد أثبات ودليل براءة أو ادانة بدء من حياتنا اليومية وفي أعمالنا وصولا الى انتصار الصورة الصادمة ونجاحها في تجديد ايمان العالم بالقضية الفلسطينية ونصرة الأطفال والنساء في غزة.

لذا أؤكد بأن الصورة تمثل لي فرحة غافية ونشوة مدخرة، تنشط عند استرجاع أماكن زرتها ومعالم قرأت عنها كثيرا، انغمست في تفاصيلها وأسهمت الصورة في توثيق علاقتي بها. منها مدننا الاثرية لبدة وصبراتة حوش الحفر بغريان والقلاع القديمة والعيون والشلالات في عدد من مدننا امتدادا الى سور الصين وتاج محل والاهرامات وبرج ايفل واثينا القديمة المغارات الصخرية والنافورات والانهار والجزر البحر الأحمر وبحر العرب والبحر الميت والصورة تتحدث هناك خلف ذاك التل القدس. الصورة حياة مشتركة وممتدة ومشاعرة نابضة تنطق كلما تصفحت وصافحت معالمها خصوصا اذا ما كانت البوماً ورقياً.

الشاعر والصحفي/ عوض الشاعري

القاص عوض الشاعري
القاص عوض الشاعري

في تقديري أن هناك العديد من الدراسات ..لعل أهمها. إن هناك دراسة قد طبقت دراسة الصورة الذهنية للمدينة بشكل متكامل لأول مرة على ثلاثة مدن أمريكية هي مدن بوسطن ولوس انجيلس وجيرسي سيتي من أجل وضع تصور بصري متكامل لتنمية الصورة ..

الصورة الذهنية هي مجموعة الانطباعات التي تتكون في الأذهان عن قيم معينة سياسية أو شخصية، يساعد على تكوينها ما تبثه وسائل الاتصال الجماهيرية، أما الصورة الإعلامية فهي الصورة التي تقدمها وسائل الإعلام أو الإعلاميون حول دولة ما أو شعب ما أو قضية ما في إطار مجتمع معين بكل ما يتضمنه من أنظمة ومؤسسات تؤثر على عمل

الصورة الذهنية للمدينة تكوين انطباع ذهني واضح عن العمران للفئات المختلفة صور الذهنية

الصحفي والمترجم/ عبدالسلام الغرياني

الكاتب والترجم عبدالسلام الغرياني
الكاتب والترجم عبدالسلام الغرياني

حين يجوب المرء آفاقًا جديدة، يحمل معه قلبًا يرى وعدسةً تسجل لحظاتٍ تتحول إلى كنوزٍ باقية. فيرسم بوميض الضوء لوحاتٍ تحمل بصمات روحه، ويغوص في أعماق عالمٍ لا ينتهي، فالصورة الملتقطة، تعكس جمال العالم الداخلي والخارجي، تشدّنا أماكن ومشاهد نراها من زاويتنا ونقوم بتصويرها، الأمر لا يقتصر على المحترفين من المصورين، بل ذاكرتنا وذوقنا الخاص قد يعني الكثير لمشهد عابر لا يعني شيئا للآخر ونلتقطه بكاميرتنا.

في المحصلة نعود إلى بيوتنا من تلك الرحلة وقد ترسّخت في الذاكرة ذلك المشهد الذي قد يستمر معنا سنيناً عديدة.

ربما الذاكرة تختزن الصورة وهي الأكثر بهاء وديمومة، إلا أن الصورة المادية التي نتداولها بين الأيادي، غير الاستحضار، فهي ذات اثر ملموس وإن تعثر عليها احيانا وأنت تبحث عن شيء آخر، ثم أن الصورة الذهنية تموت مع صاحبها، غير الاثر المادي الذي يبقى للاحقين عندما يحتفظون بها داخل خزائنهم، كميراث يُتداول بين الاجيال.

الشاعر/ محمد الجزيري _تونس

أعتقد أنّ الصورة الفوتوغرافية لم تبق لها المكانة السابقة ..، فنحن نحيا عصر الذكاء الاصطناعي وعصر الشاشة والفيديو ..، وكلّ ما ذكرت حجّم المساحة الخاصة بالصورة، فقط يمكن اعتبارها من ذاكرة العالم ..يحتاجها في الأرشيف لا أكثر ولا أقلّ ، أمّا بالنسبة لي ككائن مرشّح للزوال بعد حين أو سنوات قليلة ..تبقى الصورة الفوتوغرافية كنز لي ..ففيه أرى نفسي في مراحلها المتتالية ..وأرى أهلي ..وأصدقائي وأعدائي ..منهم من مات عليه رحمة الله ..ومنهم من ما يزال حيّا ..، على كلّ حال ..، كانت الصورة الفوتوغرافية سيدة المشهد ..ونقول عنها : ” الصورة خير من ألف كلمة ” ..فذاك عصر فائت ونحن نسرع إلى دخول عالم غريب عجيب ..وسنرى العجب العجاب ……

الشاعر والكاتب "خالد درويش" - محاضرة (إيتابو بالبو ست سنوات في ليبيا)
الشاعر والكاتب “خالد درويش” – محاضرة (إيتابو بالبو ست سنوات في ليبيا)

الشاعر والكاتب/ خالد درويش

الصورة هي لحظة عمر.. هي تلك اللقطة التي نحاول أن نتمسك بها قبل أن نغادرها وتغادرنا.. هذا هو المعنى النوستالجي لها.. فهي لحظات سعادتنا وشقاءنا، محاولة إبقاء للذكريات حية ،

ترتبط بالزمان الذي نلاحقه ويلاحقنا وايضا ترتبط بالمكان فالحنين الى أماكننا التي سكناها فسكنتننا، إلى طفولة هاربة في زقاق تضيئه تلك الذكريات، إلى باحة اللعب وارجوحة الزمن الغابر.. تبقى الصورة هي المؤرخ الأمين لكل ذلك.

وحين تنضج الرؤية وتصبح الصورة قطعة فنية للوحة نعلقها وتصير المعرفة البصرية ذات حدود مترامية حينها يتدغن الفن مع الحنين يندغم الفن مع الحنين.. لنجمع بين التوثيق

مقالات ذات علاقة

المواقع الثقافية الإلكترونية رافد أم بديل للصحافة الورقية

خلود الفلاح

Benghazi Pictures: زمن جديد للسينما في ليبيا

خلود الفلاح

تدمير رسوم تعود إلى آلاف السنين في جبال أكاكوس

المشرف العام

اترك تعليق