حكايات وذكريات: سيرة قلم 30
خذوا العلم عن الجدات واتركوا الجامعات:
سأكتفي هنا بعرض شيء يسير.. مما كان يدرس بقسم اللغة العربية بجامعة بنغازي.. من مناهج مشبوهة وغريبة عن فكرنا الإسلامي.. الداعي الى احترام وتقديس هذه اللغة باعتبارها لغة القرآن الكريم.
لقد أرغمنا وبالأخص في شعبة اللغويات من الدراسات العليا، وبالذات مادة “مناهج البحث”.. على دراسة اللهجات المحلية والإقليمية بدل اللغة العربية، التي لا يعترف بوجودها كما يزعم أستاذ المادة.
في الصفحة (12) مثلا من المذكرة التي كانت مقررة على طلبة الدراسات العليا، يقول هذا الأستاذ.. وهو بصدد التفريق بين اللغة والكلام العامي:
(لغة طرابلس مقابل لغة برقة – لغة أولاد البلد – لغة الجزارين – لغة قذرة… الخ).. الى أن يقول: (ولاستعمال الكلام شيوع أيضا ربما اتضح في الآتي: القرآن كلام الله – كلام في كلام – كلام فارغ – علم الكلام – كلام الراديو – كلام الصحف – كلام نسوان – كلام الإنجليز – كرم برابرة.. ومعنى ذلك على التعاقب.. وحى الله – شيء لا يوثق بصحته – هراء – جدل.. الخ).
وانظروا بأنفسكم.. إلى تسلسل الجمل وتوالي المعاني.. على نسق هابط لا يحترم القرآن الكريم.. بل يسخر منه ويزدريه.
والغريب أن هذا الأستاذ الذي يعترف بوجود (كلام نساء القاهرة) في غير موضع من منهجه العقيم.. لا يعترف بوجود اللغة العربية الفصحى.. ويقول بأنها (لغة ميتة وليس لها وجود يذكر).. لينطلق بعد ذلك من خلال منهج مشبوه، لدراسة اللهجات المحلية.. بل اللغات الإقليمية كما يحب أن يسميها: (لغة طرابلس ولغة برقة ولغة البرابرة) وحتى (لغة قاريونس).
نعم.. حتى لغة قاريونس التي يعرفها أكثر منى ومنكم.. ومن ثم يعرض للطريقة المثلى التي يمكن من خلالها إعداد رسالة الماجستير أو الدكتوراه في هذه اللهجات أو بالأحرى إعداد الأستاذ المتخصص فيها.
وفى هذا نقرأ قوله ص: (60) من المذكرة نفسها: (عليك أن تختار من اللهجة التي تريد أن تدرسها.. من يتكلم هذه اللهجة ونشأ عليها منذ طفولته.. مع تفضيل المتكلم الذى لم يغادر المنطقة اللغوية التي تتكلم هذه اللهجة طوال حياته.. فهذا خير من يمثلها تمثيلا صحيحا).
وقــد قلت لــه يومهــا تعليقا على كلامــه: إن هـذه المواصفات التي تعددها تنطبق تمامــا علـى جدتي.. فهل تريد منا أن نغلق الجامعات ونتتلمذ على الجدات.
أرأيتم الى أي حد يجاهر بعرض هذا السخف الذي لا يليق بطلاب الدراسات العليا، الذين تمارس عليهم سياسة التجهيل المتعمد.. وإلا فما معنى أن يكون (مساعد الباحث أميا لا يقرأ ولا يكتب).. هل ثمة فائدة ترتجى من أساتذة الغد الذين سيتتلمذون على الأميين.
قسم اللغة العربية إذن لم يكن يقيم وزنا للعلم ولا للمتعلمين.. قسم اللغة العربية ومن خلال هذا المنهج يفضل دائما الجهلاء والأميين.. فإذا ما استشكل أمر ما على طالب الدراسات العليا.. فإنه حتما سوف لن يقوده تفكيره الى مصنفات العلماء والمتعلمين بل الى جهالات الأميين.. من أمثال جدتي وجدتك إن كانت لا تزال على قيد الحياة.
كيف لا.. وقد كان هذا الأستاذ يحرص كثيرا على تلقين هذه النصيحة الثمينة لدارسي العربية: (خير من يستشار في مثل هذه الأمور هم العامة).. ولهذا نراه دائما يغالط النحاة والقراء واللغويين.. من أجل أن يستقيم له الأمر مع ما يقول به الأميون.. كأن يقول لك مثلا: (هذا من تعجرف النحاة والقراء.. ذلك لأن نساء القاهرة يقلن إختس بدل إختشى، ويقلن أيضا يكدب بدل يكذب).
فهل كان ذلك يليق بقسم اللغة العربية.. ؟ وهل كنتم تعتقدون أننا كنا فعلا ندرس العربية.. ؟ وهل أدركتم بعد هذا الأهداف الحقيقية من وراء تدريس مثل هذه الأفكار المستوردة.
إن كان ذلك كذلك.. فإن الأستاذ مازن المبارك يقول:
(الدعوة الى العامية.. دعوة جاهل أو شعوبي وهى لا تعنى اجتماعيا.. غير التقاطع والانزواء وقوقعة المجتمعات الضيقة.. ولا تعنى قوميا وسياسيا.. غير تفكيك وحدة الأمة وتمزيق شعوبها والإكثار من كياناتها المتجزئة.. ولا تعنى إسلاميا غير إنشاء جيل بلا قرآن)……. ( يتبع).