من شريط الذاكرة!
عصام القبائلي
عشقي للمدينة القديمة بطرابلس، ليس وليد اليوم أو الأمس.. وكيف لا أعشق جزء من مدينتي وهي كتاب تاريخ حافل بالفرح والحزن عبر سنينها الطوال.. وعندي بها ذكريات جميلة وهي مرتع الطفولة لوالدتي وأخوالي وكذلك أخوال الوالد والوالدة.. كما توجد مجموعة من الصور والمواقف ماثلة في ذهني وعالقة في الوجدان إلي هذه الساعة..
كنت كثير التردد مع والدي وأخوتي في فصل الصيف إلي سوق النجارة، بحكم مهنة والدي وهي متعهد “المقاولات”، فكان يشتري مستلزمات مواد البناء والطلاء من هناك.. وعلي ذكر سوق النجارة جدي مصطفي محمود العش كان نجاراً وهي صنعة توارثها أبا عن جد، ومحله حتي نهاية الخمسينيات كان في فندق زوج أخته الحاجة زينب، وهو فندق الحاج صالح العدلوني بجانب جامع القادرية ومقابل جامع الناقة..
يتردد الوالد في ذلك الوقت علي محل دريرة “عبدالمجيد والهاشمي” بسوق النجارة ويتعامل معهم في صناعة الأبواب والسرنتيات والذي كان موجودا بزنقة شائب العين خلف البنك المركزي.. وكان الوالد يشترى لنا من محل عمي يونس القريتلى للحلويات الحليب باللوز والليمونادة وكذلك الباسطي.. لازال مذاق الباسطي وطاسة الليمونادة الباردة في فمي إلي الآن، والمحل ومكانه بميدان الساعة في ذلك الوقت.. وفي مناسباتنا العائلية من أسبوع، طهور، فاتحة، أو عرس، يتم توصية الحاج يونس القريتلى بتجهيز العبمبر والروزاطة لهذه المناسبات.. وبجانب محطة توليد كهرباء غرب طرابلس البخارية كان يوجد مصنع الثلج أعتقد إنه ملك لعائلة الشهاوي، كنا نشتري منه في الثلج في مناسباتنا الاجتماعية قبل ظهور الفريز بالبيوت والثلاجة فريزها لا يكفي للمناسبات.. مكان محطة الكهرباء ومصنع الثلج اليوم فندق كورنثيا..
في أحد الأيام كنت مع الوالد في السيارة ننتظر علي الطريق المقابل لزنقة حمام سيدي درغوت وإذا برجل كبير السن مربوع الطول لابس بالطوا رصاصي اللون ومعرقة بيضاء وبيده قفة ويقول للوالد: ياحاج خليفة تستنى في العويلة؟ رد عليه الوالد: غير سلم وأنت دايمة بدوشتك!.. فرد الرجل بعد السلام باليد: أنزل يا ولد وقعمز التالي وكنت أنا جالس بالكرسي جنب الوالد.. فرد عليه الوالد: أمشي خير ما ننزل نكسرك.. فرد عليه: قوللهم هذا جدي.. طبعاً هذا الحديث مجرد مناشبة فيما بينهما ثم التفت لي الوالد وقال لي: هذا عمك القبضي الدوس..
في بعض الأحيان كنت أنا وأخوتي عبدالله وفؤاد ننتظر الوالد عندما تكون لديه طلبية كبيرة من احتياجات لعمله من بناء أو صيانة في مقهي الترسانة المقابلة للبنك المركزي.. ونجلس علي أحد الطاولات بالخارج علي مقربة من كورنيش طرابلس القديم.. وكان صاحب المقهى عبداللطيف حمودة “عجيل” تربطنا به صلة قرابة..
في أحدى السنوات بالصيف.. أخذنا الوالد إلي متجر لبيع وصيانة الدرجات في سيدي عمران لصاحبه محمد حمودة “فرينس” وأشتري لنا ” بشكيليتات” لعبدالله، فؤاد، عصام، ومحمد، وبالنسبة لعباس لازال طفل صغير ذلك الوقت.