مهنّد سليمان
في يوم تهدهده نسائم الخريف الهفهافة وتحتشد الغيوم بكبد السماء فإزاء بذخ هذا الواقع ليس أمام المرء من بُدٍ إلا الاذعان لسطوة مُدامِ الطبيعة، وضمن نشاطها الشهري (سفاري) نظمت مؤسسة رواحل لبناء الإنسان رحلة شبابية إلى مدينة نالوت بجبل نفوسة عبر حافلات شركة السهم للنقل السريع، وكان الانطلاق من طرابلس على تمام الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم السبت 24 من شهر سبتمبر 2022م بمعيّة كوكبة من الشباب والشابات من مختلف المستويات والأعمار، وقد حلّقت بنا الحافلة على امتداد الطريق وهي تبعد عن طرابلس 276م كيلو مترا، لنتوقف عند منطقة قصر الحاج أحمد فتجولنا في رحابه وأروقته وهو بناء تاريخي إسلامي ضخم دائري الشكل كان يستخدم كمخزن لتخزين الحبوب يتكون من ثلاث طوابق وتعود ملكيته للشيخ الحاج “عبد الله أبو جطلة الإدريسي”، وشُيّد في عام 711 للهجرة واستغرقت عملية بنائه حوالي ثلاثة أعوام، يحتوي على عدد من الغرف تصل لـ114 غرفة موزّعة على عدد سور القرآن الكريم، ويضم حوالي 30 سردابا موزعة كذلك على عدد سور القرآن الكريم، تقدر مساحته الإجمالية بـ2099 متر مربع.
قصور لتخزين القمح والشعير
وأشار لنا أحد مرشدي المنطقة إلى أن جميع معالم منطقة قصر الحاج قد بُنيت بسواعد ليبية صرفة فلا يوجد أي معمار أجنبي بالقرية، وعقب تجولنا واكتشافنا لجماليات القصر والمنطقة المحيطة به والالتقاط الصور التذكارية، صعدنا الحافلة لنواصل رحلتنا نحو نالوت، وعبر الطريق يتراءى للعين مساحات تحدها القفار وأبراج الضغط العالي وسط صمت ثقيل لا يكسره سوى الأغاني والأهازيج المنبعثة من جهاز التسجيل بالحافلة، وفور وصولنا لنالوت التي لا تختلف كثيرا عن قرى ومناطق جبل نفوسة فهي تتكئ بوداعة بين أحضان الجبل وتمتاز بقربها الحدودي من تونس والجزائر، ثم اتجهنا لزيارة قصر نالوت أحد أعرق مخازن تخزين الحبوب والغلال بالجبل ويبدو تصميه الهندسي لوهلة يماثل خلية النحل ويحتوي أيضا على معصرة بن زكري للزيتون، يتكون القصر من 6 طوابق بعدد كبير من المخازن بداخله، وقدم لنا أحد مرشدي المنطقة الذي رافقنا طوال الرحلة شرحا كافيا حول تاريخه وتاريخ المعصرة والأليات العمل المتبعة عليها قبل زمن حيث كانوا يستخدمون جملا في عملية عصر الزيتون ويعصبون عينيه لئلا يرهقه الدوران المستمر.
الفتات الجبالي
ومن ثم توجهنا لأحد بيوت الحفر التي جهزت مسبقا ومن المزمع أن تتحول لفضاء ثقافي يستقبل ورش العمل والدورات التدريبية، تبادلنا أطراف الحديث مع بعض السكان المحليين هناك حتى حان وقت الغداء الذي كان وجبة شعبية تشتهر بها نالوت ومناطق الجبل ككل وهي وجبة (الفتات) اللذيذة ومن مكوناته خبز تنور ومرق بصل مطعّم بالحمص واللحم الضأن، وكانت أول عهدي بهذه التجربة فقد سبق وأن عرفت (الفتات) في جنوب ليبيا وفي غدامس لكن هذه أول مرة أتناول فيها (الفتات) الجبالي وهو مختلف عن (الفتات) بالمناطق الأخرى.
نالوت الاكتشاف المذهل
قبل بلوغ العصر توجهنا لزيارة متحف الديناصورات والتاريخ الطبيعي ولعله من أبرز فوائد السفر هي الاكتشاف أو بالأحرى إعادة إكتشاف ما كنت تعتقد بمعرفته، اكتشاف أن بوادي المردوات عاش قبل 120 مليون عام الديناصورات واكتشفت هذه الدهشة بمحض الصدفة عن طريق رجل اسمه “مسعود خليفة المشائخ” فقد كان أول من اكتشف بقايا مجموعة متنوعة من رفات عظام الديناصورات حين كان يعمل بالمحجر الرملي بالوادي المذكور وذلك عام 1998م مما استرعى انتباه بعض البُحّاث والدراسين الجيولوجين من عدة جامعات غربية اللذين واصلوا من نطقة اكتشاف المشائخ الحفروتحليل العينات ليكتشفوا بأن بخط الوادي كان هنالك بحيرات عاش فيها الزواحف كالتماسيح والكائنات البرمائية، للتاريخ أغوار فوق هذي البلاد، واختتمنا رحلتنا بزيارة منتزه غابة تالة السياحي .