سرد

تخاريف جدي

من أعمال المصور الفوتوغرافي طه الجواشي
من أعمال المصور الفوتوغرافي طه الجواشي

خرف “جدي”، قبل أن يخبرنا بسر رحيل أبي، شاخت  ذاكرة “سبها، نامت عن الشوارع الجديدة وألسنها الغريبة، دفنت تحت الطلاء الجديد الذي أخفى جدرانها؛ حتى أولاد “بوجْلُوة” الميسورين يا “جدي” اقتطعوا طرف سورهم غرفة وبابا خارجيا استأجره مهاجرون أفارقة؛ نصبوا أمامه عربات شواء “المايناما”؛ والشاي المتجول للعبور، وحطب “الدرو” لشد أزر نساء “شارع 40″، (كراتين) مطروحة على التراب تعرض مقتنيات أنجامينا ولاجوس، خرق عليها كل مواعيد العمل، وصفقات الممنوع، وزيارات الأبواب الخلفية، كلها تباع أمام بوابة بيتنا الكبير يا “جدي”!

  حذرت “أمي” “إيشّي” من الخروج (الشارع مخلط يا بنتي وكله دايخ ردي بالك)، حينا اليوم ديمقراطي يا “جدي”، ديمقراطي، في عاشوراء تطبخ “أمي” هريسة الشعير المجروش بالقديد، الخالة “ازهيرة” تصنع فطائر مطحون القصب الحامض، عمتي “قابس” تركت طقوس عاشوراء بعد أن قال لها ولدها إنها بدعة، حيّنا اليوم ديمقراطي يا “جدي”، ستسمع فيه أغاني الهوسا والمرزكاوي وفيروز، وفائزة أحمد تصدح “زمان غريب يا زمان.. يا زمااان مالكش أمان”، وتلاوة الشيخ “السديسي” وازدحام على كاسيت “عذاب القبر”، ديمقراطي يا “جدي”، (كل يختار الحكومة اللي تعجبه، واللغة التي يعتد، ويرفع الراية التي تمثله، انتهى عهد الدول التي تعرف يا “جدي”!

  وأنا في خرائبه خفت، وانبطحت، وكذبت، وسكرت، وتقيأت، وبعت “الحشيش”! لا تعنيني حكومة ولا راية، ولم يعد “باتي” كما وعدتني يا “جدي”! أنت نضبت، و”أمي” مرضت، وتشققت جدران بيتنا ولم يعد “باتي” يا “جدي”! احتاجه! أريده حتى وإن ارتبتُ منه، أحبه وأعذره مهما كان سره، أريده وإن كان جافيا، فإنه عندما عصرني بقي فيه شيء مني؛ ومعه رحل! القلب لا يكذب، يخفق معنا، يحب معنا ويعادي معنا، ووحده يحملنا وخطايانا ومن معنا حتى آخر خفقة! وقلبي خفق لوالدي يا “جدي”!


مقطع من رواية “إيشي”.

مقالات ذات علاقة

رواية الحـرز (17)

أبو إسحاق الغدامسي

وحكايات اْخرى!!

سالم الكبتي

الكرنفال

محمد الأصفر

اترك تعليق