هبة المزوغي
في قراءة مختلفة نوعاً ما وعن طريق الصدفة المحضة وقع بين يديّ كتاب The History of Mathematics: A Very Short Introduction/Jacqueline Stedall / “تاريخ الرياضيات: مقدمة قصيرة جداً” لكاتبته جاكلين ستيدال
وبالرغم من أن عنوان الكتاب يشير إلى أنه يتناول تاريخ الرياضيات فقط، إلا أن ما أحببت الإشارة إليه هنا هو بعض ما أثار انتباهي والذي كان في الفترة الأخيرة محط اهتمامي، ألا وهو نظرتنا للتاريخ وكيفية التعامل معه .. وبدون إطالة سأوجز أربعة محاور تطرقت إليها الكاتبة:
الأول: نظرية فيثاغورس
لعل أغلبنا يتذكر هذه النظرية من أيام الدراسة لكن قليلون فقط من يعرف أنها ليست هناك أي أدلة على أنها فعلاً له .. فلا وجود لوثائق كتبها هو أو أي من معاصريه. وفي الحقيقة، فإن أول ما كُتب عنه كان حوالي 800 سنة بعد ميلاده ما يجعله شخصية أسطورية لا يُعرف عنها إلا القليل. والتشكيك هنا ليس في وجود الشخصية بل فيما تناولته وأنجزته.
الثاني: نظرية البرج العاجي
وتروج هذه النظرية لفكرة العبقري المنعزل عن العالم والقابع وسط أكوام من الكتب والأوراق لفترات طويلة إلى أن ينتهي به المطاف إلى وضع النظرية التي كان يعمل على الوصول إليها وتثبيتها .. إلا أن الحقيقة هي أن التبادل الفكري والنقاش العلمي لا غنى لعالِم من كان عنهما.
الثالث: نظرية الأحجار المتفرقة
أي أن الرياضيين (والعلماء عامة) يُنظر لهم على أنهم ليسوا فقط منعزلين عن الناس، لكنهم منعزلين كذلك عن الماضي .. كما لو كانوا أحجاراً مبعثرة هنا وهناك وليسوا مرتبين بطريقة تؤدي إحداها إلى الأخرى. لكن الواقع يقول إنه كلما رجعنا إلى الوراء كلما صعب ترتيب الأحجار لأن الدلائل التي قد تساعد على ذلك تتداخل ويعتريها الشك وأحياناً حتى تتلاشى مع مرور الزمن.
الرابع: نظرية الصفوة
أي أن الرياضيين كانوا أعلى مرتبة من البقية وينتمون إلى حلقة صغيرة جداً من الصفوة بحكم تعليمهم. ولكن تبقى الحقيقة أن البقية وإن لم يكونوا علماء كانوا يستخدمون الرياضيات وما تعلموه منها، بطريقة شفهية أو عملية، في مناحٍ كثيرة من الحياة. فالنجار والبنّاء والرسام والتاجر والنقّاش ليسوا رياضيين ولكنهم على دراية جيدة بالرياضيات واستخداماتها في الحياة اليومية.
وإسقاط ما سبق على تناول التاريخ ودراسته يُحتم المرونة في تعاطيه وتنويع المصادر وأخذ الظروف الزمانية والمكانية في عين الاعتبار واستخدام الترجيح في النقاش بدلاً عن الجزم والقطع عندما يكون لا سبيل لذلك، كما أن طرح الأسئلة من طرف المتلقي مطلوبٌ فلا تؤخذ كل معلومة بالضرورة على أنها مُسَلَّمة.