سعيد العريبي (حكايات وذكريات - سيرة قلم)
تجارب

فهل سألوا الغواص عن صدفاتي

حكايات وذكريات : سيرة قلم 23

أنا البحر في أحشائه الدر كامن.. فهل سألوا الغواص عن صدفاتي:

متأثرا بهذا البيت الشعري الجميل.. جئت إلى قسم اللغة العربية: وولجت بحرها الزاخر العميق.. لأظفر بأصدافها التي كنت أمني النفس بإقتنائها.. لكنني لم أكن صيادا ماهرا يحسن الغوص في الأعماق.. ولم أجد من الغواصين من يحسن الغوص في بحارها.. ويقتنص من دررها وجواهرها الجميلة ما يريح النفس ويسعدها.

أتذكر الآن.. شدة فرحي وسروري في أول أيامي بقسم اللغة العربية.. لثلاثة أسباب لا غير:

أولها: أن العربية لغة ديني وقومي.

وثانيها: اعتقادي أن هذا القسم هو الطريق الأمثل لدراسة الأدب المقارن والآداب العالمية.. وارتياد عالم الأدب الواسع الكبير.

وثالثها: قبولي طالبا بهذا القسم.. يعني أنني درست وتخرجت في القسم الذي تخرج فيه الصادق النيهوم.

أتذكر أنني في ذلك اليوم كنت أحمل معي نسخة من كتاب جميل ورائع عن الشاعر الإنجليزي الكبير بعنوان: (ت. س. إليوت) من سلسلة نوابغ الفكر الغربي.. لمؤلفه الدكتور فائق متى.. كنت قد وجدته بالمكتبة المركزية.. فأعجبت به كثيرا فاستعرته وصورته وجلدته.. وهو عبارة عن رسالة دكتوراه من جامعة ليفربول.

لكن أحلامي العراض ذهبت جميعها أدراج الرياح.. فقد اكتشفت فيما بعد أن الطالب في هذا القسم مجرد آلة تسجيل يسكب في الإمتحان ما يفرض عليه حفظه.. دونما إبداع أو تفكير.. واكتشفت أيضا أن الآداب العالمية واللغات العالمية المعاصرة ليست من مقررات هذا القسم ولا وزن لها بمقارنتها مع بقية المقررات.. التي أكل عليها الدهر وشرب.. ولم تعد في (أغلبها) تصلح لهذا العصر.

وبدلا من ذلك.. شغلوا أذهاننا الصغيرة المتفتحة بحكايات ساذجة.. ومشاهد مخزية من تراثنا العربي.. كهذا المشهد الغريب الذي ظل يلازمني منذ ذلك الوقت.. وهو قول الشاعر:

قومٌ إذا استنبح الأضياف كلبهمُ..

قالوا لأمّهمُ بُولي على النّار..

فتمسك البول بُخلا أن تجود به..

ولا تبول لهم إلا بمقدار.

أفلا يعد خروجا عن مقام الأدب.. ترديد مثل هذين البيتين وغيرهما على طلاب قسم اللغة العربية المختلط.. أليس من المخجل.. أن يردد الأستاذ على مسامع الشباب والشابات.. مثل هذا الإسفاف.. وهذا الابتذال المخجل.. الذي يطلقون عليه: أقذع بيتين في الهجاء.

أعني.. حتى وإن قيل عن هذين البيتين إنهما من أبلغ ما قالت العرب في الهجاء.. لكنهما أيضا وفي اعتقادي من أقبح وأقذع ما يذاع على مسامع الطلاب.. في قسم مختلط.. وفي القرن الواحد والعشرين.

فهـل عجز الأساتذة الأجلاء.. وهل نضبت دواوين شعراء العرب.. عن أن يتحفوا عشاق اللغة العربية ودارسيها.. بمعان سامقة وعبارات رقيقة وسلسلة وراقية.. وأفكار مجنحة وفاتنة.. تليق بالعصر الذي يعيشون فيه.. ثم يتركوا لهم بعد ذلك.. حرية اكتشاف جواهرها.. من مصادرها المعتبرة والمعروفة.

من أعمالي المميزة خلال هذه السنة :

(أنشودة اللاجئين).. التي كتبتها في ذكرى حرق المسجد الأقصى.. وأهديتها إلى: (شهداء انتفاضة الأقصى).. ونشرتها بصحيفة الجامعة التي كنت عضو تحرير فيها.. فاختارتها فرقة الجامعة وقامت بتلحينها.. وقدمتها في أحد احتفالات الجامعة.. وكان المنشد لها طالب من تايلاند.. وأذيعت بالمرئية الليبية لمرات عدة.

أنشودة اللاجئين

“1”
مأساتنا يا اخوتي .. خلقنا طيبينْ
نصدقُ الكلامْ .. نصدقُ الوعودْ
منْ حاكم ٍ جبانْ .. يباركُ الظلامْ
ويرتضي الهوانْ
وثلة ُ القرودْ .. من معشر ِاليهودْ
في موطن ِ الجدودْ .. تنعمُ بالسلامْ
تنعمُ بالسلامْ

“2”
مأساتنا يا اخوتي
من حكموا البلادْ .. وكبلوا العبادْ
وأخلفوا الوعودْ
لم يحكموا يا اخوتي .. ليهدموا الخيامْ
ويرفعوا البنودْ
ويجعلوا الدروبْ .. تقودُ من جديدْ
لموطن ِالجدودْ
من ألف ِألف ِ عامْ .. قالوا لنا وعودْ
قالوا غدا نعودْ
لقدسنا .. لأرضنا .. لمجدنا التليدْ
من ألف ِ ألف ِ عامْ .. نعيشُ في الخيامْ
وثلة ُ القرودْ .. من معشر ِ اليهودْ
في موطن ِ الجدودْ
تنعمُ بالسلامْ .. تنعمُ بالسلامْ

“3”
مأساتنا يا اخوتي
من نكسوا البنودْ .. وصالحوا اليهودْ
ونحنُ في الخيامْ
من ألف ِ ألف ِ عامْ .. يرشوننا كلامْ
وتخلفُ الوعودْ
من ألف ِ ألف ِ عامْ .. نعيشُ في الخيامْ
ونرسمُ الأحلامْ .. بمستوى الكلامْ
بمستوى الوعودْ
وثلة ُ القرودْ .. من معشرِ اليهودْ
في موطن ِ الجدودْ
تنعمُ بالسلامْ َ .. تنعمُ بالسلامْ

مقالات ذات علاقة

تجربتي في إذاعة “طرابلس العرب”

يونس شعبان الفنادي

كتاب: حيوات العرب لا ينصف العرب

سعيد العريبي

الرسالة الثانية

سعيد العريبي

اترك تعليق