المقالة

البعد الابستمولوجي والأخلاقي للذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي (الصورة: عن الشبكة)
الذكاء الاصطناعي (الصورة: عن الشبكة)

 فكرة الذكاء الاصطناعي أو الروبوت فكرة قديمة يمكننا أن نقتفي أثرها في الميثولوجيا اليونانية القديمة التي كانت تتحدث عن الإنسان الخارق أو الآلي، كما يمكن إرجاع تاريخ الذكاء الاصطناعي إلى التفكير الفلسفي والعلمي المبكر حيث اهتم الفلاسفة بالذكاء بدء من افلاطون وارسطو ومرورا ببرغسون دون اتفاق على تعريفه.

في الواقع يمثل الذكاء الاصطناعي الثورة الصناعية الرابعة التي رافقت التاريخ البشري والتي سبقتها ثورة الماء، وقوة البخار، ثم الكهرباء، ثم الحاسوب، وأخيرا الذكاء الاصطناعي وهو مصطلح صاغه ماكردي سنة 1955م ليطوره فيما بعد مينسكي على مجموعة تقنيات وخوارزميات مشكلة على هيئة تطبيقات تسعى إلى محاكاة الذكاء البشري وذلك بتزويد الكمبيوتر بكم هائل من البيانات وفي هذه النقطة تحديدا يتفوق الذكاء الاصطناعي لأنه لا يعمل فقط في إطار البيانات التي يُغذى بها ، وإنما يعتمد على فكرة التعلم العميق وصولا  إلى التحسين والتقييم الذاتي.

من أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي روبوت شات جي بي تي 4 الحديث والمزود بما يقارب من 100 ترليون من البيانات التي تمكنه من المعالجة اللغوية والرقمية وحتى البصرية.

تطبيق كلاودووك والذي تستخدمه السلطات الصينية للقبض على المجرمين ويقوم بمليار مقاربة وجهية يوميا واستطاعت السلطات بفضله القبض على أكثر من 15ألف مشتبه به، كما تم تعميم استخدامه في 29 مقاطعة في الصين. وغيرها من التطبيقات التي لا يتسع المجال لذكرها هنا.

هذه الأهمية الكبيرة للذكاء الاصطناعي دفعت شركات التكنولوجيا العملاقة إلى تكثيف الأبحاث والاستثمار في هذا المجال واذكر هنا على سبيل المثال البرنامج الذي أطلقته شركة مايكروسوفت( الذكاء الاصطناعي من أجل الأرض ) بكلفة تصل إلى 50 مليون دولار ، مدة البرنامج خمس سنوات ويهدف إلى نشر خبرة الشركة التي تصل إلى 35سنة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاعات الرئيسية الأربعة وهي الزراعة، المياه، التنوع البيولوجي، تغير المناخ.

هذا في العالم الغربي، أما في العالم العربي يمكننا أن نشير إلى مبادرة السعودية بافتتاح مركز الذكاء العربي في الرياض بهدف تعزيز حوسبة اللغة العربية وتطويرها وكذلك يمكننا أن نشير إلى مبادرة الدكتور الليبي علي ابو سنينة

الذي أطلق مشروع الذكاء الاصطناعي بالعربي من أجل تسهيل معرفة واستخدام هذه التقنية للذين لا يتقنون لغات أجنبية.

كل ما ذكرته سابقا لا يلغي وجود مخاطر ومحاذير لهذه التقنية ولعل أهمها تقليص فرص العمل لأنه وبحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي فإنه من المتوقع بحلول عام 2025م استبدال نحو 85 مليون وظيفة حول العالم بالذكاء الاصطناعي كما أن هناك 50% من الموظفين سيخضعون لإعادة تأهيل المهارات لمنافسة الذكاء الذي تحول من مجرد مساعد إلى منافس شرس.

هذا بالإضافة إلى مخاطر الاختراق والتلاعب بالبيانات والفبركة وغيرها. وهي مشاكل يمكن إصلاحها أو تحسين برمجتها ولكن ما العمل إذا كانت هذه الأخطار تشكل تهديدا لوجود الإنسان؟ لأنه وبحسب العلماء فإن الذكاء الاصطناعي سيكون قادرا بحلول منتصف هذا القرن على أن يضاهي الذكاء البشري بما في ذلك الجانب العاطفي.هنا تحديدا تظهر أهمية وجود فلسفة مرافقة لهذه التقنية الخطيرة والتي هي محل نقاش فلسفي عميق يتمحور حول الأخلاقيات بشكل أساسي ، ويتناول بعدين أساسيين:

البعد الابستمولوجي أو المعرفي:

الإشكالية المطروحة هنا فيما إذا كان بالإمكان أن تمتلك الآلة وعيا يفوق بكثير الوعي البشري ، وبالتالي تكون الروبوتات في المستقبل أكثر ذكاء من الإنسان. وهل يعني هذا أنها أصبحت واعية؟ ما نقصده بالوعي هنا ليس مجرد تجميع البيانات ولكن نقصد ما أشار إليه الفيلسوف الألماني هيدجر في كتابه (ما الذي ندعوه تفكيرا؟) إنه القدرة على الشك والتساؤل والتفلسف والابداع واستحضار المصير والوجود العام للإنسان في هذه الأرض، وهل ستكون الروبوتات قادرة على الحكم أو نظم الشعر أو التفكير الفلسفي؟

البعد الأخلاقي:

واختصره بما جاء في كتاب (وعظ الروبوتات) لمارتان جيلبر والذي يقول إن دخول الذكاء الاصطناعي في حياتنا بدء من السيارة ذاتية التحكم إلى الروبوتات العسكرية والمساعدين للأطفال والمسنين يقتضي مثلما تزود هذه الآلات بعدد هائل من البيانات يجب أن يرافقها تدريب آخر من أخلاق وتصرفات بشر فاضلين للحصول على روبوتات متخلقة أو ذات أخلاق عالية. وفي ذات السياق نشرت مدير تحرير مجلة الفيلسوف الفرنسية تقول ( إن الإنسان يلعب بالنار حين يترك حقه في الاختيار للآلة، فنحن نقرر تحت تأثير اعتبارات ثقافية وإنسانية ودينية تختلف من مجتمع إلى آخر،  بينما تخضع الآلة للتدريب من قبل شركات تجارية لها مصالح وثقافات معينة. والسؤال هنا كيف نحمي أنفسنا من نفوذ الآلة ومن مصالح الشركات التي تقف وراء هذه الآلة؟

خلاصة القول أن الذكاء الاصطناعي يتطور كل يوم بخطوات عملاقة مما يستوجب التعاون مع الباحثين والمفكرين والفلاسفة، وهو ما أكد عليه مقال منشور في صحيفة لوفيغارو الفرنسية بالقول (أمام مجيء الذكاء الاصطناعي ينقصنا الفلاسفة). وأنا بدوري أقول ينقصنا طرح الأسئلة في بيئة تنتظر الإجابة جاهزة.


صحيفة الوقت | السنة الثانية، العدد: 116، الثلاثاء 3 سبتمبر 2024م

مقالات ذات علاقة

الطلاب يستعيدون دورهم المفقود

عمر الكدي

قصص كامل حسن المقهور: الشخصية الليبية في مواجهة العنف

عزة المقهور

حول الكتابة

عمر أبوالقاسم الككلي

اترك تعليق