الذكرى الـ15 لرحيل الكاتب والقاص الليبي أحمد العنيزي
محطات أولى في سيرته
ولد الكاتب أحمد محمد العنيزي، بمدينة بنغازي العام 1929م، وعند بلوغه العاشرة، التحق بمدرسة الأمير الابتدائية (مدرسة المجاهد حالياً)، أطلق عليها اسم مدرسة الأمير في العهد الإيطالي نسبة إلى ولي عهد إيطاليا في ذلك الوقت. وفي العام 1940م أقفلت المدارس بسبب الحرب العالمية الثانية.
عاش الراحل؛ أحمد العنيزي طفولة صعبة، حيث كان في السنة الرابعة الابتدائية، عندما توفى والده، مما اضطره للدخول إلى سوق العمل مبكرًا، سعياً وراء لقمة العيش، إذ وجد نفسه مسؤولًا عن أسرته المكونة من والدته وأخوين وأختين، بعد أن توفي والده إثر مرض لم يمهله طويلاً.
خلال خدمته كعامل انتقل بين أكثر من مكان، ساعياً وراء كسب قوته اليومي، فعمل في رصف الطرق والنظافة وفي ورش النجارة وكعامل في الميناء وفي المطار، وغيرها من المهن الأخرى التي لا تتطلب أي مؤهلات.
في العام 1946م، التحق للعمل بالورش التابعة لإدارة الأشغال العامة (الجينو)، وهي مجموعة ورش تم افتتاحها في عهد الإدارة العسكرية البريطانية في منطقة (راس عبيدة)، بغرض تأهيل الأفراد والاستفادة منهم للعمل في حرف الزواق والميكانيكا والسمكرة والنجارة واللحام والكهرباء والخراطة.
حب للعلم والعمال
درس الراحل اللغة الإنجليزية لمدة 6 أشهر، على يدي الأستاذ محمد الربيعي، ليتمكن فيما بعد من التحدث والكتابة باللغة الإنجليزية، وبمجهوده الشخصي واجتهاده ومثابرته طور من مهاراته في اللغة الإنجليزية، حتى استطاع أن يترجم البعض من القصص العالمية.
التحق في عام 1950م، بمدرسة العمال الليلية، لمدة عامين وكان الأستاذ محمد التونسي أحد الذين قاموا بتدريسه.
في العام 1950م، مارس العمل النقابي ومن خلال نقابة البحارة، ومع فهم وقدرة على تحويل الأفكار إلى حروف مكتوبة، أسس في العام 1954م، في صحيفة (الزمان)؛ ركن العمال، وبدأ من خلاله كتابة مقالاته التي تناول فيها قضايا العمال ومشاكلهم، الأمر الذي ازعج السطات، حيث تم إيقافه من قبل السلطات المسؤولة في ولاية برقة.
من بعد، وفي عام 1956م، عمِل موظفاً بمحكمة الاستئناف لولاية برقة، ولمدة 3 سنوات، انتقل بعدها عام 1959م، للعمل موظفاً في الجامعة الليبية حيث أمضى بها 14 عاماً، لينتقل إلى وزارة التعليم عام 1973 موظفاً لمدة 16 عاماً.
العنيزي كاتبًا
بدأت علاقة الراحل أحمد العنيزي بالأدب والثقافة من خلال اطلاعه المكثف على الصحف والمجلات والكتب، التي كان يقتنيها من مكتبة بوقعيقيص في ميدان (الحدادة)، وكان يطالع المجلات الأدبية مثل مجلة الآداب التي كان يرأس تحريرها في ذلك الوقت، الكاتب والأديب سهيل إدريس، وكان أحمد العنيزي في عام 1955 يبعث بقيمة اشتراكاته إلى هذه المجلة فتصله أعدادها بانتظام.
كما اطلع الراحل على الروايات العالمية لأبرز الكتاب العالميين مثل: هيمنجواي، وجيمس جويس، وسومرست موم، وتشيخوف، وجان دي موباسان. إضافة للعديد من الكتاب العرب مثل: نجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس، ومحمود عبدالحليم عبدالله، وسعد مكاوي، وعبدالحميد جودة السحار، وإبراهيم المازني، وغيرهم.
من خلال اطلاعه اكتسب ثقافة واسعة وامتلك أدوات الكتابة، إضافة إلى موهبته، وقد نشر في عام 1951م أول مقالة كتبها في مجلة (فن) المصرية، ثم بدأ بكتابة القصة القصيرة حيث نشر في العام 1953م أول قصة له، وكانت بعنوان (الشمعة الذائبة)، ونشرت في صحيفة (طرابلس الغرب).
استمر الراحل، في نشر نتاجه الأدبي الذي تنوع بين القصة القصيرة والمقالة، وكان من رواد القصة الليبية القصيرة الذين أحدثوا نقلة فيها حسب معطيات ذلك الوقت الذي ساد فيه مذهب الواقعية، حيث نشر نتاجه في كل من: صحيفة طرابلس الغرب ــ صحيفة برقة الجديدة ــ صحيفة الزمان ــ صحيفة العمل ــ صحيفة الرقيب ــ مجلة إذاعة طرابلس الغرب ــ مجلة الضياء ــ مجلة النور ــ مجلة الرواد. كما ساهم في تحرير مجلة (النور) منذ صدورها وحتى احتجابها سنة 1957م.
نتيجة مثابرته المستمرة إضافة للغة الإنجليزية، أتقن اللغة الإيطالية، واستطاع أن ينقل بعض القصص العالمية من الإيطالية والإنجليزية إلى اللغة العربية، وقد نشر البعض منها أخيراً في مجلة الثقافة العربية. وقد أضاف الاستماع للإذاعة المسموعة إلى ثقافته جانباً سياسياً، فهو متابع جيد لأخبار العالم وأخبار الوطن العربي بصفة خاصة، فكان يتابع يومياً برامج وأخبار إذاعة لندن وتحليلاتها السياسية ويراسل برنامج بين السائل والمجيب، وكان يتابع أخبار المد القومي العربي معجباً بأفكار الزعيم عبد الناصر، متطلعاً إلى خلاص الأمة على يديه، لكنه أصيب بخيبة أمل كبيرة بعد نكسة عام 1967.
علاقات ومشاركات
ارتبط أحمد العنيزي بعلاقات صداقة ومودة مع الكثيرين من أبناء جيله وخاصة من الطبقة المثقفة، وكانت له مراسلات مع القاص كامل المقهور والشاعر علي الرقيعي، حيث كانا يبعثان إليه بالرسائل من مدينة طرابلس.
اشترك في لجنة التحكيم لمسابقة القصة القصيرة التي نظمتها جريدة (الرقيب) سنة 1961م، وفي العام 1968م، سافر رفقة القاص كامل المقهور والكاتب الصادق النيهوم والقاص بشير الهاشمي إلى تونس لحضور ملتقى القاصين المغاربة، الذي حضره العديد من كتاب القصة القصيرة من تونس والجزائر والمغرب، وفي ذات العام حضر الملتقى الأول للكتاب والأدباء الليبيين الذي عقد في طرابلس بتاريخ 11 سبتمبر 1968، ليتوقف بعدها عن الكتابة والنشر.
وفي عام 2005م صدرت له أول مجموعة قصصية بعنوان (حديث المدينة)، ضمن منشورات مجلة المؤتمر، بعد أن تم جمع إنتاجه القصصي من الصحف والمجلات الصادرة في خمسينيات القرن الماضي، إضافة إلى القصص الأخرى التي كتبها ولم ينشرها. ثم صدرت له في العام 2008م، في مجموعة أخرى بعنوان (المدينة المفتوحة).
وفاته
في الاثنين 20 يوليو للعام 2009م، أعلن عن وفاة الكاتب والقاص أحمد محمد العنيزي، بمدينة بنغازي عن 82 عامًا، ليوارى جثمانه الطاهر في اليوم التالي الثلاثاء بمقبرة المدينة.