عبدالله بوسعيدة
قبل أكثر من (200) عام كان في (بادية برقة) أحد (نجوع الفواخر)، وهو (نجع عيت عباس)، كان نجعا كبيرا (متساطر) محاذ لبعضه البعض، ويعيش أهله في رغد العيش، ومر بمرحلة تعرف عند البوادي بـ(عامات إقبال)؛ أي أعوام ربيع متتالية وبعد هذه الأعوام حل بأهل النجع أي (نجع عيت عباس) مرض (الطاعون)، وكان هذا النوع من المرض يصيب الرجال أكثر من النساء والأطفال، ومع اشتداد الطاعون وفتكه بأهل النجع، كانوا كل فترة يغيرون مكان النجع علَّ وتيرة المرض تنخفض وموجة العدوى تتناقص، ولكن ذلك لم يحدث، حتى قيل إن النجع في آخر المطاف بقي مجرد تجمع من (الأطفال والنساء فقط).
ولما كان من طبيعة الناس في ذلك الوقت، أن لكل رجل بندقية خاصة به، فقد بقيت البنادق وذهب أصحابها في (غياهب الطاعون)، وقد فقدت إحدى نساء النجع (زوجها) و(أبيها) و(إخوتها) وتبقى لها فقط طفل وحيد، كانت تمنى النفس بأن تراه رجلًا بعد أن ينقشع (ظلام الطاعون)، وذات يوم أصيب الطفل بحمى شديدة توفي على إثرها، فأصيبت أمه بحالة هستيرية وصادف موت الطفل موت عدد كثير من الرجال بداء الطاعون، ودفن معهم في نفس اليوم قبل المغيب، وعندما حل الظلام ذهبت المرأة إلى قبر طفلها تستنهضه وتدعوه للوقوف، لأن أهل النجع سيرحلون مع شروق الشمس فأخذت تناجي طفلها وتقول:
اقعد (ثور) * يا غالي عليا // نجعك بكرة ريد يشيل
ثم تستدرك بعد أن أيقنت أنه لن يثور فتقول معزية نفسها:
نعدك كيف فرساناً عصارة // راحوا نين ساب (القربيل) *.
في إشارة إلى فقدان زوجها وأبيها وإخوتها وبقية فرسان نجعها (نجع عيت عباس) الذين لم تبقى سوى بنادقهم:
اقعد (ثور) يا غالي عليا // نجعك بكرة ريد يشيل .
نعدك كيف فرساناً عصارة // راحوا نين ساب (القربيل).
وبعد فترة من الزمن انقشعت ظلمة الطاعون وراجع (نجع عيت عباس) وأصبح من أهم (بيوت قبيلة الفواخر)، ولله الحمد والمنة وها أنا ذا أحدثكم وأنا أحد أحفاد الناجين من ذلك (الطاعون) الذي ألم بنجعنا، فهذه طبيعة المحن فما ضاقت إلا وأعقبت فرجا وقد قال الله تعالى وهو احكم القائلين: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا).
القصة محاكاة غير مباشرة لفيضان درنة.
أتمنى من الله العلي القدير أن يفرغ صبرا على أهلنا في (درنة) ويرحم موتاهم ويشفي جرحاهم ويضمد جراحهم وهو ولي ذلك كله.
ثور = فعل أمر بمعنى قُم.
القربيل = جمع ومفردها قربيلة وتعني بندقية.