طيوب المراجعات

ملخص كتاب المادية التاريخية لأنطونيو غرامشي

كتاب (قضايا المادية التاريخية) لأنطونيو غرامشي
كتاب (قضايا المادية التاريخية) لأنطونيو غرامشي

يعرض غرامشي في هذا الكتاب الضخم، عن كيفية تبديد الوهم الشائع الذي يقول بأن الفلسفة مهمة غريبة وشاقة يتعاطاها فئة من الاختصاصيين فقط لمجرد كونها نشاطا ذهنيا متمايز بين الناس، ويدحض الكاتب هذه الحجة بقوله: إن جميع البشر فلاسفة حتى وإن لم يكن يريدون هذا، فالفلسفة منغمسة في اللغة وفي الدين والحكمة الشعبية ( العادات التقاليد الأعراف) ولذلك فهي تمثل مجمل نظام المعتقدات السائد والخرافات وأنماط السلوك، يبدأ غرامشي بداية في نقد النزعة الميكانيكية التي رأى بأنها تخلط بين علم الطبيعة وعلم التاريخ في الفكر الماركسي، ويحاول من خلال النقد أن يفصل القضايا التاريخية عن نسقها التاريخي، والتعامل مع كل قضية بانفراد، ويوضح المفكر العلاقة الأخوية بين الدين والفلسفة والحكمة الشعبية، ويرى في الحكمة الشعبية نتاج تاريخي وتطور حضاري راكمته الخبرة البشرية عبر قرون من الزمن؛ وما إن يخلص من هذا الإثبات حتى يبدأ بالحديث عن علاقة العلم بالحكمة والدين، ويقول بأن الحكمة والدين يتعذر عليهما بناء نظام فكري متكامل، بينما العلم بمقدوره أن يفعل ذلك، ويرى أيضا أن الدين ينقسم إلى شطرين، دين رسمي ودين شعبي، وأن الدين الشعبي يعبر عن هرطقة مضادة للدين الرسمي، إذ تختلط فيه العادات والتقاليد الشعبية فيمتزج برغبات الجماعة وميولها العاطفية، فينحرف عن مساره الرسمي، ولنا في عبر التاريخ وخاصة التاريخ الإسلامي خير مثال على هذا الانقسام – يعالج غرامشي في كتابه قضايا في الفلسفة والتاريخ، ويرى بأن أي فلسفة تمثل حقبة تاريخية معينة، إذ تحدد الفلسفة النسق الفكري والإطار النظري الذي تستطيع الفلسفة التحرك فيه، من ثم يعنون عناوين أخرى يشرح فيها عن ماهية الفلسفة الخلاقة، وعن أهمية اللغة والألسنة والحكمة الشعبية كما أسلفنا، ويضيف غرامشي تعريفات مهمة للمعنى الوجودي للإنسان، وعن الطبيعة البشرية وتركيبة العلاقات الاجتماعية، وأن الطبيعة البشرية تتغير باستمرار مع تغير التركيبة الاجتماعية وموقع كل فرد داخل الحقل الاجتماعي، ويرى الدور المهم للدين الذي ساوى بين البشر، كما ساوت الفلسفة لا العلم في النشاط الفكري للبشر، ويرى غرامشي بأن النشاط الفكري لرب العمل هو نفس النشاط الفكري الذي يملكه كل عامل حرفي، إذ لا يجوز بأن يكون الحرفي أقل نشاطا ذهنيا من رب العمل فيستحيل عزل الإنسان الصانع Homo – faber عن الإنسان العارف أو العاقل Homo – sipens، ولو كان كذلك لما استطاع الحرفي معرفة إدارة الحرفة….، من ثم يتجه لشرح معنى التقدم والصيرورة، حيث يرى بأن التقدم أيديولوجية ديمقراطية لعبت دورا مهما في تكوين الدولة الدستوري الحديثة، كذلك يقول بأن حاملو فكرة التقدم الرسمي ما عادوا يستطيعون الاضطلاع على مهام السيطرة، لأنهم أطلقوا قوى مخربة معاصرة، كالأزمات الاقتصادية والبطالة والفقر والحروب الأهلية إلخ، ينحو غرامشي بعدها للحديث عن النظرية والممارسة، وقد عالجت المذاهب الفلسفية والأيديولوجية هذا الفارق، ومثالا على هذا يرى توما الإكويني أن الممارسة هي امتداد للنظرية، كما هي النظرية والممارسة التطبيقية عند الأحزاب السياسية إذ تعمل هذه النظرية على التراتبية بين تراتب الأفكار وتراتب الأفعال، ويرى أيضا في تشكل البنية والبنية الفوقية عبر دراسته لنقد الاقتصاد السياسي لماركس، وعن ما أحدثه لينين من تطوير للنظرية الماركسية وإحداث تطوير في الفلسفة أيضا، ويرى في البنية هو انعكاس لمجمل علاقات الإنتاج من هنا يرى بأن الإيديولوجيا الشمولية هي الوحيدة القادرة على التعبير عقلانيا عن تناقض البنية وإدراك اجتماع الظروف، هذا الكتاب يحوي عدت موضوعات أخرى مهمة مثل مفهوم الإيديولوجيا وعن الخوف الذي يراود المثقفين من الإيديولوجيا، ولماذا يتم شيطنة الأيدلوجيا بالرغم من أنها آلية نقدية تحليلية لكل ما هو واقعي …… إلخ، ويناقش في آخر الكتاب عن الشيء في ذاته عند كانط، وعن الفلسفة التأملية، وعن نقد المذهب الذرائعي والسياسة، وأخلاقيات هذا المذهب النفعي ورواده، إلى أن يخلص في هذا الباب عن دور الرجل داخل الحزب السياسي، حيث يمثل دور الفيلسوف المنظر داخل الحزب ويحاول في إطار عمله السياسي إدارة الحزب السياسي عبر تمثيل دور الوسيط بين المجتمع والدولة أو بين الطبقات الاجتماعية والنخب الأرستقراطية ومحاولة تقريب الحد الفاصل بين كل منهما ، ويخلص الكتاب في النهاية حديثه عن الفارق الجوهري بين مثقفي الريف ومثقفي المدن ويقول : بأن مثقفي المدن نشؤا مع نشوء الصناعة ونموها، وارتبط مصيرهم بمصيرها، ويمكن مقارنة وظيفتهم بوظيفة الضباط في الجيش فهم لا يملكون زمام المبادرة لوضع الخطط الإنشائية ولكنهم يشكلون حلقة الوصل بين مالك المصنع وعماله الذين ينفذون خطة إنتاجه، أما مثقفو الريف فهم مثقفون تقليديون أي أنهم مرتبطون بالجماهير الفلاحية وببرجوازية المدن الصغيرة، التي لم يؤثر فيها النظام الرأسمالية كما هي في مدن الجنوب على سبيل المثال، كبراك وسبها ودرنة وغريان في ليبيا، يتولى هذا النمط من المثقفين الوساطة بين الجماهير وبين الإدارة المحلية أو المركزية من الجهة الأخرى، أي بين أهل القرى ومختار المحلة أو الزعيم أو مجلس الأعيان والقبائل، ( محامون كتاب عدل وشعراء أئمة مساجد إلخ ) فيمارسون وظيفة سياسية اجتماعية هامة تقرب الإدارة وشيوخ القبائل والعشائر من الجماهير في الخارج، يتمتع مثقفو القرى، بمستوى معيشة متوسط ويعلوا على مستوى معيشة الفلاح قليلا، لهذا يمثل هذا المثقف في نظر الفلاح القروي النموذج المثالي الأنسب في سعيه للخروج من وضعه الراهن أو لتحسين حالته، لهذا فهو يصنع دائما لتحويل واحد من أبنائه إلى أن يكون مثقفا مثله سواء قس أو إمام جامع أو حافظ لكتاب الله، سعيا في أن يرفع من مكانة أسرته الاجتماعية فتتيسر أموره عبر الصلات الاجتماعية التي لا بد من أن يقيمها مع غيره من الخواجات، إن موقف الفلاح من هذا المركز موقف متناقض إذ يبدوا من جهة يحتقر هذا المركز، من باب أن الحسد والكراهية تتركزان على هذا الجانب، ومن جهة أخرى يرغب في أن يكون في هذا المركز لما يوفره من علاقة نفعية متبادلة، لكن يختلف هذا الأمر بالنسبة لمثقفي المدن فهم لا يؤدون دور الوسيط بين الجماهير والحكام، وإنما يقتصر همهم فقط على إدارة المصانع الاقتصادية وعلاقة رب العمل بعمال المصنع في حيز مكاني، إن هذا التمايز يفسح المجال كما يقول الكاتب أمام سلسة كاملة من المشكلات والأبحاث الممكنة، ويعلمنا أسبقية مثقفو القرى على دور تمثيل الوسيط المناسب بين الجماهير الفلاحية وبين الادارة المركزية، وان دور مثقفو الريف يمثل النموذج الحر والمتكامل في العلاقة المفتوحة بين طرفي نقيض.

مقالات ذات علاقة

عائلة الطغيان

علي عبدالله

إسطنبول…حكاية ترويها العيون

مهند سليمان

الرحلة النباتية

المشرف العام

اترك تعليق