المقالة

ما بين التربية الصحيحة والقمع

من أعمال التشكيلية مرام بشير حمودة
من أعمال التشكيلية مرام بشير حمودة

أتساءل أحيانًا عن تربية الأبناء: هل هي على أساس صحيح أم أننا نفرض عليهم ما نريد دون إقناعهم أو الأخذ برأيهم وإرشادهم للصواب؟ 

لفتتني بعض المواقف وغيرت مفهوم التربية لديّ، كنت أرى أنها سهلة؛ فقط أُشير للطفل: هذا خطأ وهذا صواب، ولو رفض شدّد عليه وقل: هذا خطأ بنبرة حادة! 

تعتقد أنك نجحت، ولكن للأسف، الخوف منك هو الذي منعه من العودة للخطأ. لهذا نرى بعض الشباب يتمردون على أهلهم، تعطشوا لكل الممنوعات، وينجذبون للمحرمات، فقط يسعون لإشباع رغباتهم ولو بالحرام. 

ونرى بعض الفتيات تتغير تصرفاتهن فور مغادرتهن البيت، والسبب هو القمع والتسيير، فتنعدم الشخصية ويعتقدن أن فعل ما نُهين عنه هو ما يعزز ثقتهن بأنفسهن. 

التربية ليست بالأمر الهيّن، تحتاج صبرًا واحتواءً، ولينًا وصلابةً، وحبًا وقسوةً. قليل من هذا وذاك وستجد أنك تخطيت الصعاب في التربية ونجحت في الاختبار. 

التنشئة الصحيحة تبدأ بزراعة الأخلاق الحسنة في الطفل وتهيئته لمجابهة فتن الحياة بعقل واعٍ وفكر ناضج، وقناعة تامة. 

لنأخذ على سبيل المثال مواقع التواصل الاجتماعي. يراها الآباء على أنها مضيعة للوقت ولا فائدة تُذكر منها، والأبناء يرون عكس ذلك. فالحل هنا لا يكون بمنع الإنترنت عنهم، ولكن يكون بحثّهم على استخدامه فيما يفيد، ومتابعة المحتوى الذي ينمّي فكرهم ويزيدهم ثقافة في دينهم ودنياهم. 

ولعل سائلًا يسأل: وكيف لي أن أجعله يتابع ما هو مفيد؟ 

فالجواب من وجهة نظري أن نملأ حياتهم بتاريخ المسلمين، ونتحدث عن سير الصحابة رضي الله عنهم، وعن شهامة ومروءة العرب وغيرتهم، ونتحدث عن حياة الصحابيات وعن حيائهن. وبذلك نكون قد غرسنا في عقولهم حب الاستكشاف والبحث والتعمق في الشخصيات التي مرت عقود من الزمان ولا زالت خالدة ليومنا هذا، وحق لها الخلود بطيب سيرتها ومكانتها. 

التربية التي تتخذ طريق القمع والتوبيخ والتهديد، لا تنتظر منها أن تجود علينا بأجيال واعية تنهض بالأمة وتعيد لها مجدها، لكنها ستعود علينا وعلى أمتنا بأجيال ضعيفة، لا تعي شيئًا. والفائدة ليست محصورة بما ذُكر فقط، فالفائدة تعود على الأبوين أيضًا، فينشأ الابن بارًا بوالديه، حافظًا لحدود الله، ويتقيه في كل صغيرة وكبيرة. 

فأساس التربية السليمة بعيد كل البعد عن القمع وفرض الرأي. فتخيل لو أن الموت في أي لحظة يتخطفك، فيصبح الابن تائهًا وتابعًا، وستحاسب حينها على الأمانة التي ضيعتها، فالأبناء نعمة حُرم منها غيرك، فلا تسيء التربية فتجني سوء تربيتك، وتقلب النعمة إلى نقمة. 

وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار أنه لا يستقيم الظل والعود أعوج، وكما قال الشاعر: “يَنْشأ الصَّغِيرُ على مَا كانَ والدُهُ، إنَّ العُرُوقَ عليها يَنْبُتُ الشجرُ.”

مقالات ذات علاقة

فضيلةُ الإزعاج

سعاد سالم

الي متي تدمير التعليم.. والتزوير بالهوية الوطنية…   

حسين بن مادي

طرابلس.. محنة أو “لعنة” العاصمة

المشرف العام

اترك تعليق