ترجمة: فرج الترهوني
ترجمي لرواية الهولندية المتألقة آنا إنكوست “التحفة الفنية” The Masterpiece
التي صدرت عن مشروع كلمة للترجمة/ أبوظبي…
لم يكن جيرارد الأول في حياتها. لكنه أول من تقيم معه علاقة ملتزمة بالكامل بسبب حاجة ملحة لم تستطع مقاومتها. فالإحساس به داخلها هو الهدف الوحيد والمطلق في حياتها. أقامت من قبل علاقات مع طلاب ودودين في التزام منها بالأصول بعد حوارات حميمة، وبدافع الفضول مارست الحب مع أحد الطيارين الذي قابلته في أحد المقاهي، ومع محام تخرج لتوه في الليلة التي سبقت رحيله إلى جزر الأنتيل.
كانا محظوظين بحلول خريف معتدل أمضياه بين الكثيّبات الرملية وفي الحدائق العامة. لكن في نوفمبر وعندما كان القارب تحت الصيانة امتلأت الزوجة بالشكوك، ووقعت الأزمة. انتقل جيرارد إلى شقة في مجمع سكني جديد، فقد ترك البيت مع نفقة مجزية لزوجته نتيجة إحساسه بالذنب. وبين الجدران العارية في الغرف الغريبة، أحس بنسائم الحرية الجديدة. كان ينام مع ليزا على فراش أرضي، ثم تزوجا في الربيع بعد انتهائها من أداء امتحانها الأخير.
ما هي فرصة تحول رغبة محمومة هكذا إلى علاقة إنسانية طبيعية؟ فجيرارد ليس هو الأب الذي بإمكانه تغذية توق ليزا وإشباعه. وبالمقابل ليست هي البلسم الشافي الذي يستطيع بواسطته تعويض النصف الأول الفاشل من حياته. تستمر الحياة، وتعود ليزا إلى البيت تغمرها الإثارة بعد مرحلة التدريب. أما وظيفة جيرارد فلا أفق أمامها كما كانت من قبل. فجأة يبرز فارق العشرين عاما بينهما. وبطاقة لا تلين، كانت تريد ممارسة الحب ليلة بعد أخرى- بينما يكون هو قد نال منه التعب، ومنشغل حول عدم نيل كفايته من النوم. في نهايات الأسابيع وعندما تقوم بقراءة مراجعها عن الأمراض والحالات التي تلتقي بها في ردهات المستشفى، يشعر هو أنه يفتقد قاربه. وبسبب النفقة التي يدفعها، لم يعد هناك مال لشراء قارب جديد.
ثم تأتي اللحظة عندما يبدو أن هناك طالبات مثيرات في صف جيرارد من جديد. فتشعر ليزا بالإهانة، وينكسر بداخلها شيء لا يمكن إصلاحه، حتى ببكاء جيرارد بين أحضانها، وحتى مع وعوده بالإخلاص لها حتى الممات. تصاب بالإعياء من الخيبة والبرودة اللتان يكتنفانها، فلا ترغب في الإخلاص له وتفعل ما بوسعها لمنع ذلك. ويسبب لها هذا الأمر حالات صداع ونوبات كآبة لا توصف.
تنغمس بالكامل في عملها وتتفوق في الامتحان النهائي ثم تُعرض عليها ثلاثة تخصصات فتختار الطب النفسي. ورغم أنها لا تعرف ذلك بعد، لكنها إنما تختار نفسها.
يرغب جيرارد في إنجاب طفل بعد فشله في أن يكون أبا لزوجته، فيتعلق بأحلام أبوة حقيقية يرغب في تجريبها، كما يود – عن طريقها – ربطها إليه وقد بدأ يشعر بابتعادها عنه ببطء. سيجبرها على الاهتمام بشيء وضع بذوره هو. وسيغويها للاعتراف بأنهما يتقاسمان شيئا ما. لكنها تصعق لطلبه.
“لا يمكنني ذلك.”
“ألا تثقين بي؟”
كلا. تفكر ليزا، إنها الحقيقة ولا أثق بك. سأكون مخبولة لو أنني ربطت مستقبلي برجل في الخمسين. حسنٌ، تقريبا خمسين. لكن ليس هذا هو السبب، بل هناك ما هو أسوأ.
“لا يمكنني أن أصبح أمّا. ببساطة لا أستطيع.”
لكن أن أكون امرأة فقد تعلمت ذلك منك، ومعك. ممارسة الحب في البحر مع كل تلك الأملاح والرمال في الأماكن الخاصة، والذهاب إلى حفل المستشفى الراقص بدون ملابس تحتية، والإحساس بالراحة التامة مع جسدي، فشكرا لك، ثم شكرا. لكن طفلا ينمو بداخلي؟ سأخرجه إلى العالم في النهاية ثم أبيعه الوهم بأن هذا العالم على ما يرام؟ ما الشيء الرائع الذي سيتأتى عن ذلك؟ كل ما هناك أنني سأسممُ طفلي قبل أن يولد، وسأقتلُ صغيري قبل أن تُنفخ فيه الروح.
يرغي جيرارد ويزبد، وتبكي ليزا قرارها، لكنه يظل قرارها: مستحيل.