غادة البشاري
لا ريب أن الشكل المعماري والنص الأدبي كيانان يتشابهان في وحدة اللغة، ووظيفتها الدلالية والجمالية، فلغة الجسد المعماري تخفي تحت ثوبها الحجري كثيرا من الفلسفة والأدب والتخييل، تماما كما النسيج اللغوي الأدبي، وكلاهما في جوهرهما تقصٍ واعٍ لهجرة الأفكار، والأشكال الفنية، وتأثيراتهاً المتبادلة في الحضارات المتباعدة التي تمليها ضروراتها الثقافية والتاريخية.
فكما تمثل العمارة في الأدب جانبا مهما في إعادة تشكيل الذاكرة المكانية كرمز وروح، كذلك يمثل الأدب جزءًا مهمًا في هندسة الكينونة المعمارية، من حيث لغتها وتراكيبها ودلالاتها، وهذا التقارب المقترن بسلوكيات جسديهما معًا يبرهن التشاكل الحادث بینھما.
1- المقاربة التفكيكية للفكرين المعماري والأدبي ما قبل الحداثة وما بعدها
تدرج الأدب العربي كما الفنون المعمارية عبر مراحل عدة منذ عصر ما قبل الإسلام وحتى هذه الآنية، فحيث كانت العمارة هي الحامل الرئيسي لحضارة المجتمع، فالأدب هو مقياس ثقافة ووعى هذا المجتمع، وبالتالي فإن كليهما تأثرا بطبيعة الحياة المحيطة، والمتطلبات الإنسانية والوظيفية والمناخية والدفاعية أيضًا، مما أحدث نموًا متباينًا وجليًّا في طبيعة كل منهما، وهيكلته .. حيث اعتاد الشعراء العرب قديمًا محاكاة بيئتهم ودسّ رسائل ضمنية في قصائدهم كوصف خيولهم، وسيوفهم، وفنون دفاعهم وما إلى ذلك مما يفاخرون به ویبثون الرعب في نفوس أعدائهم، كما كانوا يتأتَّوْن للكلام، حتى يبلغوا منه ما كانوا يريدون من استمالة القلوب والأسماع، سواء على منصات اللغة والشعر، أو منصات الخطَابة والمناظرة. وفي المقابل، كانت العمارة أيضًا بكل صيغها وتفاصيلها مرتعًا للفنون الإبداعية الموجهة، والموظفة لتحقيق ثبوتية القوة والعظمة، فكانت المساجد بقببها ومآذنها وأقواسها وزخارفها هي أول نجاح معماري في الإسلام، على تعاقب طرزه، من الطراز البنيويّ البسيط حتى الطراز الأندلسيّ الفاخر، مرورًا بالأموي والعباسي والمملوكي والفاطمي، يلي ذلك دور الحكم والإمارة بدءًا من هيئتها المعمارية الزاهدة « عهد الشورى» إلى قصورها الفارهة – عهد الوراثة – بأعمدتها وأسوارها الشاهقة وأسقفها العالية وفضاءاتها وحدائقها الواسعة.
ومع عصر الحداثة نهض العرب بالأدب والعمارة نهضة واسعة، وطوروهما تطورًا رائعًا مع تطور الحياة العقلية والحضارية، والانفتاح على الآداب والثقافات الأجنبية؛ فحاول الأدب العربي تبني بُنى ونظريات بلاغية فنية جديدة تمكنه من فك قيود الزمانية، ومحاورة العصر برحابة أكثر من حيث فن البلاغة، والصياغة الأسلوبية، في محاولة موائمة بلاغيّة بين الموروث والمعاصر، وفتح الأفكار على رؤى وظواهر أدبية جديدة، تدعو إلى « التجريب على مستوى استلهام التراثي وبعثه، بإعادة تأويله واكتشافه، ثم بعثه في إيقاع جديد، ولغة تواصل جديدة» (1) فظهرت فنون الدمج بين الأسلوب البلاغي واللساني والأدبي في وقت واحد، كما تنوعت أشكال القصيدة.
بين قصيدة الرباعيات، والتفعيلة، والنثر.. وغيرها مما خالف المنظور العّروضي القديم. فيما اتجه المعماريون منذ عصر الحداثة تبعًا لمواكبة متطلبات العصر، وزيادة العدد السكاني، إلى التخلص بشكل تدريجي من كلاسيكية الإنشاءات المعمارية، وتفاصيلها المعقدة، إلى معمار جديد أكثر فعالية يعتمد على قوة التأسيس، والنمو العمودي والأفقي، فاستحدثوا لذلك مواد وخامات إنشائية جديدة تتوافق وهذا التطور، كالحديد والخرسانات المسلحة والزجاج وغيرها.
2- القيمة الدلالية التأثِّرية والتأثيرية للبناء المعماري في أبنية الأدب المُصاحب
يعد البناء المعماري كيانًا امتداديًا يخرج من حدود دلالته المرئية الصامتة إلى طبيعة متواترة تحتمل جُملة من الدلالات والانفعالات والعواطف المطمرة في كونه الخارجي والداخلي، وهذا بطبيعة الحال يؤثر على قاطنيه وكل من يشاهده، بل ويفسر عبارة «الانطباع الأول» الذي يتسرب فجأة لناظره فور رؤيته. فلكل بناء معماري عالم من الإحساس والمشاعر يختص به وحده، ويخالف فيه عوالم الأبنية الأخرى. هذا العالم الانفعالي يشقِّ سبيله إلى وجدانيات المتلقي الأديب، حيث الاندماج الروحيّ، والتفاعل الذهني معه، مما ينتج على أثره لُحمة نفسية شرسة بين كيان المعمار و كيان الأدب المصاحب له، فيتسرب الأول بكامل مخياله وصوره و تعابيره إلى اللاوعي الذهني، ومن ثمّ إلى اللاوعي النصّي، الذي بدوره يخضع لواقعية تصورية معاشة، تعرض انحناءات ذهنية خاصة، وتجسد حالة ما أو أزمة شعورية بعينها. مما يؤدي ذلك إلى ظهور نمط أدبي جديد يحتكم إلى ثقافة مغايرة، بُنيت على منظومة ذهنية شعورية لها أدواتها وأساليبها في استعراض الأصوات الإنسانية المتشابكة بعنف مع الهياكل المُصمتة، فيصبح بذلك للمعمار تأثير بيّن وجليّ في السلوك الأدبي للكاتب، وغوغائية لغته، وكذلك انحرافات تفكيره ذاته.
(من حيث أن اللغة سلوك بشريّ يأخذ أشكالًا متعددة ومتداخلة في نفس الوقت) (2) كان الاقتران الدلاليّ واللفظيَّ للغة الأدبيات بالقوة المعمارية المؤثرة عليها أمرًا حتميًا خارج عن القصدية، على سبيل المثال: «أدب السجون «الذي يندرج تحته مؤلفات ذات قيمة عالية منذ العصور القديمة حتى عصرنا هذا، حيث تنتقل دلالة أبنية السجون من مجرد دلالة هندسية إلى دلالة فلسفية ذات قيمة سيكولوجية مؤثرة في الذات الإنسانية عامةً، والأدبية خاصةً، حيث الأسوار الشاهقة، والأسلاك الشائكة، والنوافذ الصغيرة العالية، والقطبان الحديدية الغليظة، والسراديب الطويلة المُظلمة … وغير ذلك مما يحفز آلية اشتغال الذهن الأدبي ،ويصل به إلى بناء لغة فارقة، ونص متعالق مع كل هذه المُترصّدات. التي تُعد عزاءً للمشاعر المضطربة، والنفس المُغتربة في مواجهة التعابير المعمارية القاتمة، وصرخة منطلقة من جسد مُقيد، استوطأه الظلام، ونهشته القضبان. وهو ما يتكشف لنا في عدة مؤلفات أدبية منها كتاب «عزاء الفلسفة» الذي كتبه الفيلسوف الحكيم بوثیوس بينما كان يقبع في سجنه منتظرًا إعدامه، ويّعد هذا الكتاب أحد أهم الكتب الفلسفية التي مهدت الطريق أمام الفلسفة الأرسطيّة في الغرب الأوربي طوال العصور الوسطى، وعلى صعيد الروايات التي انطوت تحت مظلة أدب السجون فهناك على سبيل المثال رواية « يا صاحبي السجن» للكاتب الأردني أيمن العتوم، حيث يخلق الكاتب أيمن العتوم معجمه المستوحى من موسوعة القيد المُعنِف، والاحتباس الروحي التي يحياها داخل هذا المعمار المُصمت الكئيب الذي يُدعى « سجن»، وهذا المعجم قد ينقسم إلى عدة حقول دلالية تظهر من خلالها شخصية الذات الكاتبة، وهي تثري الرواية بدلالات سيكولوجية مضادة عديدة تقع تحت هيمنتها، كالقهر، والذل، والصبر، والمقاومة، والتعايش؛ والاستسلام؛ فيقول في صفحة 21، 22 من روايته:
«ودخل الضابط إلى داخل الدهاليز التي لا أدري إلى أين تُفضي !! »
«أفضى بنا باب الغرفة إلى دهليز معتم»
«وسلك دهليز آخر أشد ظلمة، وفتح بابًا قصيرًا، خلت أنني سأستمر هنا»
«خفضت رأسي كي لا يرطتم بهذا الباب وأنا أتبعه، ثم مشى أمتارًا قليلة، وإذا بنا نواجه بابًا أقصر من سابقيه، تساءلت في نفسي: لماذا تقصر الأبواب كلما تقدمنا، وتظلم الممرات كلما مشينا؟ «
ونلاحظ هنا كيف استشعر الكاتب هذا المعمار المرعب، وتجبّرت عليه تلك التصاميم الحادة والصارمة: (دهاليز – باب قصير – دهليز معتم – تقصر الأبواب – تظلم الممرات) لينتج عن هذه القتامة المعمارية عبارات مُستكينة، مُستذلة، خانعة لبشاعة الواقع، تشفَّ ما يستغور في وجدان الكاتب آنئذ، كأن يقول:
« التي لا أدري إلى أين تفضي» خيالٌ تحت وطأة الرعب
«خلت أنني سأستمر هنا» فزع الخيال وعدم استيعاب الواقع
«خفضت رأسي كي لا يرتطم» المذلة والخنوع
« وأنا أتبعه «انسياق لاإراديّ محفوق بانكسار في الذات
«لماذا تقصر الأبواب كلما تقدمنا، وتظلم الممرات كلما مشينا» فوضى استيعابية وتنبوء بالآتي.
لقد أضحى الخيال في الرواية شاهدًا عيانًا على بشاعة الرؤية، و قسوة الصدمة، وهذا يشي بسطوة المعمار، ووقعِه المستبد بمشاعر السجين « الكاتب»، حتى أنه نزع عنه قوته، وثباته، وسلّم فكرَه لنواهش الخيال، وتنبؤاته الشرسة.
3- كيفية توظيف السيرة الثقافية في فهم سيرورة الخلق في الهندسة المعمارية
من بين مخرجات عملية التآلف والتداخل بين العالمين الأدبي والمعماري كان التعالق الحادث بين الثقافة المعمارية والثقافة الأدبية، فهناك علاقة إثراء متبادل، وإغناء فكري ولُغوي متقابل، حيث من الاستحالة فصل الصيخ الهندسية الواصفة لكيان معماري ما عن الصيخ الأدبية والثقافية، بكامل أدواتها وأساليبها اللغوية.
بمعنى أنه لیس بالإمکان أن تکون مهندسًا معماريًا على درجة عالية من الذكاء العلمي والمهني دون ان تمتلك لغة سليمة، وثقافة أدبية واسعة، تؤهلك لطرح آليات عملك بوضوح جليّ، وإثبات هويّته، والوقوف على التمفصلات الجمالية والإبداعية له، من حيث نوع التصميم، وتاريخه، وما يحمل من مفارقات قديمة ومعاصرة، والتدليل بملفوظات ومقولات عن علماء وأدباء سابقین.
4- تقارب الأدوار الفاعلة للأفراد داخل النص الهندسي والأدبي
المدونة البلاغية و النقدية القديمة على اختلاف مرجعياتها التفتت بشكل كبير إلى المتلقي، حيث جعلته جزءًا لا يتجزأ من العملية الأدبية، وركنًا فعّالًا في الدائرة الإبداعية، ثم جاءت النظريات النقدية الحديثة وأولت اهتمامًا كبيرًا بجمالية التلقي، وكان على رأسها الألمانيان هانس روبرت جاوس Hans Robert Jauss وفولفغانغ آيزر Wolfgangiser، حيث انقسم المتلقي على وفق هذه النظريات إلى نوعين: قارئ واقعي؛ وهو الذي لاينتمي للأثر الأدبي قدر انتمائه للواقع المعاش من حوله، كما يقول عبد القاهر الجرجاني :
«لابد لكل كلام تستحسنه ولفظ تستجيده من أن يكون لاستحسانك هذا جهة معلومة وعلّة معقولة) (3)، والقارئ النموذجي «المجرد» الذي يفترضه الكاتب أثناء عملية الكتابة، حتى يوفر لنصه مقرؤية ناجعة تساير المقصدية التي يسعى إليها.
هذا يعني أن مؤلف النص عندما يشرع في كتابة نصه فهو يضع نصب عينيه قارنًا ضمنيًّا له قدرة موسوعية فائقة تجعله يدرك الجوانب الخفية للنص، بل وتمكنه من تأويله بحرفية عالية.
وإذا قاربنا ذلك بالمبنى المعماري وتصميمه فإننا نجد المتلقي هنا «الساكن النموذجي» الذي تفترضه مخيلة المعماري أثناء تصميمه هو الذي يتبنى بشكل كبير إنشاء تفاصيل المعمار و أركانه وزواياه واتساعه وإطلالاته وغير ذلك من تصورات تتسلط على وعي ولا وعي المؤلف المعماري، أي أنه يتعامل مع المبنى على وفق معطيات ضمنية، وتصميم يستوعب متطلبات ساكنه النموذجي، ويُحقق استراتيجية الأثر والإقناع التي يسعى إليها المعماري كما يسعى إليها الأديب.
إذن فالساكن المثالي شأنه شأن القارئ المثالي ينظم النص المعماري، ويخلق حوارية تواصلية مع مهندسه طيلة فترة البناء. والسؤال المُلح هنا: ما مدى تقييم الساكن الواقعي في هذه الإبداعية المعمارية؟
على حد رؤيتي فإن لكل نمط معماري ساكن واقعي وآخر نموذجي، تمامًا كما القارئ، كما تقول المقولة القديمة: « لكل مقام مقال»، فيستحيل إذن بأي حالٍ من الأحَوال أن نبسِط الواقعية ذاتها على قانطيّ المباني كافةً باختلاف ثقافاتهم وانطباعاتهم وبيئاتهم واحتياجاتهم. فعلى سبيل المثال لا يمكننا أن نعتبر الساكن القرويّ ساكنًا واقعيًا لناطحات السحاب أو البيوت الزجاجية الحديثة مثلًا ،والعكس صحيح ، وباتباع هذا المنطق يكون أيضًا القارئ الواقعي مُحدد بثقافته وفكره ومشاعره وأزماته النفسية والحياتية. من هنا يصبح طرفي العملية الأدبية أو الهندسية شركاء في بناء نصهم بدايةً من كونه مجرد فكرة إلى أن يصبح مبنى متكاملًاً. إلا أنه تظل هناك فوارق فكرية بينهما تعلق في تلابيب النص، تُحدث فجوات مفهومية ، يجتهد المُستقبِل في التوصل لأداءٍ توفيقيّ يرأبُ هذه الفجوات.
«يقول ولفغانغ أيزر –WOLFGANGI SER أستاذ الأدب الانجليزي والأدب المقارن في جامعة كونستانس: إنها الفراغات لكي يتمعن القارئ التفكير حول قصد النص أو المؤلف، وعندما يمر القارئ على مثل هذه الفراغات يقوم بملئها مستخدمًا خبراته ومعلوماته المعرفية الخاصة» (4) يتوارد استفهام في ذهني الآن يحتاج لاستنفار بحثيّ جاد: هل النص الأدبي أو المعماري يمكن أن يتحدث عن نفسه حين يُقرأ أو يُسكن، أم أنه انعكاس صريح لمقصدية المُرسل الحقيقي أولًّا، ثم المقرؤية الانطباعية للمُستقبل ثانيًا؟
5- مضامنة الكاليغرافي باعتباره نسيج أدبي معماري
الفن الكاليغرافي هو الكتابة بالخط العربي اليدويّ الجميل في نمطِ هندسي بديع، وهو نوع من أنواع الفنون البصرية، حيث يتجلّى الفن الكاليغرافي ((calligraphy وتنبثق فكرته من كونه نسيجًا متداخلًا من ثلاثة فنون: فن الخط العربي، فن التشكيل الهندسي، وفن التشكيل الأدبي.
حيث يعتمد على مهارة كتابة الحروف العربية في قالب زخرفي بديع، تتسق بها الكلمات في هيئة هندسية غير مألوفة، تحمل دلالات ضمنية ذات مؤثرات حسيّة فاعلة، لها إيقاع زاخم بالتناغم و الجمال، يلامس نفس الرائي ووجدانه. وقد استخدمه قديمًا المسلمون، وبلغ أوّج انتشاره أثناء العصر العثمانيّ، كذلك بدأ ظهوره في آسيا وبالتحديد في الهند مع اعتماد تسجيل نقوش الديانة البوذية على المعابد والكتب.
لهذا كان الفن الكاليغرافي أحد أوجه النسيج الأدبي المعماري، وهو « حرفة تتطلب مهارات إبداعية» (5)
6- تأثير الميثولوجيا المعمارية على الكتابة التخييلية تحت سيطرة القوة الزمنية
إن الأدب العربي هو أدبٌ دائري بطبيعته، أي أن مركز ثقله هو القديم « التراث «وكما يقول الناقد العربي محمد عابد الجابري : « نحن كائنات تراثية «، لهذا كانت وقتية الكتابة وقتية انفصالية عن الواقع، أي أنها تولد وتترعرع في ظل ذاكرة مكانية حقيقية، أو تخيلية تقع تحت سيطرة قوة زمنية معينة.
هذه الذاكرة المكانية – الحقيقية أم التخييلية – تحضر بكثافة كطاقة تصوريّة حيوية لخيال الكاتب أو القارئ، فالكاتب يسترسل في خلق معماره الأدبي بصوره وعباراته وأنساقه منقادًا – في تبعية لاوعيية – إلى تلك الذاكرة المكانية، بزواياها، ومنعطفاتها، وهيئتها المعمارية والهندسية، التي تُعد «إرثًا معماريًّا» يحيا داخل منظومة الذاكرة، ويرتكز على إحداثيات زمن معين في عمر الكاتب أو على نماذج تخيلية قديمة أصبحت مع تعاقب الأزمنة ثوابت راسخة في الأذهان، تُشكل الفلسفة الزمانية والمكانية التي ينتجها عقل الكاتب أو القارئ – على حد سواء – ويقع تحت سلطتها أثناء عمليتي الكتابة والقراءة.
على سبيل المثال: حين يكتب الأديب نصه عن العصور القديمة فإنه يكتب وصوب عينيه كل مراسم الميثولوجيا المعمارية من كهوف، وقلاع، ومنارات، وغيرها، وحين يضفي على كتاباته سمة إسلامية – العصر العباسي مثالًا – فإن ذهنه يمتلئ بشحنة تخييلية عن باحات بلاط السلطنة، والقصور ذات الأعمدة الشاهقة، ومتاجر الأسواق، وما إلى ذلك من معمار عباسيّ، وهكذا، فإن الحالة الذهنية للأديب أثناء ممارسة الكتابة تكون قد خضعت للهيمنة المعمارية الخاصة. وهذا جانب آخر يؤكد العلاقة الوثيقة بين المعمار والأدب.
مدارات الثقافية – شهرية ثقافية محكمة – تصدر عن مدارات للثقافة والفنون – السنة الخامسة – العدد السادس والأربعون – فبراير 2024.
إحالات:
1) غواية التجريب – د. محمود الضبع – القاهرة – الهيئة المصرية العامة للكتاب 2014 – ص: 244
(2) ظاهرة مزج اللغات وتعاقبها في الملفوظات السجنية المتداولة، أ. لحسن رحو، جامعة تلمسان، ص:294
3) دلائل الاعجاز- عبد القاهر الجرجاني – ص 75.
4) قضية المتلقي في النقد العربي القديم، فاطمة البريكي، المنهل، 2006، ص 58.
5) التشكيل بالخط العربي (الكاليغرافي) ومكانته بين فنون الكتاب المعاصر، مجلة العمارة والفنون والعلوم الإنسانية، المجلد الخامس، ع: 22، ص: 178