الطيوب | متابعة وتصوير : مهنَّد سليمان
أقام الباحث وأستاذ الفلسفة “يوسف عمر الغزال” محاضرة حملت عنوان (قواعد التفكير العلمي عند أحمد الزروق)، وذلك في ضيافة المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية في إطار موسمه الثقافي لعام 2024م، مساء يوم الأربعاء 4 سبتمبر الجاري بقاعة المجاهد بالمركزإذ تولى إدارة وتقديم المحاضرة الباحث “علي الهازل” بحضور ثلة من الكتّاب والمثقفين والمهتمين بالشأن الأدبي والفكري في ليبيا.
قوالب المدارس الفلسفية
فيما استهل المُحاضِر يوسف الغزال محاضرته بتوطئة أضاء من خلالها على أدوات التفكير المعرفي، وكيفية التفكير ووسائله مستشهدا بالرؤية التنظيرية لبعض الفلاسفة المثاليين اللذين يرون بأن مصدر المعرفة هو العقل في حين يرى الفلاسفة التجريبيين مصدر الحسّ أما المتصوفة فيرون أن مصدر المعرفة مكمنه حدس القلب لتكون مصادر المعرفة متنوعة المداخيل ما بين الحسيّة والعقلية والقلبية، ويُشير الغزال أن الفلسفة الحديثة انتصرت لمقام الفلسفة التجريبية التي تحض على الرهان على تجريب كل شيء بعيدا عن الأسلوب الفلسفي الاستبطاني التأملي النظري لفتح المجال للتعلم من التجربة فتُضبطت التجربة العلمية وفق شروطها كي تتطور الأفكار تبعا لمعيار التجريب، وأردف الغزال بالقول : لاشك بأنه تحدٍ كبير حيث سعى العالم للتجريب وتكللت مساعيه بالتطور التقني عقب الفلسفة الحديثة التي أنتجت النموذج التجريبي بواسطة الفيلسوف “فرانسيس بيكون” واضعا ما سماها عوامل الوقوع في الخطأ يقع فيهم الإنسان منذ ألف عام وحتى اليوم وسيقع فيهم بعد ألف عام قادمة، ومن يتلافى هذه العوامل الأربعة لن يقع في الخطأ، وتتمثل هذه العوامل حسب الفيلسوف “بيكون” في أوهام السوق وأوهام الكهف وأوهام المسرح وأوهام الجنس باعتبارها أوهام مازالت تستدرج الإنسان للوقوع في شِراك الخطأ.
جامعة القرويين
كما نوه الغزال أن أهمية مقدمته آنفا الذكر أراد بها المقاربة لفكر أحمد الزروق والتماس مع قيمته فالزروق ولد بعد ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع بـ100 عام ودرس الزروق بجامعة القرويين بمدينة فاس المغربية، وهي ذات المدرسة التي درس بها ابن خلدون وابن ماجة وتعد جامعة القرويين حسب تصنيف منظمة اليونسكو أقدم مؤسسة تعليم عالٍ وأول جامعة تمنح الإجازة في الطب عالميا، وأشار الغزال بأن السيدة “فاطمة الفهرية” الملقبة بأم البنين اضطلعت بمسؤولية بناء جامعة القرويين ودور المرأة في هذا الصدد لعمري أنه عظيم المرأة التي تُهان في عقول الفقهاء والمحدودة في تفسيراتهم الدينية، ولفت الغزال أيضا إلى أن جامعة القرويين كانت مختلطة حيث درس بها المسلمين واليهود الرجال والنساء ولعل أشهر من تخرج منها الطبيب “موسى ابن ميمون” وكذلك تخرج منها “سلفستر” الذي تقلد منصب البابوية عام 999م ويُقال أنه كان له دور في نقل الأرقام العربية إلى أوروبا.
أصول مدرسة الفكر المنهجية
بينما أوضح الغزال بأن الباحث حينما يفتش عن الأبعاد الفكرية لدى أحمد الزروق سيكتشف أن جذوره تأصلت في جامعة القرويين التي احتضنت قامات إنسانية عالية تربّوا على أصول مدرسة المنهجية في التفكير، ثم تحدّث الغزال عن تجربته مع قراءة لكتاب قواعد التصوف لأحمد الزروق، ويشير الغزال إلى أن القواعد الزروقية تنطلق في تعريف العلم واللغة وطلب العلم، وتعريف كيف تُكتب الهوامش، وحق الاختلاف في الأفكار، وراح الغزال يسبر بعض هذه القواعد ففي إحداها يقول الزروق : الكلام في الشيء فرع من تصوّر ماهيته.
رؤية الزروق حول اختلاف في الحقيقة الواحد
ويضيف الغزال أن رؤية الزروق تتبلورهنا في الحث على الابتعاد عن إدعاء الحقيقة المطلقة أي أن الإنسان يُدرك الأشياء من حوله عبر التصورات التي نمت معه منذ مراحل الطفولة، ويستدل الغزال بما كتبه الزروق حول العلم قوله : إن الإنسان حين يتحدث أو يتكلم في العلم هو في واقع الحال يتناول تصوره الذاتي، ويواصل الغزال تبيان قواعد الزروق قائلا : إن الاختلاف الفكري لدينا قوامه أخلاقي صِرف بيد أن الزروق ينزع السمات الأخلاقية، ويؤكد بأن الاختلاف في الحقيقة الواحدة وإن كثر لا يدل على أخلاق المتحاورين بل يدل على تعدد تصورات المتحاورين لتعريف شيء ما كالحب مثلا، ويتوقف الغزال عند تعريف الزروق لعلاقة اللفظ بالمعنى متسائلا هل اللغة تنتج فكرا أم الفكر ينتج اللغة، والزروق يرى أن اللفظ يُعتبر بمعناه فاللفظ يفقد قيمته دون معنى ويؤخذ المعنى من اللفظ، وبالتالي يتوجب أن تكون اللغة خالية من التناقض إزاء لفظ معبّر عن المعنى كي يجيء بناء الجملة والفكرة سليما.
