شعر

في ذكرى طوفان درنة

درنة.. من آثار إعصار دانيال (الصورة: من اختيار الكاتبة فائزة محمد بالحمد)
درنة.. من آثار إعصار دانيال (الصورة: من اختيار الكاتبة فائزة محمد بالحمد)

تمر بنا هذه الأيام الذكرى الأليمة الأولى لما حلّ بأهلنا في مدينة درنة إثر إعصار دانيال الذي تسبب في انفجار السدود والفيضانات التي اجتاحت المدينة، والتي اقتلعت أمامها الأشجار والأحجار والحيوانات والمباني والبيوت والمركبات بمن فيها من البشر، ورمت بهم في قاع البحر، وراح ضحيتها عشرون ألفًا من أهلنا في درنة، أو يزيد، نسأل الله أن يتقبلهم في الشهداء.
أهديها إلى جميع أهلنا في درنة الذين فقدوا أعزاءهم في هذه الفيضانات وعلى رأسهم الدكتور نجيب الحصادي الذي فقد من عائلته ما يزيد عن مائة وستين شخصا.

مَآسِي الْوَرَى أَمْرٌ مِنَ اللهِ وَاقِعُ،
بَلاءٌ، وَلَكِنْ لَا تَعِيْهُ المَجَامِعُ

حُرُوبٌ وَإعْصَارٌ وَدَاءٌ وَفَاقَةٌ
وَزِلْزالُ أرض قاتلٌ وَزَوَابِعُ

فَمَرْحَى بِأمْرِ اللهِ فِيْمَا أرَادهُ
وُكُلٌّ بِأَمْرِ اللهِ رَاضٍ وَقَانِعُ

وَلَكَنَّ مَأْسَاةً الأحبَّة طَوَقَتْ
قُلوبًا لَنَا قَدْ قَطَّعَتْھَا المَوَاجِعُ

فَدَانَيالُ خَصَّ القَوْمَ مِنْ أهْل دَرْنَةٍ
بِمَأْسَاةِ هَذَا القَرْنِ والقَوْلُ ذَائعُ

وَوَقْعُ الأَّسَى عَمَّ البِلادَ بِأسْرِهَا
فَفِي الشَّرْقِ مَحْرزُونٌ وَفِي الغَرْبِ جَازِعُ

وَهَبَّ الجَنُوبُ الحُرُّ مِنْ كُلِّ قَرْيَةٍ
وَوَادٍ بِمَا يَسْطِيْعُ لِلأمْرِ فَازِعُ

وَخَیْرُ دَلیلٍ مَسْحَةُ الحَاجْ جُمْعةٍ
دمُوعًا بجرد أتقَنَتْهُ الصَّوَانِعُ

وَلَيْسَ لَهُ إلَّاهُ، لَوْكَانَ عِنْدَهُ
لقَصَّرَ عَنْهُ حَاتِمٌ وَمُجَاشِعُ

وَكُلٌّ بِمَا مَلَكَتْ يَدَاهُ إعَانَهَا
فَلَمْ يَنْقَطِعْ بِالشَّاحِنَاتِ التَّتَابعُ

لَقَدْ وَحَّدَتْنَا دَرْنَةُ العِزِّ بَعْدَما
يَئسْنَا، وَقُلْنَا فَرَّقَتْنَا المَطَامِعُ

مَضَى العَامُ والمَأسَاةُ مَازَالَ وَفْعُها
شدیدًا، وانَّ الأمرَ يا قومُ فَاجِعُ

فَبَيْنَ هُمُ فِي هَجْعَةِ اللِّیْل إذْ طَمْتْ
سُيُولٌ، وَحَانَ الحَيْنُ مَنْ ذَا يُدَافِعُ
وَلَمَّا التَقَى المَاءَانِ عَذْبْ وَمَالِحٌ
وَفَاضَتْ شَواطِيْهَا وَفَاضَتْ شَوَارِعُ

وَصَارَ ارْتِفَاعُ المَاءِ خَمْسِيْنَ قَامَةً
وَغَاصَتَ عِمَارَاتٌ وَغَاصَتْ صَوَامِعُ

فصَارَتْ بُيُوتُ النَّاسِ فِي الْیَمِّ ڕِئشَةً
تَقَاذَفُھَا الأمْوَاجُ، والیمُّ شاسِعُ

فَكَمْ عَائلاتٍ فَارَقَتْ فِي مَنَامِهَا
وَقَدْ حَمَلَتْھَا لِلْمصِیْرِ المَضَاجِعُ

فَغَاصَتْ إلى الْأَعْمَاقِ دُوْرٌ بِأَهْلِهَا
وَمَا مَلَكُوا مِمَّا تُجِيْدُ المَصَانِعُ

تَرَی مَرْکَبَاتِ القَوْم مَلَأی بِأھَلِھا
عَلَى أَسْطُح اِلبُنْيَانِ وَالْمَاءُ بَالِعُ

فَقَدْنَا بِهَا عِشْريْنَ أَلَفَا حَقِيْقَةً
وَغَيْرَهُمُ لَمْ يُكْمْلِ الْحَصْرَ جَامِعْ

وَمِنْ ذَالِكُمْ آلُ الحَصَادِيِّ بعضھُمْ
قد ابتُلِعَتْ أبْيَاتُهُمْ وَالمَزَارِعُ

فَگَمْ مِنْ ڕِجَالٍ گَمْ نِسَاءِ حوامِلٍ
وَگَمْ رُضَّعٍ قَدْ غادروا ومَرَاضِعُ

وَكَمْ مِنْ شَبَابٍ فِي ذُرَى العُمْرِ وَدَّعُوا
بِأَحْلَامِهِمْ، كلٌّ إلى اللهِ رَاجِعُ

فَكَمْ مِنْ وِسَامٍ کمْ خلیْلٍ وَطَارِقٍ
وگَمْ خَالدٍ سَالَتْ عَلیْهِ المَدَامِعُ

وَكَمْ مِنْ فَتَاةٍ تَخْجَلُ الشَّمْسُ إنْ بَدَتْ
وَإنْ حَجَبَتْ عَمَّنْ یَرَاها البَرَاقِعُ

فَگَمْ مِنْ رِحَابٍ کم سِهَامٍ وَزَئنَپ
وَڭُم مِنْ حَنَانٍ گمْ رَجاء تُطَالِعُ

إلى أنْ أَنَّى أَمْرٌّ مِنَ اللهِ عَاجِلٌ
وَكُلُّ امْرِئٍ -لما أتی الأمْرُ- طَائعُ

عَدَدْنَا لَهُمْ سِتِّیْنَ -مِنْ بَعْدِ مائةٍ –
شهیداً، لَهُ وَسْمُ الحَصَادِيِّ تَابِعُ

فَلَّلهِ مَا هَذِي القُلُوبُ وَصَبْرُهَا
عليهم وما ضَاقتْ عَلَيْها الأضَالِعُ

نَجِیْبُ الحَصَادِيُّ، الذي ظَلَّ شاهدًا
عليهم، وما شيءٌ من الموت مانع

لَقَدْ گَانَ فِیْنا فَیْلَسوْفا مُئزچِما
أَدِيبًا أريبًا، لِلْفَضَائلِ جَامِعُ

نُعَزِیْهِ في مَنْ وَڈَّعُوا دُونَ رَجْعَةٍ
وَفِي كُلِّ مَفْقُودٍ لَهُ القَلبُ دَامِع

وَيَا كُلَّ مَنْ فَارَقْتَ أَهْلاً وَإخْوَةً
وجیرانَ حُسْئَی جَمَّعَتْھُم مُرَابع

إلى الله آبُوا طائعينَ وكلُّهُمْ
شَهِيدٌ، لَهُ خَیْرُ البَرِیَةِ شَافِعُ

فَكَمْ شَاعِرٍ گَمْ کاتِبِ وَمُثَقَّفٍ
وَكَمْ مُبْدِعٍ فِی فَنِّهِ لَا يُقَارَعُ

فَهَذَا الطَرَابُلُسيُّ وَڈَّعَ صَامِتا
وَقَدْ کَانَ مَوهُوبًا جَرِیْثا یُرَافِعُ

كَذَلكَ كانَ المَاجِرِيُّ وَسَعْدُهُمْ
وَمَهْدِيُّهُمْ والشَّيْخُ بالحَقِّ صَادِعُ

ورمضانُ سَاسِي والشُّوَيْهَدِ وَدَّعَا
مَعَ ابْنِ مُنَيْنَةَ كُلُّهُمْ لَا يُنَازَعُ

وَكَمْ بَیْتِ عِلْمِ أَوْ دِیَارٍ ثَقَّافَةٍ
هِيَ الیومَ قَاعٌ صَفْصَفٌ وَبلَاقعُ

نُعَزَّي جَمِیْعَ اللیبیین بِفَقْدِھم
وَكُلٌّ إلى الرحمن بالقلب ضَارِعُ

مَضَی عَامُ حُزْنٍ وانْقَضَی كُلُّ گَڑْبِهِ
وَأقْبَلَ عَامٌّ فِيْهُ تَزهُو المَرَابِعُ

وَیُشْرِقُ وَجْهُ الأرضِ مِنْ بَعْدٍ ظُلْمَةٍ
وتُزْهِرُ هاتيكَ التِّلاعُ الفَوَارِعُ

وَنَسْمَعُ للأطیارِ مِنْ بَعْدِ صَمْتِهَا
تَغَاریدَ أفْرَاحٍ لَهَا الدَّوحُ سَامِعُ

وَتَغْدُو حَيَاةُ النَّاسِ یُسْراً یَزِئْنُهَا
سَلامٌ وَتَرْحَابٌ وَشَارٍ وَبَائعُ

وُتُستَأنَفُ الأفَرَاحُ في كُلِّ مَوقِعٍ
فُنُونٌ وَألحَانٌ، وَشَادٍ وَسَاجِعُ

وَشِعْرٌ بَأَجْنَاسِ الئَّزانِيمِ عِنْدَنَا
وُيُفْتَحُ بَیْتٌ للثَّقَافِةِ وَاسِعُ

نَرَی شُعراءَ القوم في أمْسِیاتھِمْ
يُنَادُوْنَ بالإصْلاح والشّمْلُ جَامِعُ

وَتَسْمُو بلادِي للعُلا بعْدَ وقَفَةٍ
رَسَمْنَا بَهَا الأهْدَافَ والصِّدْقُ دَافِعُ

مانشستر في 2024/09/07

مقالات ذات علاقة

الأفــك

محمد الكيش

علامة

غزالة الحريزي

وأسرجت غيمي للرحيل

عبدالحكيم كشاد

اترك تعليق