قرأت محكية رائعة لشاعر المحكية الشفاف عبدالعظيم باقيقة، استوقفتني صورها ولغتها وحزنها المعشش بين حروفها، لم تكن كالقصائد العابرة لكنها كائن حي يتحرك داخلك، يزرع فيك شعوراً بأنك (باقيقة) نفسه و(طه) الصغير فلذة كبدك، فتبكي كما لم تبك من قبل، ويتألم عمقك لدرجة الإحساس أنك تعيش مأتماً لقريب، قدرة فائقة على اختراقك والسكن داخلك، مرثية كانت في شكل صور سينمائية متسارعة بجزئياتها الدقيقة لفيلم حزين، تشاهد لقطاته وأنت تسمع الأنين وحشرجة الموت وصوت الفرامل على الإسفلت ولغط المسعفين، تشم الدم الطازج ورائحة اليود وبخور الكفن وطين القبر المبلل .. تلمس الماء الدافيء وبرودة الغرف المظلمة والجسد المسّجى في انتظار النعش الصغير .. صوت الطبيب يعلن الخبر المحزون وبكاء الأم الثاكل وانهيار الشاعر تحت وطأة قصيدة تعلن الفاجعة، تخبر عن موت (طه) الجميل الذي غابت زهرته عن حديقة الأسرة وعن حقيبته التي تركها على حافة الطريق لم تكمل مشوارها معه وعن كتف مجهد تعًود أنفاساً دافئة ذهبت مع الريح، بكائية يكتبها قلب يحترق فتشم رائحة الغياب الذي ليس كالغياب.
قصيدة تقطر ألماً وتسكب في القلب حزناً لا ينضب .. كأنك تتصفح ألبوم ألم يكبر ويشتد عوده مع كل صورة ومع كل حرف ومع كل لازمة .. تغوص بنا في عمق المكلوم نفتش عن بؤرة فرح غائب .. تعصر القلب سطوة الألم فنشعر بعدم قدرتنا على أن نعزيه، فالكلام يغيب في حضور الدمع وتغلبنا الشهقة فنلجأ لقلم أبكم يرسم عبارات كررها غيرنا، لا تعبر عما بداخلنا لكنها جزء من واجب اتجاه قصيدة (طه) الفقيد الحاضر في ذاكرة محكية وفي أيام ذويه ولياليهم المخضبة بألوان كراريسه على الطريق.. لا نملك إلا أن نقول : لوالديه الذخر العظيم عندما يجدان عصفوراً يغرد بإسميهما تحت عرش الله.
ذكرى (طه) تأتي مع كل صباح.. لباقيقة الود من متألم لا يعرفه إلا من وراء حجاب.
طه
عبدالعظيم باقيقة
شيلو الغطا عن وجهه
بالله يااحباب شيلوه …
وجسو لوليدي نبضه
ماتأيسو جسوه …
يمكن تعاودله الحياه
والقلب ينبض
من جديد اويخفق …
وايرد في وجهه اضياه
والدم فاعروقه
ايعاود يدفق …
مازلت موش امصدق ..
انه هلبني فات ..
مازلت موش امصدق ..
أنه اوليدي مات ..
مازلت موش امصدق ..
انه تلاقى فالصباح ابحتفه ..
اكيد بكره ايعاود ..
غالب افشيلة شنطته علي كتفه ..
وقدام باب المدرسه
نرفع اوليدي انضمه ..
وجهه افراسي يغرسه
اونا نحضنه وانشمه ..
أكيد بكره ايعاود ..
وامه اتشاكيلي بكل ما دار ..
وكيف فغيابي قلب الدار ..
أكيد بكره ايعاود ..
الشنطته .. والكورته
اودراجته الجديده ..
الفرحه مع انداده
افليلة عيده ..
ايطلع لسانه للسحاب
ومع القمر ايبصر ..
وايوادع ابيده الشمس
وين الغيوم اتمطر ..
ومع كل ضيف أيبصر ..
ويزيد الكلام عن حدٌه …
اوننهره يزعل عليٌ جده …
اكيد بكره ايعاود
أكيد بكره ايعاود
الا اللي قتل لي ..
فرحتي بوليدي ..
واللي رمى ..
سهم القضا افوحيدي ..
أنا ريت حزن العالم
يجري ألم فادموعه ..
والله وحده العالم
باللي اشتعل فاضلوعه..
فبالله لا تسبوه
مفجوع كيفي بالعجل واسوه ..
وانكانكم علي أمسامحه
من كل قلبي امسامحه
الله والنبي سامحوه ..
بس قبل ما تحطو
اوليدي افلحده ..
اوقبل ما تسيبو ..
حبيبي وحده ..
انا انريد منكم خدمه ..
لي قدموها
وما اتفسروها
انها علامة صدمه ..
انا انريد منكم خدمه ..
شيلو الغطا عن وجهه
بالله يا احباب شيلوه ..
اوجسو لوليدي نبضه
ما تايسو جسوه
ما تايسو جسوه
ما تايسو جسوه