الذكرى الـ32 لرحيل الفنان بشير محمد عريبي
عن كتاب (الفن والمسرح في ليبيا)
بشير محمد عريبي
كانت أغلب الحفلات الفنية والمسرحية العفوية تقام عادة إما بمناسبة قدوم زائر كبير، كما وقع عندما جاء الزعيم الليبي بشير السعداوي إلى ليبيا، أو إعلان خبر مهم كما وقع عندما أعلنت الجمعية العمومية للأمم المتحدة تقرير قيام دولة ليبية في شهر نوفمبر سنة 1949م، أو حلول مواسم دينية وقومية، أو بمناسبة عودة فنان كان مهاجراً في إحدى البلاد العربية إلى أرض الوطن كما وقع عندما عاد الشيخ أحمد شاهين والأستاذ بشير فهمي، وأحياناً عند انتظام المهرجانات كما وقع سنة 1955م وسنة 1956م عندما أقيم مهرجان الأغنية الليبية بأنواعها الثلاثة البدوي والطرابلسي والمرزقاوي.
عندما عاد الزعيم الليبي بشير السعداوي أقيمت في كل نادٍ حفلة على شرف قدومه، وقد وضع الحزب الوطني برنامجاً حافلاً لاستقباله، فكان اليوم الثاني من قدومه من نصيب نادي العمال. وفي تمام الساعة الخامسة أقيم مهرجان شعبي اشتركت فيه جميع النوادي والمدارس، وكان مقرّ الاستعراض شرفة نادي العمال (بميدان الساعة) أعقبه حفل شيق ألقيت فيه خطب حماسية كما استضافه كل من نادي الاتحاد ونادي الهلال والنادي العربي والنادي الأدبي، وأقيمت على شرفه حفلة رياضية كبرى بملعب البلدية.
وعندما أعلنت الجمعية العمومية للأمم المتحدة تقرير قيام دولة ليبية بتاريخ 2 – 11 – 1949م أقيمت الاحتفالات في كل المحلات، وقدمت الروايات القصيرة الارتجالية على منصات نصبت بالمناسبة، وقد شارك في الحفلات الفنية أغلب المطربين كباراً وصغاراً في مدينة طرابلس وضواحيها، وكان المطربون ينتقلون بآلاتهم الموسيقية، وكان على رأسهم في أغلب الأحيان المطرب الكبير مختار شاكر المرابط، وما زلت أذكر إعجاب الجماهير وصياحها عندما غنى محمد الفرجاني أغنية (يا تغور الورد) وهي من تلحينه ونظم شاعر الوطن أحمد رفيق المهدوي، وقد استمرت السهرة تلك الليلة حتى مطلع الفجر ..
وعندما عاد الفنان بشير فهمي من تونس، أقام حفلات فنية منوعة على مسرح الحرية – كما شاء هو أن يسميه – في حين أنه أقامها في الواقع بسوق الصياغة (فندق الحصائري) طوال أيام الأعياد، واشترك معه في إحيائها خيرة المطربين الوطنيين، وقدم في هذه الليالي أبدع أغانيه مع ابتكارات جديدة تمثلت في تقديم فصول هزلية اشترك فيها أبرع أبطال الفكاهة خلال فترات الاستراحة بين فصول الغناء.
وأقام الشعب الليبي مرة أخرى السرادق والمسارح في وسط الشوارع والطرق العامة عندما وقع إعلان استقلال ليبيا بتاريخ 24 – 12 – 1952م، وقدم المطربون والموسيقيون والممثلون على هذه المنصات الحفلات والمهرجانات المتوالية، فكانت الأغاني الليبية الأصيلة، والأناشيد الحماسية، والأزجال الشعبية الملتهبة، والتمثيل الارتجالي الناقد الضاحك، وكان منه ما ندد بالمستعمر وأعوانه، وما عالج الأوضاع السياسية السائدة في تلك الأيام، واستمرت هذه السهرات حتى الشهر السادس بتشجيع من طرف جميع المحلات بطرابلس، وكان نجم هذه الحفلات عازفي الكورديون علي الزنتوني وكاظم نديم، ووضع كاظم أجمل الألحان للأناشيد الحماسية الوطنية التي كتبها شاعر الوحدة أحمد قنابة، وكان منها نشيد و علم البلاد، ونشيد ( بالسيف نحمي والقلم، وتعلق الناس بهذه الأناشيد وألحانها الحلوة الجميلة، وصار كل صغير وكبير يرددها في كل مناسبة، وقد شاركت الفرق الموسيقية في هذه الاحتفالات ومن ضمنها فرقة صالح المهدي الفزاني، وفرقة علي الحداد التي أحيت الليالي الجميلة الساهرة.
بشير محمد عريبي (الفن والمسرح في ليبيا)، الدار العربية للكتاب، ليبيا – تونس، 1981.