حوارات

المترجم الليبي فرج عبد السلام الترهوني .. نهر من الترجمات

المترجم فرج الترهوني
المترجم فرج الترهوني

الترجمة في ليبيا قليلة وشائكة وتكاد تكون غير ظاهرة ، قليلة هي الاسماء التي واصلت نحتها الخاص في جلب ثقافات أخرى الى القارئ الليبي  تحديدا والعربي عموما،  قلت الليبي تحديدا لأننا نشأنا في أمية تتعلق بلغة الآخر والأسباب معروفة طبعا،  ولكن كانت النجاة للشغوفين بالقراءة بالاطلاع على كتابات الآخر عبر الأعمال المترجمة فتربى جيل من الليبيين على مثل هذه الترجمات التي شكلت مبكرا وعيا معينا بالعالم، مثل ترجمات بعلبكي الغنية عن التعريف، وسامي الدروبي، وعفيف دمشقية وجبرا ابراهيم جبر، وصالح علماني ومحمد عناني

على مستوى الأسماء الليبية هناك التليسي وترجمات لوركا وطاغور وعبد الكريم عبد الوافي مترجم الحوليات الليبية، وعلي فهمي خشيم، ومحمد زاهي المغريبي، أيضا نجيب الحصادي الذي تخصص بالترجمات الفلسفية فترجم اكثر من اربعين مؤلفا، كذلك ابراهيم النجمي ، وخالد المطاوع وعاشور الطويبي ومأمون الزائدي وغيرهم .

في العالم وجود مؤسسات للترجمة شيء طبيعي كوجود المخبز والدكان.

هنا في بلادنا البؤس على مفاصله طبعا ليس هذا غريبا على بيئة لم تنشأ على وجود الكتاب بالبيت، هنا حتى مؤسسات الدولة تهمل الكتاب، ووزارة الثقافة العظيمة نموذجا!

ولكن لابد أن يبزغ أسما ما يمسح هذا الغباش.

من الأسماء التي حفرت تجربتها في مجال الترجمة بليبيا هو المترجم الكبير فرج عبد السلام الترهوني صاحب العدد الأكبر من الترجمات لأعمال عالمية، وفي فترة زمنية متواصلة، ترجم عددا كبيرا من الأعمال بدأب وبراعة قل مثيلها،

وعلى مدار أكثر من عشرين عاما، صدر له أكثر من أحد عشر عملاً مترجما في مجال الأدب العالمي عن دور نشر معروفة ولها مكانتها، هذا بالإضافة لترجمات في مجالات أخرى، والأعمال من الأدب العالمي هي:

  • كثبان النمل في السافانا ،2003 وهي رواية لتشنوا أشييبي ضمن سلسلة إبداعات عالمية، الكويت.
  • وعن مجلس الثقافة العام – ليبيا صدرت له المجموعة القصصية فتيات في حرب في العام 2004 لمجموعة كُتّاب ، ورواية إعدام المجند سلوفك 2005 ،للكاتب  وليام هيوي،
  • ورواية ترجمان الأوجاع ،في2006، للكاتب جلومبا جاهيري .
  • وعن دار كلمة للترجمة أبو ظبي صدرت له ترجمة لرواية فتاة الوشاح الأحمر في 2007 لجي لي جيانغ
  • ورواية التحفة الفنية في 2009، للكاتبة أنا إنكويست ،
  • ورواية الأخبار من بارغواي في2011 للروائي للي توك، وأيضا رواية موت فيشنو في 2010، للكاتب مانيل سوري.
  • وعن عن دار ألكا العراق صدر له أعمدة الملح في 2019، للكاتبة فادية فقير،
  • وترجمة لرواية الحياة والموت في 2020،  لمويان.
  • وعن دار الفرجاني – لندن ، صدرت له ترجمة لرواية الشاطئ الرابع في2020 للكاتبة فرجينيا بايلي عن دار الفرجاني، لندن
  • وله أيضا أهل الله – مذكرات تسجيلية، ورواية المجند، وبنغازي/ نظرة جديدة إلى حادثة بنغازي وتأثيراتها على العالم.
  • ورواية حرّة.
  • أما مناكفات فهي مجموعة مقالات صدرت عن دار الهلال.

توجهنا بأسئلتنا إلى الأستاذ فرج عبد السلام الترهوني وكان لنا معه هذا الحوار

حكايتك مع الترجمة كيف بدأت، وما الظروف التي جعلتك تعتنق الترجمة كأسلوب ابداعي ؟

دعيني أولا أحدد باختصار مفهومي للترجمة الأدبية، فهي عملية نقل النصوص الأدبية من لغة إلى أخرى. تتطلب هذه العملية فهمًا عميقًا للنص الأصلي والثقافة التي نشأ منها، بالإضافة إلى القدرة على التواصل بوضوح ودقة في اللغة الهدف. وتختلف عن أنواع الترجمة الأخرى في أنها تتطلب من المترجم الحفاظ على العناصر الجمالية والفنية للنص الأصل

علاقتي مع الترجمة بدأت صدفة عندما ترجمتُ بعض المؤلفات المهنية في مجال تخصصي في عملي السابق في المؤسسة العسكرية، وكنت قد اكتسبت اللغة الإنكليزية أثناء دراستي الأولى في بريطانيا. ونظرا لعلاقتي الوطيدة بالعديدين من رموز الثقافة والأدب في بلدي فقد حفزني ذلك على المزيد من القراءة وزيادة مخزوني الثقافي والأدبي، وساعدني الأصدقاء أنفسهم على نشر ترجماتي في المطبوعات الليبية مثل الفصول الأربعة وغيرها من الدوريات العربية.

بعد استقالتي من الوظيفة، شجعتني تلك البدايات المتواضعة على الاستمرار، وكانت النقلة المهمة عندما قرأت رواية “الأشياء تتداعى” للنيجيري الكبير “تشنوا اشييبي” التي أهداها لي الصديق الشاعر “خالد مطاوع” مع رواية “كثبان النمل في السافانا” للكاتب نفسه، الذي أعجبتُ بسلاسة أسلوبه وطرحه لقضايا إفريقيا في مرحلة ما بعد الاستعمار. في تلك الفترة كنتُ أترجم المواضيع المطوّلة بشكل متصل لمجلة “الثقافة العالمية” الكويتية، ووجدت في نفسي الكفاءة لترجمة عمل أدبي متكامل، فشرعت في ترجمة كثبان النمل لأشييبي، والحق يقال إنه كان لتشجيع وتحفيز الصديق الكاتب والناقد، “أحمد الفيتوري” الدور الأكبر في استمراري في هذا العمل، حتى بعد أن كنت أطرح أمامه شكوكي في مستوى أسلوبي الترجمي مقارنة بغيري ممن يترجمون للعربية، أو قلة احتمال أن أجد ناشرا يقبل النشر لي، فقد كنت أرى جلّ الكتاب الليبيين يدفعون لنشر أعمالهم بدل العكس، وكنت أرفض ذلك.

حالفني حُسن الطالع، وقبلت سلسلة إبداعات عالمية في الكويت نشر ترجمتي لأشييبي وعندما وصلتني أعداد النسخ المخصصة للمترجم مع مكافأة معتبرة، طرتُ فرحا فوجود اسمي على كتاب مترجم في دار نشر مرموقة عنى لي الكثير، ومنحني ثقة، كما حمّلني مسؤولية لتوخي الدقة والتجويد في عملي. ومذاك الحين خصصتُ كل وقتي للترجمة ونشرتُ ترجماتي في ليبيا وخارجها.

يقول همنغواي ان الكتابة هي معركة فيها قتلى وناجون ووظيفة النقاد هي الاجهاز عليهم! هل ترى ان الترجمة نوع من القتال داخل بيئة لا تعترف بالكتابة اصلا؟

ــ بالرغم من الاتفاق مع قولك حول بيئتنا التي لا تعترف بالكتابة ولا بأصحاب القلم بمختلف أنواعهم، إلاّ أنني لا أوافق في المجمل على قول همنغواي الذي ذكرته، وأرى أنه قد حدث شطط كبير في وصف الترجمة بالخيانة، فالكتابة من ضرورات الحياة، وبالقدر نفسه فوظيفة النقّاد من أساسات العمل الإبداعي، فلولا وجودهم ما ازدهر الأدب، ورؤيتهم الإيجابية أو السلبية هي غاية في الأهمية للعمل الإبداعي، وهو ما نفتقده في ليبيا، حيث العملية النقدية تندرج في الغالب في خانة المجاملة، والرأي السلبي نعدّه عنوانا للعداوة الشخصية… فعلى الرغم من ما في ترجماتي من أخطاء أسلوبية ولغوية، وبالأخص في بداياتي المتعثرة، إلاّ أنني لم أتلق أي نقدٍ يرشدني إلى عثراتي!

بعض ترجمات الأستاذ فرج الترهوني
بعض ترجمات الأستاذ فرج الترهوني

إلى اي مدى تكون روح ونفس فرج موجودة داخل العمل المترجم؟

ـ ينبغي في كل الأحوال النظر إلى المترجم على أنه كاتبٌ ثانٍ للنص الإبداعي وبالتالي لا بد أن يبث فيه من روحه، إن أراد التجويد والخروج بنصّ محكمٍ وسلس، وتلك مسألة شاقة بعض الشيء، فهو مطالبٌ بأن يحافظ على روح النص وشكله ومعانيه، وطوال الوقت يتخيّل المترجم الملتزم الكاتب الأصلي ينظر من فوق كتفيه ليرى ما يفعل المترجم بنصّه، وكذلك يتخيّل المترجمُ الناقد، إن وُجد، وهو يتعقّب الأخطاء وأي انحراف عن روح العمل ومغزاه، وما إلى ذلك..

هل تفكر في الترجمة العكسية من العربية الى لغات أخرى، ومن ستختار على مستوى الرواية والشعر – من ليبيا تحديدا- لو فعلت؟

ـ خبرتي المتواضعة في مجال الترجمة أكّدت لي  أنّ للترجمة شرطا أساسا هو ضرورة أن يُتقن المترجم اللغة الهدف وأن يشعر أنه يمارس فعل الترجمة في ملعبه، وبمعنىً آخر ينبغي أن تكون اللغة الهدف هي لغته الأم أو شيئا قريبا منها، بالنسبة لي، وبإمكاناتي المتواضعة فليس للترجمة إلاّ اتجاه واحد أستشعرُ الراحة معه وهو النقل من الإنكليزية إلى العربية، وسبق أن عبّرت عن ذلك بالقول أن الترجمة مثل نهرٍ يندفع في اتجاه واحد، فالمترجم ينبغي أن يكون مرتاحا لنقل المعنى والأسلوب إلى اللغة الهدف وإن استعان بالقواميس… أما ترجمة الشعر فذلك أمرٌ بالغ الصعوبة، فإلى جانب الاشتراطات سابقة الذكر، أرى عن قناعة أن ترجمة الشعر لا ينبغي أن يقوم بها إلاّ شاعر. ورأيي هذا جوابٌ شافٍ لمجمل سؤالك حول ترجمة الأعمال الليبية. وللأسف أرى بعض المحاولات في الترجمة العكسية هي أقرب للترجمة الإلكترونية عن طريق محرك البحث غوغل، وبعضها يدعو إلى الأسى… لكن غياب العملية النقدية يسمح بتمرير أي شيء!

هل تظن انه سيأتي يوما وتكون ثمة مؤسسات تعنى بالترجمة داخل ليبيا وما الذي ينقص لتحقيق هذه الغاية؟

ــ قيامة الترجمة وازدهارها مرهون بوجود بيئة ثقافة حقيقية فاعلة، في مجتمع مزدهر يُعلي من شأن الثقافة، وهو ما لا يمكن أن يحدث في بيئة متخلفة لا علاقة لها بمتطلبات الحضارة وشروط الحياة العصر. هنا في إسبانيا، مثلا، بلغ عدد الكتب المنشورة في عام 2023 حوالي 83,091 كتابًا، منها 57,125 كتابًا نُشرت في صيغة مطبوعة، و25,966 كتابًا في صيغة رقمية. أما بالنسبة للكتب المترجمة، فكان هناك 7,230 كتابًا مترجمًا من الإنكليزية فقط إلى الإسبانية…كلّ هذا وعدد سكانها 47 مليونا فقط، وإذا ما قارنا هذا النشاط بمجمل الدول العربية بما فيها ليبيا طبعا، لا يسعني إلاّ أن أستحضر المثل الساخر الشائع: لمن تنفخ مزاميرك يا داود!؟  ولهذه المعطيات نفسها أستبعد انه سيأتي يوم قريب تكون فيه ثمة مؤسسات تعنى بالترجمة داخل ليبيا، ما لم يحدث تغيير كلّي في بنية المجتمع وثقافته وأنماط تفكيره، وهذا يستدعي بالضرورة، ما أسميه مجازا، بحرث التربة عميقا وتقليبها جيدا وتعريضها لشمس الثقافة والمعرفة الإنسانية والحضارة، لكن هذا طريق طويلٌ وشاق..

لطالما تم نعت الترجمة بالخيانة الذهبية.. هل خنت يوما؟ وكيف ذلك؟

. أكثر الصعوبات التي واجهتها خلال مشواري في الترجمة، غير الصعوبات المادية ففي المحصلة أنت الذي تنفق على عملية الترجمة وليس العكس، الأمر الثاني هو عدم وجود المحررين والمدققين الذين يمكن أن تأنس لهم.. وبالتالي ليس للكاتب أو المترجم إلاّ نفسه.. أحدهم وله شهرة في علاقته باللغة العربية، عندما عرضتُ عليه أن يراجع ويدقق ترجمة لي، أجابني بود: معقولة يا سي فرج، أنا انراجع وراك؟! وآخر وهو أكاديمي معروف نقل إليه زميله وصديقي الأكاديمي مخطوطا لنص مترجم، فأعاده إليه بعد قراءته معتذرا بأن النص يحوي بعض التابوهات (الجنس، والدين) مع أنني مارستُ الخيانة كما يقولون، وخففت كثيرا فجاجتها!

هل تفكر في إنشاء مؤسسة تُعنى بالترجمة داخل ليبيا

. أما مسألة إنشاء مؤسسة تُعنى بالترجمة داخل ليبيا، فتتعلق بجهد مؤسسي ينطلق من مؤسسة حاكمة واعية لدور الثقافة الإيجابي في المجتمع… وأظن أن هناك ما يشبه هذا الجسم القائم بشكل ما برئاسة د. نجيب الحصادي الذي بالرغم من مثابرته التي نعرف، إلا أنه يبدو أن العقبات التي تواجهه أقوى من نواياه الحسنة!

وختاما لأننا نعرف دأبك وشغفك المتواصل.. ماذا تترجم الآن؟

ـ للأسف فإن ظروفي الصحية في هذه السن لم تعد تتيح لي ممارسة شغفي الدائم المتعلق بـ (غواية الترجمة) وعندما أحاول أن أبيّن لرفيقتي تدهور قدراتي الجسمانية والحركية مع التقدم في العمر، تعيّرني دائما بترامب الذي يكبرني بعامين، ومع ذلك فهو يتقافز في سيره مثل فتى أربعيني! فأركن إلى الصمت خشية الوقوع في مصيدة المقارنة بين حياة ترمب المرفهة وحياتي…!

ملحوظة

لي ترجمة مهمة صدرت عن الهيئة العامة للبحث العلمي، عام 2003 بعنوان: الحرب في زمن السلم، بوش كلنتون والجنرالات، وهو كتاب ضخم في السياسات المحلية الأميركية، للكاتب ديفيد هالبرستام.


فبراير | فبراير الثقافي: 8 يوليو 2024م

مقالات ذات علاقة

السنوسي: المثقف الغربي نرجسي!

محمد الأصفر

إسماعيل البوعيشي: الدولة هي المسؤولة عن تعثر حركة النشر في ليبيا

رامز رمضان النويصري

السيدة صالحة ظافر المدني في الذكرى الخمسين لتأسيس جمعية النهضة الطرابلسية

المشرف العام

اترك تعليق