المقالة

في انتظار “القائد”.. المُخلِّص “الذي يأتي ولا يأتي”

اللوحة من أعمال الفنان العراقي جمال إبراهيم مدد
اللوحة من أعمال الفنان العراقي جمال إبراهيم مدد

لماذا المجتمع الليبي ليس من المجتمعات التي راكمت رصيداً متقدماً في بناء ” الدولة الحديثة”؟

ظاهرة “القائد”:

الـ “قائد التاريخي” بكل مظاهره المتعددة وطلعته الصاخبة وصوره الفاقعة التى صارت مثل الومضة الشريدة في عالم الخيال والخرافة وانعدام اليقين، عالم التمني والسيطرة وعالم الهوجة الرقمية والثرثرة الفجة والسلطة العقيمة كقوة إستغناء تغني عن تشغيل الذهن والتفكير الموضوعي والحفاظ على الحصانة الوطنية والمجتمعية . كيف وبعيداً عن نعمة التبصر مازال يسري في مخيلة المفتونين به في صمودٍ يذيب الحجر الصلد من شدّت العناد والتعصب؛ فها هو يسري في الفضاء “الأكتروني” الفسيح بصوره المبرقعة بألوان مختلفة متوهجةً تشع في ذروة صعوده الرقمي بالتهديد والأحتجاج الساخر الأشبه باليقين الذي لا يداخله الشك. فعلى المستوى الاستفهامي: هل هذا المجتمع يسعى بجدية لضمان بقائه ؟

سريان الصورة في الذهن:

يسري وقد محت صورته زمانها التاريخي وهي عابرة  مُشعة من مشهد لآخر ترسل الضوء على شتى الجوانب ” لفتوحاته” الوهمية وهي تمتزج بالخرافة التي تحمل أبعاداً متفاوتة في اتساعها، منتزعة السلطة من السلطة السابقة ( الملكية) التي لم تكن تمتلك نعمة الحرص والحذق، في ظهورها تعلو على الوطن ذاته مُبشرة بالميل المتعطش للسطة الدائمة والفردوس المفقود عوضاً عن رؤية الأثمان الغالية مادياً ومعنوياً تسوم البلد وهي تنطلق باندفاعات جنونية تفيض بالتثمين لإنجازاته الخارقة ومشروعاته الطموحة الفاشلة التي تكتسي قناع الثورية والتسلية والامتاع.

زعامة ليس لها مثيل:

 لا محالة فيجيء الأقرارالفصيح بزعماته الفريدة ومتابعة كلّ مزاياه بكل الشغف من كلّ مُحبيه وعيون النت الفسيح المفتوح على المداهمة والغلبة، فهي شخصية ظاهرةً بكل قوة في هذا الخضم العام ” الرقمي”، تظهر بأشكالها المُتنافرة مذ كان شاباً لم يبلغ من العمر الثامنة والعشرين إذ حينها وبكل السهولة وبمساعدة استهتار السلطة السابقة (الملكية) أستولى على البلاد كلّ البلاد بما كان يحمل هذا البلاد من خزائن من ذهب وفضة بشهادة الساسة والمؤرخين حينها والمثقفين وأغلبية الشعب. إنّها مساهمة فعلية من النظام السابق في تدشين الحصار على الثقافة العقلانية.

الزهو الثوري:

ظهر في يوم مشهود “كفاتح ثوري” للبلاد فعلياً، خدع العقول بخطاب ظاهره يدعو إلى “الحرية والاشتراكية والوحدة” وباطنه الخراب والزهو الثوري وانحدار حدود الزمان والمكان، فبعد الانتهاء من البيان الأول للأنقلاب العسكري ظهرت صورته شاباً يافعاً في زمن البث التلفزيوني الأبيض والأسود وهي صورة ظهرت طاغية على كلّ الصور الأخرى، فمنذ تلك اللحظة “الساحرة” مالت النفوس إليه  وأصبحت كلّ البلاد صاغرة له، طائعة مدهوشة بامتياز خرافي تطبل وتزمر تحت أمرته وسلطانه وكلماته مروراً بـ ” ندوة الفكر الثوري ” التي شارك فيها جمهورهايل من طليعة أبرزمثقفي البلاد من العيارالثقيل احتفالاً بالدهشة الثورية بمعزل عن فكرة السلطة ومآلها بقيادته وقيادة أقرانه في ” مجلس قيادة الثورة “، وعندها جاء في الندوة ما يداوي الشرور بسحر الكلام والتعريف ” الثوري ” لأبناء الوطن لمن له بحق لا يعتريه أدنى شك ّفيمن له ” المصلحة الحقيقية في الثورة “، أهو الرجعي المتخاذل العميل أم التقدمي الثوري المتنور وكانت أول خطوة لرفع سوط التأثيم السياسي واحتقار الآخرين وذلك بناءً على ما وصلت اليها نتائج ” الندوة” ومن المشاركين فيها، فضلاً عن ما جاء في عرف ” مجلس قيادة الثورة ” وأبجديات بدء زمن ” الثورة على الطغيان والرجعية ”  كما صدّح بذلك أحد الفنانين كعلامة على الاستعلاء والسيطرة ؟ فكان لـ ” القائد ” السيطرة الأكيدة على زمام الأمور كما كان للشعب أنّ تعلّم كيف يتعامل مع المفاجآت التي وضعته في حالة من الانغلاق والطاعة والتعصب.

الزمن المُنفلت:

 هكذا حتى أمسى مع مرور الزمن المخاتل والمُذهل في آن واحد ” القائد” المُفدى بالروح، وبمرور الأيام العجاف لنواميس الكون أصبح ” ملك الملوك ” ليعلن ضرورة تخليه بالكامل عن العرب والعروبة، والتي خذلته بكل بساطة، وينسب نفسه باعتزاز وفخر لأفريقيا كي يسود فيها ويجول بمعزل على ما جد من شؤون المجتمع من التمايز الأجتماعي الذي أدى إلى التضحية بحريات الناس ومتطلبات البلاد سواء كان من بنية تحتية أساسية ترفع من مستوى الاقتصاد والمجتمع أو في حكم الواقع ترفع من نمو البلاد في السياسة والثقافة مع تجاهل حالة الحرمان التي يعيشها الشعب والتّعامي عن التناثر والتفكك الحاصل في البلاد وفضلاً عن تدهور مستوى المعيشة، فكان إنْ فرض نظاماً قهريا يُظهرالتناقض فيما يبصرأو لايبصرو بين القائد العسكري والزعيم السياسي إلى درجة أنّ المجتمع لم يعد يرى كيف نشأ النظام وذلك من شدّة تجذره وصلابة عناده ومن شدّة الطبيعة الساخنة لشخصيته التي عجز الشعب على التنكر لها أو طمسها.

الانسجام في الموقف:

في هذا السياق أخذ الشعب كعادته في الحصيلة النهائية التماهي مع فكرة التهريج واتباع ايدولوجية ” القائد ” بمثابة قوة واحدة في الأنسجام المجتمعي التام مع مقولات هذا ” القائد ” وفكره اليقيني المستند على ايديولوجية تصل إلى حد إغلاق رؤية امكانية رؤية المختلف مع هذا الفكر، فكان أنْ رفع الشعب الأكف بكل الحماس والإخلاص له بعواصف التصفيق الطويل والصياح على نطاق مرتفع  حيث تفجّرت في صوته المدوي في ساحات ” الحرية” والانتصار في حشود هاتفة في وجه الخصم الذي فقد المنعة والحماية: ” يا وكال دجاج محمر…”، ليس هذا فحسب بل ظهرت مائجة في ديار الوطن لتصيح صحيةً مقرونة بالتحدي ” تبي والا ماتبيش مغير القائد مفيش “، انسجاماً مع منحى فكر القائد الجبار المصحوبة بالترهيب والترغيب وفي مرحلة لاحقة إلى فقدان القدرة على المجابهة لكاريزميتها التي تشكل نواة الجذب لها للأبد.

هدير الرياح العاتية:

ومع أستمرار أحتدام الأحداث الدرامية فيما يشبه هديرالرياح العاتية الهوجاء والأعمال الخارقة بالإسهام العاصف المتوهج والناري هاتفاً على مشهدٍ من الهلكة والتمدير الذاتي وفقدان الوعي : ” بالروح بالدم نفديك يا قائدنا ” والتي بدورها كانت صرخة خالصة لوجه الريح قد تاهت في مدارات التّحولات المتسارعة في عهدها الزاهر ” الجماهيري” وزحفها الأخضر والتباهي به إلى أنْ أندثرت على اكف هالتها السحرية العجيبة ! حتى أنّه في فترة لاحقة بدأت تصطنع بشأن سيرة ” القائد” الأساطير حول زعامته ” الباهرة” وقدراته الخارقة  في التفرد بالحق.

الاندفاع المفتوح على الشعر:

طوال حياته في ذلك الزمان ظلّ يسري – ولازال – بكلامه المتقطع السريع وخطبه الحماسية التي لا تعرف الهدوء وألتي أكثرها لا يخص الوطن ولا يخص ازدهاره وما يحتاجه الناس وما ينتظر المستقبل من انفتاح على وجه الدنيا، فظلّ يسري مناقضاً للحظته الراهنة المضطربة المشغولة باختطاف النصر وزوال العوائق والعقابات وانبلاج ” الزحف الأخضر” واستمرار ” المد الثوري” مع تجاهل حضور الواقع الليبي السائح والهائم في دنيا تخلفية عقيمة دون مغزى أو هدف أو غاية انسانية ترفع من مستوى النمو الاجتماعي والاقتصادي للناس.

خيارات عنيفة:

هذا مع نشر وانتشار  الخيارات العنيفة الداعية إلى ” التصفية الجسدية ” لكل معارض والنبذ والعداوة والتخوين وأصبح من دون ترسيخ الحكمة بين الناس  ” قائداً تاريخيا” منغرساً في الأساس العميق في مخيلة وذاكرة مؤيديه حتى صار يُعبد ويُزار على ” النت” وتقال فيه الأشعار التي لم يسعد بها ” قائد” مثله ولم تقال في زعيم قبله ولا بعده، اشعارٌ شعبية تُقام لها الخيام والسرادقات يشارك فيه فحول الشعراء من مختلف الجهات لا نجدها في كثير من الشعر وفي أروقة الشعراء تصفه كواقعة حقيقية من الإرادة الربانية وهبة علوية من السماء لهذا الشعب الطيب وهذه البلدة التي رفعت اسم الوطن في زمانه وعصره في اعالي السماء ورفعت رايته المنتصرة ” مرفوعة في العالي ” في حين تفشى تحتها القهر والحرمان.

الإغفاء والشرود:

 إنّها حالة فريدة لم يشهد الزمن الحالي لها مثيل بل وأكثر من أنْ تحصى وما تنطوي عليه من مفارقات كامنة في اذهان المُتماهين معه، إنّها حالة من الإغفاء ومن الشرود كقوة دافعة نحو ذلك الماضي كأنّما قوة غيرعادية تملك زمام الحاضر لتحقق نصر “الجماهيرية” القادم لا محالة في لحظة سكرات موتها تشبثاً بـ ” القائد” قرين “القوة والشجاعة والعزيمة والكبرياء والبطولة “، الذي على يديه ستعود عزة الحق والأغتباط بالحياة إلى ليبيا الخضراء.

توقير سلوك القائد:

 أنّه في وصفها لهذا القائد “المخلص” تعدى الأمرإلى أضفاء صفة الحكمة وتوقير السلوك والتبرير لأعماله بشتى انواعها لتسمو على صفة الطغيان والاستبداد الفردي الذي حشر نفسه فيه يوم صار قائداً للثورة وحسب و” ملك الملوك ” صاحب الطُوهرية الراقية التي لم تدنسها خبائث السياسية فهو “القائد” الأكثر حكمة على مرّ العصور.

أرادة وحيدة طليقة ومطلقة:

وفي هذه المرحلة التي فقدت نشدان العدالة وسيادة القانون مازالت له هذه الأرادة المطلقة الدائمة السارية في مخيلة محبيه رغم أنّها تتسم بكم هائل من النزق والانفعالية المتفجرة ومن فقدان الثقة في العرب وفي مواقفهم المتخاذلة ومن عقوق الزمان ما بين زمان وزمان من حاملٍ لقب ” أمين القومية العربية”  إلى صاحب الجلالة ” ملك الملوك” أفريقيا إلى الدخول في العصر الرقمي الذي أتاح له الأفراط في الحديث عن صفاته البطولية الحسنة وكل شيء آخر يأتي منها، إلى فناء الماضي المؤجل والمستقبل القادم معه وبقيادته، الملتصق به ولا انفكاك عنه.

المخلص الأسطوري:

فهو الأسطورة التي تجاوزت كل زعيم جاء قبلها ومن سيجيئ بعدها، أنّه كما عند أنصاره المخلص الذي سوف يزيل ظروف الحاضر المقيت المؤلم ويعيد ترتيب البيت وبالذات في هذه المرحلة الحاسمة التي تمرّ بالبلاد ويسير بحكمته ونهجه الصارم بالوطن نحو التقدم ونحو إعادة استمرارية التاريخ القومي وإعادة البلاد إلى وجهها الأصيل. أمنيات عندما تصدرعن عقل سلطوي متحيز وثقافة إنتفاعية لا محالة فمآلها الأندثار في رمال الزوابع فكل نشاط  محكوم بنتائجه. فكيف للميت أنْ يمسك بالحي التائه في عالم الخرافة لكي يصل به إلى برالأمان ؟

الحاكم والمشرع:

فإرادة ” القائد” العليا كانت تشرع وتحكم وتهتف سواء بالخطب الحماسية أو صغائر الأمور الكامن فيها عبارات مختلطة ونزاعات ” دونكوشيتة ” تتخللها وتجوب فيها الثرثرة الدائمة في ثوريتها السحرية التي لا يمكن تجاهلها في ميادين مختلفة فتتبعها الهتافات والأهازيج الشعبية الخالية من أيّ بعد سياسي رصين له علاقة بالمجتمع، المنتشرة في العالم الرقمي الغائب في غفلةٍ من أمره في ديارِ السراب وتخلفية ” النت”. فهذا الأنفصال عن الواقع الليبي الحالي لا ينتج سوى مزيدا من الانحدار ومزيداً من فاشية النت.

أوهام الأوهام:

عبث الأقدار والنفوس الحائرة وتهافت المستدفين من طبيعة حكمه، واحتواء الشعراء الحماسي للطغيان والاستعلاء الثوري، هي التي بعد زمنٍ من التجهيل والترويض والتقليد العمياني غدت عند الناس مألوفة ومستحسنة ومسحورة ومناسبة لأوهامه التي تبدو واقعية في مخيالهم الجمعي تحت وطأة السنين وأمراضها، واكتسب الجمهور المغيب ذهنياً من جراء ذلك وفي حينها أُلفةً عجيبة لطقوسه وهواه ونرجسيتها فرحين بصوره المنتشرة منذ ظهرفي البلاد بزيه العسكري حتى زيه الأفريقي ونظارته السوداء وشعره المنفوش، شديد الثقة بنفسه فالملك ليس له منافسون وكلمته ليس لها مزاحمون. انّها الذاكرة البصرية التي تقدم لأتباعه ومريديه تفاصيل صورته السارية في فضاء النت والوانها ومعانيها وهي تمسك في حقيقة الأمر برمال بيداء شاسعة تطارد سراباً ختالاً حذو النعل بالنعل.

الملك ليس له منافسون:

وظلّ يواصل في توجيه نيران أقواله لكل خصومه، فبإرادته وحدها المُهيمنة فوق الناس جميعاً أنشأ بقدرة قوية عصابات حاكمة تتحكم في السلطة وفي النظام الذي ابتداعه ومخابرات شرسة تحط من قدر وكرامة الإنسان واعلام مهيمن مُزوّر يتحكم في وعي المجتمع مما صَاحَبه هبوط عام للحياة السياسية ولدور السياسة في المجتمع. فهل ثمةَ في خطب ” القائد ” الحماسية خلال عصر سلطته ولو لمرة واحدة من دعوة إلى رقي حضاري وتقدم اجتماعي وازدهار مدني يظهر في بعده الأعمق الكامن في أعماق ذاكرة التاريخ : الأنسان الليبي ومستقبله، ارتقائه وتقدمه، تصوره وعلومه في مختلف مدارج الحياة ؟  ألا يستحق هذا الأنسان أنْ يكسر هذا القيد ويتحرر من شبح ” القائد ” ويبني مستقبلاً أفضل ؟

فقدان الوعي:

اعتاد اغلبية الناس في ممارسة التماهي مع ” القائد التاريخي ” لدرجة الجنون وفقدان الوعي ونعمة التبصر ولا فهم لأي ّ لغة سوى لغة ” القائد”، وفي ظلّ الاوهام أخذت حركة الجمهورالفياضة في الحُلم تنعم بالسطة المشتهاة وتنعم بالأسهام العاصف في ذلك التجدّد الأجتماعي الظاهر في ” ثورة شعبية ” اطلق عليها الثورة المجيدة التي تمثلت في  ضبابية الرؤية وفي مُخاصمة نفسها على السلطة ذاتها طوال السنين ” الثورية”، لم تكن تمتلك رؤية متماسكة سياسية ولم تتأسس على نهجٍ فكري واضح  فجعلت من هذا المطيع لا يسمع إلا ما قاله القائد ولا يدري هو ذاته ماذا يقول ولا يعي ماذا يفعل حتى تحول إلى حالة من التهريج الرقمي الذي تسرب في أنظمة التفكير. لقد تخلى المطيع عن الشرط الإنساني لإنسانيته: التفكير.

عالم من الركود:

وبداهة الأمر انّ هذا راية المطيع كان ومازال يلج في عالم الغفوة والركود فاقداً اسباب القوة والمناعة ولا علاقة له بالوضع الظرفي الحالي الذي تمرّ به البلد، فكان من اللازم أنْ يظهر هذا الزعيم فجأة ” فارساً ” يتسامى فوق الجميع بصعوده العاصف ومن خلفه يظهرالمطيع رافعاً الراية الخضراء كناية في راية ” الأستقلال “.

التنويم السحري:

ولو أنصفنا فإنّ ظهور ” القائد ” السريع المتعدد الصور وفي مختلف الأوقات والمناسبات على النت لا يمكن تجاهله خطيباً ذو لكنة مميزة يمارس تأثيراُ ظاهراً في الناس إلى حد التنويم السحري ويظهر بوضوح في وسائل الأتصال الاجتماعي كأنه حي يرزق فذلك لأنّ الناس الذين يعبدونه لا يرون ولا يسمعون ولا يفقهون إلا لغة الثورة والهياج والفتوحات الوهمية .

سؤال أخير:

بمعزلٍ عن الهوجة في النت ومواقع الاتصال الجماعي: هل ” القائد التاريخي ” خذل حركات ” التحرر الوطني ” والثورة على نطاق المجتمع العربي والنطاق الليبي، أم هي مجتمعة قد خذلته ؟

أحلام ” القائد” هي الأسمى:

في ايام حرة طليقة في عصر “القائد” كان سلطان الكلمة يمارس دوره احترافياً، فالإعلام كان على الناس أن تفهمه وتتآلف معه وترتقي إلى مستواه في التفكير والرؤى بل وتتأمل في معتقداته وثقافته واحلامه فهو يأتي من من منبع “الإبداع والمعرفة” الآتي من عبقرية “القائد التاريخي” التي لا مثيل لها. فكان اعلاماً صاخباً ساهم فيه الكثير من المثقفين والأدباء وأكبر الظّن أنّ بتوجيهات من “القائد” كانت تحمل “فكره” وايديولوجيته ولا تبتغي له بدلا ولا تحويل، وكانت من أقوى الأسلحة في تشكيل وجدان الناس واندفاعتهم الهادرة والعاصفة. إنّ وجوه التنافر والتباعد في المجتمع تبدو واضحة على النت!

المنقذ من الجهل:

فذلك “القائد التاريخي” كان يعتقد ومن دون هزة شكٍ أنّه المنقذ للشعب ليس من “الفقر والإستغلال والعبودية” فحسب بل والمنقذ للشعب من جهله بمصلحته وعدم فهمه للحياة وكيف يدير شؤون نفسه، فهو الذي وحده وليس سواه من يقدم الحلول النهائية والسحرية للبشرية ولكل المجتمعات، وبإرادته أيضاً قبل الناس بأن يكون ذاك “القائد” منقذها من الأسر والإستعباد وهذا ما يفسر يفقدان الوعي الجماهيري ملتمساً الكثير من الصدع والشقاق.

اختراع فريد:

“قائد تاريخي”، وهي عبارة اخترعها أحد المثقفين المتنورين عمداً ومن دون تفكير عملي، لم تكن قيادته وزعامته زعامة “بيروقراطية” هدفها تنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمؤسساتية، ولكنها زعامة دكتاتورية استطاعت أن تحكم بلداً لأكثر من أربعين عاماً. إرادة القائد الخالية من كل وفاق وانسجام وأُلفة وعلى خلاف من تقديس الشعب الليبي لها ولفكره السياسي المطلق وسيادته المطلقة وقمعه المطلق تجمعت جميعاً لتكون من أخطر أدوات هدم الحياة الساسية في ليبيا برمتها والتي أصلاً لم يكن لها من وجود منذ الاستقلال، فغياب البعد السياسي سمة رئيسه في المجتمع قديماً وحديثاً. فالقائد ” لم يهدم حرية الإنسان وحسب، بل هدم المعنى الحقيقي لكينونة الإنسان في ليبيا ولمعنى الحياة ذاتها وأمسى الشعب يطارد خيط دخان ظنّاً منه أنّه شعلة من ضوء يبصر بها المستقبل.

المُسيطر:

“القائد المبدع” كما يصفه أحد المثقفين: ألم يكن تاريخياً إلا أمتداداً لمن سبقه في السيطرة على كل البلاد ولكن على نحو ثوري متمرد وحب السلطة وبصيغة غير متوقعة؟

مقالات ذات علاقة

الافعى المجنحة .. تجربة ليست للاقتداء

منصور أبوشناف

الثقافة الليبية: عام الحزن

محمد الأصفر

قدوم العام الجديد…. تفاؤل الي الخير والسلام لبناء الوطن ليبيا

حسين بن مادي

اترك تعليق