حوارات

السيدة صالحة ظافر المدني في الذكرى الخمسين لتأسيس جمعية النهضة الطرابلسية

السيدة صالحة ظافر المدني

في الذكرى الخمسين لتأسيس جمعية النهضة الطرابلسية

 

حاورتها: فاطمة غندور

من أدون بعضا من ملامح سيرتها النهضوية المساهمة في الحراك النسوي المبكر للمرأة في ولاية طرابلس والتي لحقت بركب شقيقتها (خدية الجهمي-النموذج) في ولاية برقة والمملكة الليبية ككل آنذاك،هي السيدة الجليلة صالحة محمد ظافر المدني كنت في ضيافتها العامرة بالألفة والود ببيتها بحي الأندلس –طرابلس- وفق موعد مسبق رتبت له ابنة شقيقتها الطبيبة إشراق بشير الشاملي- وقد أخجلتني بتواضعها الجم حين رجوتها أن تمنحني شرف تدوين وتوثيق مسيرتها التي تمثل شهادة لرائدة ومناضلة شقت لخطوها في طريق وعر ملؤه الأشواك (المرض، والجهل، والتخلف) أربعينيات القرن المنصرم وقد أدرت آلة التسجيل وجهزت الكاميرا فاعتذرت، وبابتسامتها الودودة ألحت أن تكون جلستنا التي ضمت صديقتها ورفيقة دربها وجارتها أيضا السيدة مريومة ألطيف وبنات شقيقتها وأبنائهن جلسة عائلية، معللة شرطها بأنها قامت بواجبها الوطني، ولا حاجة لتدوين وتوثيق تاريخها.

استأذنتها أن أدون في مذكرتي الخاصة ما ستسرده على مسامعنا،وطالبتها بحقي (وبنات جيلي) وكأي فتاة ليبية تسترشد برحلتها المُؤسسة التي فتحت الأبواب على مصراعيها لمن علمنني واجتهدن في غرس بذور العلم والمعرفة في تلميذات وطننا، ودافعت عن واجبي تجاه من نذرت نفسها وسني حياتها دون كلل أو ملل خطوة تتلوها خطوات من العمل والبذل، وكأني بها قد ترسمت قولة الفيلسوف سقراط: أن الحياة دون عناء لا تستحق أن تعاش.

🙁 صالحة ظافر من أهم المربيات وأكثرهن حزما وثقة ومحبة.. تقوم بعملها الذي نذرت نفسها له بثقة وصبر وتفان قل أن نجد له مثيلا.. كانت من أولى الفتيات اللاتي ولجن مجال العمل النسوي وكانت من أولى الفتيات اللاتي حملن راية النهوض بالمرأة في بلادنا إذ أنها كانت رئيسة لأول جمعية نسائية في طرابلس). هكذا تكشف الأستاذة الباحثة والأديبة شريفة القيادي في كتابها رحلة القلم النسائي الليبي لبصماتها المضيئة في تاريخ وطنها لمن بثت الوعي في صفوف النساء الطرابلسيات، من نحتت بقلمها في صحافة بدت خلو من أقلامهن آنذاك ولعل ذلك ما جعلها توقع بلقب مستعار تارة فتاة تهامة وأخرى المعلمة المخلصة(الطريف أنها لم تٌعلم شريفة بأنها من كانت توقع بالمعلمة المخلصة عند مقابلتها لجمع مادة كتابها ).كانت ساحتها جريدة طرابلس الغرب كتبت في عددها ليوم الجمعة 27 أغسطس 1948م:

 (قرأت في أحد أعداد جريدتكم نبأ إنشاء دورة للمعلمات فوقع هذا النبأ من قلبي أجمل موقع وادخل الى نفسي السرور ما أعجز عن وصفه.. ) وبتاريخ 18نوفمبر من ذات السنة واصلت دعوتها المخلصة لبنات جيلها أن هيا إلى العلم والخلاص من الجهل المشين، ودعمت صرختها الواضحة والصريحة(مشروعها) حين رسخت لصوتها ببيانها الأول في الراديو المحلي العربي بطرابلس في 3 فبراير 1949م: لاشك أن هذه مناسبة تسركم وأنتم تسمعون صوت أول فتاة طرابلسية تتناقله أمواج الأثير… أخواتي بناتي إن أول موضوع افتتح به كلمتي هو حثكن على الاغتراف من مناهل العلم…أخواتي بناتي جدن واجتهدن في طلب العلم ولا تستمعن الى أقوال الرجعيين أعداء كل تقدم ونهوض..).

وفي بيتها كان أن دعمت صوتي ورغبتي السيدة مريومة ألطيف وأعانتني على إقناعها فبدأت وبحميمة تسترجع ذكريات ماضيها المُشرق والمُشرف،مدعوما بصورها مع رائدات أخريات والتي مانعت في نشرها الى حين ولم تمنحني إلا وثيقة (تنشر لأول مرة) تسطر لأول محضر اجتماع وأعمال جمعية النهضة النسائية بطرابلس التي ترأستها وحملت الرقم واحد في بطاقتها،التي تظهر على غلافها فتاة تقابل نافذة مشرعة على إشراقه شمس وخطت تحتها عبارة: وفق الله الى النور خطانا.

الـبـدايـــات

هاجرت أسرتي في عشرينيات القرن الماضي من طرابلس إلى السعودية، في مكة قرأت القرآن في كتاب الحجاز. ظللنا رفقة والدي ما يقارب 14 عاما، بعدها كنا في روما فترة الحرب العالمية الثانية وهناك تعرفت على مستشرقة إيطالية تخصصها لغة عربية تدرس في مركز المعهد الشرقي اسمها مارينا نيلينيا والدها أيضا مستشرق رغبت في تعلم اللهجة الليبية لم ندرك نواياها آنذاك لم نفكر أصلا، أنا وشقيقتي فاطمة وبتشجيع من والدي رغبنا في الحصول على شهادة تعليمية همنا وحرصنا، وللأسف أصيبت مارينا بمرض منع انتظام دراستنا معها مع أوضاع روما مدينة مفتوحة والحرب قائمة، كانت عودتنا إلى طرابلس تقريبا في 1945م. عدت ولم أدخل المدرسة قرأت القرآن فقط وما أعطتني الأستاذة الايطالية وبمجهودات شخصية.

قضينا هجرة بين حربين.. السفر والحرب..في أول العودة إلى طرابلس 1945م قرأت بجريدة طرابلس الغرب طلبا من إدارة المعارف لمدرسات لغة عربية تقدمت لامتحان المعلمات كانت قراءة جريدة هي الاختبار ونلت استحسان اللجنة لاتقاني اللغة العربية نسيت أن أذكر الأستاذة الفلسطينية نفيسة جار الله كنت أذهب إليها ساعدتني كثيرا لأكون معلمة جيدة كانت تدرس بعقد في معهد المعلمات. أواخر 1950م، أتذكر نشاطنا وحبنا وشغفنا للعلم والمعرفة كنت أمشي على قدمي مسافات طويلة لم نكن نملك نقودا كافية لندفع ثمن المواصلات كنا كمعلمات للأجيال الأولى ننهض من السادسة صباحا نصلي الفجر ونخرج من السابعة صباحا إلى السابعة مساء نصلي المغرب في المدرسة كنا في حصص متتالية لدفعات نظام السنة والسنتين بعد الخامس ابتدائي فصل بالصباح وفصل ما بعد الظهيرة لمحو أمية أكبر عدد من النساء، المعلمات كن في سن أقل من 18 عاما نرفع من مستواهن بدورات تدريبية. دعمنا وساعدنا مدرسون في تدريس مواد كالحساب واللغة العربية، كنا نتطوع للتدريس دون مقابل إلى ما بعد الستينيات، كانت الفتيات تردد في طابور الصباح اليومي نشيد:

علمونا علمونا

ومن الجهل أنقذونا

علموا اليوم الفتاة

إنها رمز الحياة

هذا النشيد أضاف إليه أحمد الفقيه حسن أبياتا أخرى، كنا بمدرسة بالمدينة القديمة ثم انتقلنا إلى المدرسة المركزية مقابل المعرض الدولي وواصلت مشواري معلمة ومديرة مع زميلاتي وتلميذاتي في 1965م في معهد هايتي للمعلمات أقمنا عنابر للإقامة الداخلية، ثم انتقلت إلى مدرسة الظهرة بعدها إلى مدرسة النصر (معيتيقة) كنت متحمسة (هنا قاطعتها لأخبرها بزيارتي لمدرسة معيتيقة أبحث عنها وقد دلتني على بيتها مدرسة عملت تحت إدارتها وكانت فخورة بذلك، فضحكت).

هل أخبروك عن شدتي وصرامتي (شن قالو لك كنت قاسية).لا أدري كنت شديدة الحرص على الجدية والمسؤولية في العمل، الآن وأنا أتخطى الثمانين من عمري كيف أصف لك ما أحسست به أمانتي التي احملها على عنقي تجاه وطني وبناته، نيتي وما حملت في داخلى ما سأحققه: حلمي تعليم المرأة في طرابلس. تدرجت في مجالي التعليمي عملت في مكتب التعليم العام الذي يشرف على التعليم الأساسي والمتوسط، وعندي رسالة موجهة إلي من أمانة التعليم عندما قرروا تحديث البنية التعليمية وتغير المناهج مسكت مكتب تعليم رياض الأطفال لأربع سنوات ثم تقاعدت في 1983م.

خديجة إذاعية بارزة أنا معلمة فقط

الإذاعة كانت وسيلتي لأهيأ وأشجع البنات وأهلهن، تصوري أول مرة دخلت فيها الراديو كنت بالبيشا السودا (تقصد الخمار الطرابلسي الذي يغطي الوجه) صعدت سيارة الإذاعة ولم أدرك في أي شارع هي ولسنوات، يومها شجعني الأستاذ أحمد الحصايري وعلي مصطفى المصراتي، العارف بن موسى،عمران الباروني، عبد السلام باشا إمام زوج رفيقتي وزميلتي (وعشرة عمر) بهيجة العرادي من صحح موضوع المعلمة المخلصة الذي أذعته، عايدة طالب أيضا كانت تكتب وزوجها الموظف في إدارة المعارف يساعدنا، في 21 مارس عيد الأم والطفل كنت أقدم كلمة في الإذاعة بهذه المناسبة وعلى فكرة أكثر من مرة عندما كنت ألتقي مع السيدة المرحومة خديجة الجهمي بعد إقامتها في طرابلس كانت تدعوني للعمل معها في الإذاعة، كانت تحب عملها خديجة إذاعية بارزة أما أنا ننفع معلمة فقط.

أول اجتماع لجمعيتنا كان سرياً

أول اجتماع لجمعية النهضة النسائية بطرابلس كان ببيت آل الفقيه حسن في يوم جمعة 1957م في شارع ميزران، وكانت العائلة بالبيت وعلى رأسهم الأستاذة عائشة التي أكرمتنا بالشاي والبسكويت، وكان الاجتماع الأول سري لم ترغبه حكومة المملكة، ولم نكمل إجراءات الموافقة، (وهنا تبدي السيدة صالحة ظافر ملاحظة حين أعلمتها بما وثـقـته خديجة عبد القادر في كتابها المرأة والريف في ليبيا من أن الاجتماع الأول كان ببيتها وأن شقيقها القانوني والشاعر علي صدقي عبد القادر قد صاغ قانونها التأسيسي). خديجة خريجة أول دفعة المعلمات وكذلك شقيقتها زينب التي ظلت معنا كمشرفة ومعلمة، وكنت التقيت خديجة في القاهرة وقد سبقتها لأتلقى دورة في التوجيه التربوي. استغرب كيف تم ذلك لان الاجتماع التأسيسي كان في بيت الفقيه حسن ولم يكن ببيت خديجة عبد القادر، ربما عقد اجتماع لاحق لاجتماعنا وبإمكانك التأكد من الوثيقة التي بين يديك، وبالإطلاع على نشاطاتنا المتعددة لم نترك أي مجال يمس المواطنة في طرابلس إلا وعملنا على الاقتراب منه لشدها لعجلة النهوض والتقدم إلى الأمام.

(تتدخل ابنة شقيقتها المرحومة فاطمة ظافر) لتعلق على مشاركتها يوم أن كانت طفلة وارتدت ملابس عامل بسيط ووضعت على رأسها سلة كبيرة طافت بها على الحضور ومنهم شخصيات دبلوماسية الكل متعاطف معها يصفقون ويتبرعون ويدفعون ثمن عبوات السامينسة كنت طفلة وكنا كأطفال نشارك. طلبت صالحة من السيدة مريومة الطيف أول خريجات الصف الخامس وصديقتها المقربة منذ خمس عقود وحتى الآن (وتدخلت مريومة مبتسمة)، عملنا تمثيلية.. مسرحية لنجمع التبرعات للشعب الجزائري أذكر أن دوري كان عن سيدة جزائرية يقتلها الفرنسيون الصالة كانت تضج بالبكاء صالة الغزالة أو صالة الحمراء طالبات المدارس آنذاك كن يشتركن في العمل التمثيلي ويؤدين أدوار بسيطة وأذكر أيضا ان مريم حورية هي من أخرجت المسرحية وسعيد السراج كتبها كان من مناصري وداعمي نهضة المرأة الطرابلسية وتحررها.

وهنا طلبت السيدة صالحة من د.إشراق إحضار بعض الصور من غرفتها: صورة وهي تتحدث مع السيدة خديجة عبد القادر في القاهرة أكثر من صورة لنشاطات الجمعية لسيدات في دورة لمحو الأمية وأخرى أمام ماكينات خياطة، ثم وهن يمارسن أعمال التدبير المنزلي. صورة مع السيدة رباب أدهم في المؤتمر الأسيوي الإفريقي بالقاهرة وأخرى تحضر نشاطا بسوريا. وقد وعدتني د.إشراق بحفظ الصور والوثائق في الكومبيوتر الخاص بها، ثم تمنت السيدة صالحة ظافر حين أعلمتها بمشروع مركز جهاد الليبين في تدوين وتوثيق التاريخ الثقافي والاجتماعي للمرأة الليبية منذ أربعينيات القرن الماضي وربما الكشف حتى عن سنوات تسبق هذا التاريخ. تمنت أن يتم الاهتمام بنساء عرفتهن وقد سبقنها وشجعنها على خيارها وقد ذكرت السيدة زكية شعنان، والسيدة جميلة الازمرلي الرائدة وهي من خريجات المدرسة الرشيدية في العهد التركي، كما درست في دمشق بمعهد المعلمات وكانت أستاذة في أعمال التطريز والسجاد ومفتشة ومديرة معهد، وهي من الرائدات في العمل التطوعي ومن مواقفها استئجارها لسيارة برفقة ابن أخيها لجمع التبرعات للشعب الجزائري. وهي تستحق أن يعمل كتاب عنها.

منذ أن التقيتها في تلك الجلسة المسائية التي جاوزت الساعات الثلاث رفقة عائلتها الكريمة، وأنا أتواصل معها من حين لأخر لأطمئن عليها، وإذا ما تأخرتُ عنها لظروف قاهرة تفاجئني بالسؤال فأشعر بصغري تجاه تواضعها وإنسانيتها، دعواتنا لها بموفور الصحة والعافية فهي ممن سنفخر بهن حين نحدث أجيالنا عن رائدات النهضة في ليبيا العزيزة.

مقالات ذات علاقة

بدر الدين مختار: القضية العظمى التي يتجلى فيها خطر توظيف التاريخ هي [وحدة ليبيا]

رامز رمضان النويصري

جمعة بوكليب : لولا البوح على الورق لأصبت بالجنون

مهند سليمان

الدكتور خالد الهدار : الوعي الجمعي لليبيين لا يبالي بقيمة الآثار

مهنّد سليمان

اترك تعليق