طيوب النص

عورة

(المدينة القديمة) من أعمال التشكيلي الليبي عبدالجواد المغربي
(المدينة القديمة) من أعمال التشكيلي الليبي عبدالجواد المغربي

لا مناص من كتابة نصٍّ قلِقْ، كالمُتّسع المديد، ذاكَ الذي ما يفتأُ يجثو على رُكبِ الفنارات الواهجة بضوءِ الزُرْقة وهُدنة المرافئ المالحة في مدينةٍ باهتة، تُوشِكُ أن تبتلع رمال الوداع بكفوفٍ معطوبة، سيُحبّني الله أكثر عندما أرحل عن مدينة باهتة، تعجُّ بالصعاليك الحمقى وآوي إلى قريةٍ غبارية وعِرة، لا يهرمُ فيها الشعراء النبلاء أبدًا ولا تضمحلُ فيها ثرثرة النساء،  أخبئُ بعناية متن النص، في أفواه الكلمات، كي لا تتلقّفها عيون البشر المتربّصة، أكتب عتباته في البَرِّ عند قلعةٍ منسيّة، تتوارى خلف ربوات رملية يتيمة، لا أحد يحرسها مثل نجمةٍ في سماءٍ فسيحة، تخاتل الغيم والعتمة، لا شيء هناك في المدينة الباهتة سوى الحكايات المعطوبة، تتكرر اللحظات الرتيبة بفداحة الانطفاء، أسري بلا وعيٍّ نحو الخواء واللا شيء المُمدد كزمنٍ تائه بلا ملامح باسلة، الليل أروقة دهيمة الوحشة، تملؤه ريح الصفير وغبار الشمس،  كمدينةٍ مُكبّلة بالنعيق والثرثرة، تنشر عربدتها فوق أصابع الملح، تعصر نشوة النهار الصاخب، قبل أن يفجؤها الظمأ الهارب لسرابه، نعيقُ الضفادع وشخير السناجب يُفزع معزوفة الماء التي تغتصبُ الضجر، كرفرفةٍ من هبوب المزاج السخيِّ، تؤجّجُ صولة النضوج، يشذبه سهو الغيم الواجف، درويشٌ يهشُّ على رؤى التبرير، على أرض محايدة لا تجترح البكاء، يترصّدُ الريح غراب يتموج في فضاء الزرقة الآمن، في غفلةٍ من هجعة الغروب الدامي، طار بجناحين متأهبين ومخلبين ضاريين، يفحتان في طين الأرض البكر، لتتفتق الفكرة العظيمة، تلك التي غفل عنها البشر حين سال دم أخيه بلا جريرة، ذات شمسٍ كاسفة مآلها المحو عند قيامةٍ مبتذلة، ترى الأرض بعينين مضطربتين، تزُفُّ الشعراء أحلامها النارية، حين ينتابهم الأرق الأبدي فيصدقونها منذ وهلتهم الأولى.

مقالات ذات علاقة

من تقطير العزلة

مفتاح العماري

حُلهً من نور

المشرف العام

وحيدًا كنجمة الصباح

محمد الزوي

اترك تعليق