صدرت مؤخرًا للدكتور صالح السنوسي روايته «يوميات زمن الحشر» والتي يطوف في رحلة حوارية، تجوب الزمان والمكان، قاسمها المشترك هو الإنسان وكفاحه من أجل الحرية. فتحدث عن عدة قضايا سياسية راهنة تتعلق بالشأن الليبي، متطرقًا إلى قضايا أدبية تخص الفن الروائي الليبي والعربي وترجمته ومعايير قبوله من قبل الغرب.
حاولت دخول المعترك السياسي من خلال الترشح لعضوية المؤتمر ولكنك أخفقت بسبب عدم مؤازرة القبيلة لك، لو خضت حراكًا سياسيًا آخرًا كيف ستكون حملتك الانتخابية؟
كنت وما زلت ضد تسييس العصبة القبلية لأنها لا تقوم عليها دولة المواطنة والحرية والمساواة والديمقراطية والتعددية السياسية، ومن يرفع هذه الشعارات تحت مظلة القبيلة أعلم أنه كاذب.قبل انتخابات المؤتمر الوطني بشهر واحد صدر كتابي الأخير عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة بعنوان «إشكالية المجتمع المدني العربي .. العصبة والسلطة والغرب» وكنا في عهد القذافي نحاول تجنب ذكر اسم القبيلة رغم إصرار النظام على ضرورة ذكرها في الأوراق الوظيفية في محاولة منه لتجذير القبيلة كبديل عن أي مكون اجتماعي وسياسي آخر. أفضل أن يهزمني منافسي لأسباب قبلية من أن يهزمني بأطروحاته وبرنامجه السياسي وسيظل اسمي صالح السنوسي وستظل القبيلة مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي ولن أستبدل القيم والمفاهيم والمبادئ السياسية التي أؤمن بها بمظلة القبيلة حتى لو كانت واحدة من العصائب القوية حسب المنطق القبلي.
في ليبيا برلمان يحظى بتأييد دولي واسع وهناك مؤتمر يمتلك السلاح ويسيطر على قسم من الأرض بشكل أربك سير الحركة الديمقراطية الشرعية في البلاد، فماذا تقترح لحل هذا المأزق؟
لا ينبغي وضع شرعية البرلمان محل أي تساؤل، ولكن هذا لايعني أنه معصوم من الخطأ، ففي نظري أول خطأ ارتكبه البرلمان هو عدم أخذه موضوع التسليم والاستلام بشكل جدي في ظل وضع ليبي يتميز بخصوصيته ومشرف على حافة الهاوية. كان ينبغي، وهذا رأيي الذي حاولت دون جدوى شرحه لبعض أصدقائي من أعضاء المجلس، الذهاب إلى حيث توجد بقايا المؤتمر الوطني لإجراء شكليات التسليم التي في رأيي كانت ضرورية سياسيًا وعقلانيًا ومنطقيًا ووطنيًا بالنظر لخطورة الوضع الذي تمر به ليبيا فكان ينبغي على أعضاء البرلمان سدًا للذريعة وإسقاطًا لكل حجة وادعاء أن يذهبوا جميعهم أو وفد منهم بواقع نائب عن كل دائرة انتخابية لإتمام هذا الإجراء، وليرى الليبيون مشهدًا آخرًا من مشاهد الديمقراطية كانوا في حاجة إليه في وقت عصيب كهذا.
للبدء في حل هذا الوضع يجب أولاً البدء من النقطة التي بدأ بها الخلاف وهي إجراءات التسليم والاستلام، ثم تأتي الخطوة الثانية وهي إصدار قرار من البرلمان بتشكيل لجنة مصالحة تضم رئيس المجلس الانتقالي السابق ورئيس المؤتمر الوطني السابق ورئيس البرلمان الحالي، ولا ينبغي أن نلتفت لأية تفاصيل حول هذه الشخصية وتلك فكل شخصية من هذه الشخصيات هناك من معها وهناك من ضدها ونحن نريد أن نحتوي الجميع وما يهمنا في هذه المرحلة هو إيجاد مخرج وليس المحاسبة القانونية التي لم يحن وقتها بعد.
ينبغي على كل طرف أن يكف عن الاعتقاد بأنه بإمكانه أن يأخذ كل ما يريد وهذه نقطة جوهرية وشرط أساسي لنجاح أي حوار.أعرف أن هذا الرأي قد يثير غضب البعض وقد يسخر منه البعض الآخر، ولكن أخشى أننا قد نكتشف في مرحلة من مراحل صراعنا العبثي بأننا كنا على خطأ عندما ترفعنا عن السير في مسارب كانت سهلة وقد تكون مفيدة لنا لمجرد أننا لا نحبها.
يقول بعض النقاد إنك تكتب عن مشاكل قومية من خارج الوطن ولم تتطرق إلى الوطن إلا بعد سقوط القذافي عبر روايتك «يوميات زمن الحشر»، فما السبب؟ خاصة أنك كنت تعارض النظام صراحة وليس تقية ولم تقبل عطاياه التي يمنحها عادة للكتاب؟
لا أستطيع أن أتناول في رواياتي الحب والمطر والريح وحيوانات الصحراء في ليبيا وأتجاهل أن فيها أيضًا نظامًا يقمع الحريات ويمارس التعذيب والسجن والإعدامات، فلا أستطيع أن أكتب عن قصة حب الآنسة (س) للفتي (ص) وأنسي أن هناك مأساة أخرى داخل أسرتها لأن أخاها أو أباها يقبع في سراديب السجن والتعذيب ولا يستطيعون زيارته أو أنه تم تعليقه في حبل المشنقة في إحدى الميادين العامة، ولهذ فقد تناولت الواقع العربي الأشمل لليبيا ونظامها جزء منه ومن أنظمته والذين تجمع بينهم جميعًا ممارسات السجن والتعذيب والتصفية الجسدية، وبسبب ذلك منع الرقيب الليبي رواية «سيرة آخر بني هلال» لأن بطل الرواية الشاعر عدنان المطارد في المنفى والذي لا يجري ذكر جنسيته في الرواية انتهت حياته بتصفيته جسديًا من قبل نظام جمهورية الشمس العربية، ولم يكن عدنان إلا رمزًا لكل من تمت تصفيته من المعارضين الليبيين في الخارج، ومع ذلك فكل من قرأ الرواية من العرب اعتبرها تتحدث عن نظام بلاده.
الرواية في ليبيا أين تقع وسط المنتج العربي؟
الأدب الليبي لا يخلو من الإبداعات، ولكن لسوء حظه لم يسخر القذافي ولو جزء يسير من ماكينته الدعائية المسخرة لنفسه فقط، من أجل إشهار هذا الأدب غثة وسمينه فلو فعل القذافي ذلك لوجد الأدب الليبي فرصة أفضل للفت النظر والاهتمام، ولكن حتى الكتاب الذين كانوا منخرطين مع القذافي، كان يلقي لهم ببعض الفتات دون أن يحتفي بهم، بل جعلهم هم الذين يحتفون بكتاباته وشطحاته كالتلاميذ مع أستاذهم رغم إن بعضهم لم يكونوا سيئين على صعيد الإبداع.
ماذا عن ترجمة رواياتك إلى لغة الآخر؟
الترجمة موضوع علاقات، ولكنّه أيضًا موضوع مادي أي إنه لا تكاد توجد علاقة بين الترجمة ومستوى الإبداع، فكل هذه الترجمات التي تراها هي مشاريع شخصية يقوم الكتاب أنفسهم بتمويلها؛ حيث توجد ما تسمى دور نشر ومترجمون يسترزقون و«يتعيشون» من وراء هذه الترجمات وهذه الترجمات لا تصنع فارقًا بين الكتاب لأن تلك الكتب المترجمة تظل ملقاة بين الكتب الأخرى التي يقبل القارئ الغربي على قراءتها لأنه يعرف كتابها وبالتالي لا يلتفت إليها أحد إلا قارئ فضولي قد تأتي به الصدفة مرة كل عام، لهذا فإن هذه الترجمات يظل أصحابها نكرات لايعرفونهم في الغرب رغم أن كتاباتهم قد تكون أفضل من كتابات بعض الكتاب الغربيين المعروفين لدى القراء.
كتاباتي الروائية لا تتوفر فيها شروط الغرب السياسي وبالتالي لن يتبنى الغرب الثقافي شيئًا منها، وأنا بدوري ليست لي رغبة في تمويل مشاريع ترجمة شخصية كما يفعل بعض الكتاب العرب ليوهموا القارئ العربي بأن دور الغرب تتكالب على كتبهم والقراء في الغرب يتلهفون عليها.
كيف ترى مستقبل ليبيا وفق المعطيات المتوفرة حاليًا؟
تاريخ العالم السياسي لا يعرف خرائط مقدسة، وأخشى أن الليبيين ذاهبون بحماقتهم إلى تقسيم بلادهم، فالغرب لن يدافع عن الخريطة الليبية إذا رأى أن مصلحته أصبحت تقتضي ذلك وكاد أن يفعلها مع القذافي العام 2011 م لولا وجود مناطق تعرقل ذلك مثل مصراتة والزنتان.
الغرب لن يطول صبره أمام عناد الشرعيين وغير الشرعيين من الليبيين، فما يهم الغرب هو أن لا تتحول ليبيا إلى كيان تمزقه الحرب الأهلية ومأوى وقاعدة انطلاق للقوى المتطرفة في العالم ومعابر مفتوحة للهجرة السوداء إلى شواطئه ومدنه وسهوله الخضراء، ففي حالة ما تأكد الغرب من أن الليبيين ذاهبون ببلادهم إلى هذا المصير فإنه سيفضل سيناريو تقسيمها إلى كيانات قزميه يستطيع كل منها بمساعدة الغرب أن يسيطر على نفسه ويجنب الغرب سيناريو كارثة الحرب الأهلية، ولهذا ينبغي على الليبيين أن يلتقوا على ثوابت ثلاث وهي وحدة التراب الليبي والدولة المدنية وإنتاج السلطة ديمقراطيًا، ومن يرفض هذه الثوابت الثلاثة، وهم قطعًا قلة، يجب أن يقف في وجههم الجميع بشكل واضح وشفاف.
___________________________
نشر بموقع بوابة الوسط