سعيد العريبي (حكايات وذكريات - سيرة قلم)
المقالة

حصولي على الدبلوم وقبولي معيدا بالجامعة

خيرني الدكتور عبد الله الهوني يرحمة الله.. بين شعب الدراسات العليا الثلاث التي يشرف عليها قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة طرابلس: (الدراسات الأدبية/ الدراسات اللغوية/الدراسات الإسلامية).. فاخترت شعبة الدراسات الإسلامية.. التي كان (منافقو) جامعة قاريونس في ذلك الوقت.. يرفضون فتحها والدراسة فيها.

وبالفعل فقد تم قبولي بتلك الشعبة.. ودرست الدبلوم مجددا.. وتحصلت على تقدير عام: (جيد جدا).. وسجلت رسالة الماجستير.. وكانت تحت عنوان: “مبدأ التوازن في القرآن الكريم”.. بإشراف الدكتور/ محمد بلحاج من قسم اللغة العربية.. والدكتور/ على فهمي خشيم من قسم التفسير.. وقبلت بعد ذلك معيدا بالجامعة.

ولكن.. حدث ما لم يكن بالحسبان.. فلم تمض سوى أشهر معدودة.. حتى طلبت لمقابلة رئيس قسم الدراسات العليا.. فذهبت إليه وجلست معه لزمن محدد وقصير جدا.. وخرجت من عنده عاقدا العزم على مغادرة الجامعة.. فكان أن طويت وريقات بحثي.. ولممت أغراضي الشخصية.. وعدت إلى بنغازي بخفي حنين.. وهجرت الدراسة منذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا.

ـــ المرفقات:
ـــ صورتي في احدى الرحلات الجامعية للجبل الأخضر.
ـــ إفادة بحصولي على دبلوم الدراسات العليا.
ـــ إفادة بتسجيل رسالة الماجستير.

لماذا تركت الجامعة..؟ (ولماذا طرت فكرة مواصلة الدراسة من رأسي..؟)

استمر الصراع بني وبين الدكتور سلام لمدة عام تقريبا.. إلى أن انتهى بإعطائي درجة مقبول في مادته.. وهذا يعني أن أعيد دراسة الدبلوم مجددا..

لم يكن هناك نت في ذلك الوقت.. ولم تظهر بعد الصحف الإلكترونية المعارضة.. فاضطررت إلى أن أكتب دفاعا عن وجهة نظري.. في أكثر الصحف والمجلات انتشارا في ذلك الوقت.. نشرت عن منهجه الذي كنا ندرسه عدة مقالات ــ كما مر بكم ــ.. في مجلة الثقافة العربية وصحيفة الجماهيرية.. وكتبت عرضا لكتابه : (حيوات العرب).. على حلقات في صحيفة الزحف الأخضر.. تحت عنوان: (حيوات العرب لا ينصف العرب).. ولفتت تلك الكتابات دون شك.. أنظار المتربصين في الظلام إلى صيد شارد وثمين.. يسرح بعيدا عن القطيع.

كنت في الواقع.. مضطرا للدفاع عن نفسي.. عندما تخلى الجميع عني بما فيهم رئيس قسم الدراسات العليا ببنغازي.. الذي قال لي – كما أشرت آنفا – ماذا بوسعي أن أفعل.. أنت طالب.. وهو أستاذ.. ولم أكن أعلم أن أعين النظام كانت تتابع كل شيء وترصد كل شيء.. إلا بعدما نشروا إعلانا بصحيفة الجماهيرية يدعونني وتسعة آخرين من طرابلس.. من بينهم الدكتور علي فهمي خشيم يرحمه الله.. إلى حضور اجتماع هام بصحيفة الجماهيرية.

كنت وقت صدور الإعلان ببنغازي.. ولم أعلم به إلا بعدما جاءني الأديب عبد الرسول العريبي يرحمه الله.. حاملا معه تذكرة سفر باسمي.. وقال لي أنت مدعو لحضور اجتماع هام بمقر صحيفة الجماهيرية.

ولم تكن لي رغبة في حضور ذلك الاجتماع.. إلا أن الأستاذ عبد الرسول.. شدد على ضرورة حضوري.. وأقنعني بقوله: يجب أن تحضر كي تعرف.. لماذا دعيتم.. وماذا يريدون منكم..؟

وبالإضافة إلى وجهة نظره المقنعة.. كنت وقتها في حاجة إلى أي دعم مادي.. وكانت تلك التذكرة فرصة لي.. كي لا أضطر إلى الذهاب إلى طرابلس كعادتي بواسطة الحافلة رخيصة الثمن.

فكان أن وافقت على الذهاب.. عاقدا العزم على ألا أتفوه خلال الاجتماع بكلمة واحدة.. مسنودا في ذلك بتجاربي الخاصة بجامعة بنغازي.. وبالفعل كان أن حضرت الاجتماع الذي لم أتذكر منه الآن إلا حديثهم عن الغرض من دعوتنا إليه.. الذي ألخصه في التالي: (اخترناكم كمستشارين بصحيفة الجماهيرية.. وذلك من أجل العمل على تطويرها كي تنافس الصحف العربية.. وعندكم يوم 15 من هذا الشهر لقاء مع الأخ قائد الثورة).

لم اتفوه خلال ذلك الاجتماع ــ كما قلت لكم ــ بكلمة واحدة.. وعندما انتهى كنت على ثقة تامة بعدم العودة إليهم مرة أخرى.. ولم أعلم بعد ذلك إذا كان التسعة الآخرين قد حضروا اللقاء المشار إليه إليه أم لا.

الذي أعلمه جيدا.. أنني دعيت بعد شهر تقريبا.. إلى مكتب الدراسات العليا ليطلب مني رئيسه بأمر من السيد أحمد إبراهيم ــ الذي كان وقتها وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي ــ بضرورة إحضار بطاقة اللجنة الثورية.. كي أتمكن من مواصلة دراستي.

فقلت له : ليس لدي البطاقة التي تطلبها.. ولكن لدي ثلاث (تزكيات) من أساتذة في القسم.. وأعتقد أن هذه التزكيات تغني عن البطاقة المطلوبة.. ومتحصل أيضا على دبلوم الدراسات العليا بتقدير عام جيد جدا.

فقال لي: أنا معك في ذلك.. ولكن هذه أوامر ويجب أن تنفذ.

لم أغضب من كلامه.. فقد كان متعاطفا معي ومهذبا جدا وصادقا فيما يقول.. وأفضل بكثير من رئيس قسم الدراسات العليا ببنغازي.. وكان الخيار الأقرب إلى نفسي أن أترك الجامعة.. على أن أحضر لهم البطاقة المطلوبة.

واقسم لكم بالله العظيم.. أن أحد الأصدقاء علم بما حدث معي.. فجاءني في بيتي.. وقدم لي مشكورا بطاقة مختومة وقال: أكتب اسمك بنفسك وضع عليها صورتك وقدمها لهم.. فشكرته وقلت له: لا أستطيع.

فقال مستغربا: ولماذا.. ؟

فقلت : إنني أعتبر ذلك انتماءً لحزب اللجان الثورية.. وأنا أفضل ترك الجامعة على الانتماء لهذا الحزب بالذات.

وقد يكون هذا التصرف غباءً من جانبي ــ كما قيل لي وعني ــ ولكن هذا ما اخترته.. وأنا بكامل قواي العقلية.. وهذا تماما ما حدث.

مقالات ذات علاقة

السيد رئيس تحرير مجلة “أوراق مبعثرة”

المشرف العام

جدليات فكرية فلسفية – ديالكتيكاياتي (200/40)

حسن أبوقباعة المجبري

العالم الأول الثالث

أنيس فوزي

اترك تعليق