المقالة

هل للمدن روائح؟

إبراهيم بشير زايد

إشراقة_من أعمال التشكيلي رمضان نصر
إشراقة_من أعمال التشكيلي رمضان نصر

كنت أهيم على وجهي وتطاردني الأسئلة كالعادة، الذكية والغبية والجميلة والقبيحة. أهرب بالضغط على دواسة البنزين، أنظر في الأشجار السامقة وهي تلامس بعض السحب.

أضغط الفرامل لأسمح لسلحفاة صغيرة تعبر في تأني، أشغل المسجل وأرفع صوته لأهرب من طنين الأسئلة.

هل للمدن روائح؟

هل للمدن طعم؟

هل للمدن ألوان؟

هل يمكن أن يستحكم العداء بين كائن بشري ومدينة دون خلفية ما؟

هل تحب المدن مثل البشر؟

هل نضاجعها أو تضاجعنا؟

هل يمكن ان تكون المدن رمادية ولزجة ومارقة؟

في نفس السياق هل يمكن أن تكون المدن ناصعة البياض، عذراء، لعوب؟

لماذا تأسرنا الأماكن هل للأماكن أرواح خفيه ﻻ نعيها وﻻ نحسها؟

لم أكن أعقل، قبل 1982 كنت أري البلدات مجرد أماكن ارتبطت بالعائلة، فالصيف الطويل والجميل في آن، هناك السانية وبعض خراف، وجلود ذئاب مسلوخة، وبعض المحاصيل لسد الرمق، أماكن فيه الأخوال ملاذاً آمناً، من الأسرة، أماكن فيه الأعمام والجدات وحكايات الليل البهيم والأسئلة المتعالية.

عندما جئت للدراسة في طرابلس، أول مكان وطئته، بعدها مباشرة صبراتة.

صبراتة حكاية أخرى، حتى دواعش صبراتة أحبهم من أجل صبراتة، أذكر ذلك اليوم الخريفي، وأنا اتسكع بين الناس وهي خالية، أرى أثر خطواتهم أشتم روائحهم. عندما عدت إليها في نفس الخريف من عام 1992، كنت مجنداً في الخدمة الوطنية، جئت رياضياً، أيام كثيرة كنت أهرب من المعسكر ومن أصحابي لأذهب إلى آثار صبراتة.

عشرة سنوات مرت نفس العشق لم يتغير شيء، كلما التقيت بشاب صبراتي، أقول له تشفع لك صبراته.

نعم عندما زرت ترهونة في 1986، عدت لها في 2009، وكررت الزيارة 2017، ما الذي تبدل؟ ترهونة نفس الهوى الجانح في قلبي..

عندما زرت غات لأول مرة 1991، وعملت فيها حتى عام 1998، وعدت وزرتها في مهرجانها 2005، ذلك الشيطان الذي تلبسنا رفقة صديقي دكتور قتيبة رمضان من العراق، كيف كنا نرى الرجال الزرق حقيقة ﻻ خيال، ليس من يحيون بأجسادهم معنا، وتلك النساء اللي شاركن في بناء مملكة غات من الصبر والفن والتقانة والشراكة، كيف صنعن مجتمعا متوازنا وحضنا باحترام الجميع، وعدت لأحضر فرح الفنان الجميل عبدالرحمن تنقة في 2009، لأشاهد نفس الألق في عيونهم، عندما زرت درنة 2012، كان السؤال من منا ﻻ يحب درنة؟ التي جمعت كل شيء، من تجريدة حبيب، التي مزجت دماء الليبيون في وريد واحد، درنة الفن والمسرح والضيافة، بلد الجبال والبحر.

هل الأمكنة والمدن لها القدرة على محبتنا؟  نعم متى أحببناها، ويظل السؤال:

هل هناك مدن رمادية؟

أما هناك قلوب رمادية؟

3 مارس 2017

مقالات ذات علاقة

فن القصة و آليات الكتابة

نورالدين سعيد

أغنيات من بلادي

فاطمة غندور

الشخصية الليبية …العداء مع التاريخ (محو الماضي)

المشرف العام

اترك تعليق