المقالة

من ذكريات طالب: الذّكرى السّبعون لمظاهرة طلاّب المدرسة الثّانويّة ببنغازي

أ.د. محمّد فرج دغيم

الأستاذ الدكتور محمد فرج دغيم
الأستاذ الدكتور محمد فرج دغيم

كانت المدرسة الثّانويّة في بنغازي الوحيدة في برقة بعد أن أغلقت الحكومة المدرسة الثّانويّة في درنة سنة 1949م بعد أن أوقفت الدراسة فيها بسبب قيام طلاّبها بمظاهرة في مدينة درنة ضدّ سياسة حكومة برقة والإدارة البريطانيّة المهيمنة، وكانت مدينة درنة في تلك الفترة بها فرع لجمعيّة عمر المختار، ورابطة الشّباب المنبثقة عنها، ولها نشاط سياسيّ ووطنيّ وثقافي، وبها شعراء في مقدّمتهم إبراهيم الأسطى عمر، وعبد السلام بن عمران، وأحمد فؤاد شنّيب، ونشطون سياسيّون ومثقّفون.

وكانت المدرسة الثانويّة في درنة فيها صحفٌ حائطيّة يحرّرها الطّلاّب، وينشر فيها بعض الشّعراء الطّلاّب قصائدهم، وكان من بينهم رجب الماجري، وسليمان تربح، وخليفة الغزواني، وتنشر فيها المقالات الأدبيّة والسّياسيّة، ويقيمون النّدوات والأمسيات الشّعريّة، ولَمّا أغلقت المدرسة الثّانويّة في درنة بعد مظاهرتهم المناوئة للحكومة وسياستها، أُلحق الطّلاّب للدراسة بمدرسة بنغازي الثّانويّة، وأقام الطّلاّب في القسم الدّاخلي للمدرسة في بنغازي.

 وكان النّشاط الثّقافيّ والأدبيّ للطّلاّب في هذه المدرسة ومعهم زملاؤهم القادمون للدراسة من درنة حديثَ المدينة وموضع الإعجاب، وكانت لهم مشاركاتٌ من النّشاط الثّقافيّ والسّياسيّ بجمعيّة عمر المختار في بنغازي، والإسهام في الكتابة في مجلّة ليبيا التي يصدرها الأستاذ مصطفى بن عامر، رئيس الجمعيّة، وفي جريدة الوطن الذّائعة الصّيت التي يصدرها أيضًا الأستاذ مصطفى بن عامر باسم جمعيّة عمر المختار.

وقد حدث في يوليو 1951م أن نظّمت مظاهرات في مدينة بنغازي قادها أعضاء جمعيّة عمر المختار احتجاجًا على ما شاهده شبابها في مقبرة المدينة؛ إذ إنّ شخصًا متوفّى في المستشفى الكبير في بنغازي ولم يدفن لعدّة أيّام، وأحضر الجثمان إلى المقبرة وهو في حالة يرثى لها، وكان شباب جمعية عمر المختار في المقبرة لإحياء ذكرى أحد شباب الجمعيّة، وهو المرحوم علي بوقعيقيص الذي توفّي في حادث سيّارة، وكان أحد شباب الجمعيّة النشطين المثقّفين، والمتحمّسين للقضايا الوطنيّة.

بعد العودة من المقبرة ذهب بعض الشّخصيّات ممن كانوا في المقبرة ومعهم شباب الجمعيّة إلى منزل رئيس الحكومة المرحوم محمّد السّاقزلي؛ لمقابلته والاحتجاج على إهمال المتوفّى، وإبقائه في المستشفى، وعدم دفنه بعد وفاته لعدّة أيّام، وتطوّر الوضع بعد أن رفض رئيس الحكومة مقابلة المحتجّين أمام بيته، ونتج عن ذلك أن انطلقت مظاهرات احتجاج في المدينة لمدّة ثلاثة أيّام، قابلتها أجهزة الحكومة ممثّلة في الشرطة بتفريق المظاهرات، واعتقال بعض الشّخصيّات من قادة جمعيّة عمر المختار وشبابها، وعاشت مدينة بنغازي في جوّ بوليسيّ رهيبٍ.

وقُدِّم من اعتقلوا إلى المحاكمة، وكان القاضي إنجليزيًّا، وصدرت أحكامٌ منها الحكم بسجن رئيس جمعيّة عمر المختار الأستاذ مصطفى بن عامر لمدّة ثلاث سنوات رغم أنّه عضوٌ في مجلس النّوّاب البرقاويّ، ويتمتّع بحصانة برلمانيّة، وبحكم السّجن على (عليّ زواوة) عضو الجمعيّة لمدة سنتين رغم أنّه أيضًا عضوٌ بمجلس النّوّاب البرقاويّ رغم حصانته البرلمانيّة، وحُكم على طاهر المجريسيّ بالسّجن لمدّة سنة، وصدرت أحكام بالسّجن أو دفع غرامات ماليّة على آخرين من أعضاء جمعيّة عمر المختار، وبرّأت المحكمة الشّاعر أحمد رفيق المهدوي.

وكانت الحكومة تتحيّن الفرص لإيقاف نشاط الجمعيّة، فانتهزت فرصة حدوث المظاهرات، واعتبرت الجمعيّة هي المحرّك والمسؤول عن تنظيم المظاهرات، فأصدرت قرارًا بحلّ جمعيّة عمر المختار ومصادرة أملاكها وأموالها ومكتبتها، وإيقاف إصدار جريدة الوطن ذات الشعبيّة التي يترقّبها القرّاء يوم الثلاثاء، حيث تصدر بمقالاتها السياسيّة التي قد لا ترغب فيها الحكومة؛ لنقد سياستها وإدارتها.

وعاشت المدينة في جوّ كئيب بعد هذه الأحداث، وتعطّل النّشاط الثّقافيّ الذي كان مزدهرًا، وتوقّف النّشاط الرّياضيّ، ومباريات كرة القدم الذي كانت تنظّمه وترعاه جمعيّة عمر المختار، وصادرت الحكومةُ الملعبَ الرّياضيّ في البركة الذي أقامته الجمعيّة، وأسمته: الملعب الأهليّ، وقد سمّي بعد ذلك (ملعب 24 ديسمبر).

كان عددٌ كبيرٌ من طلاّب المدرسة الثّانويّة يشاركون في نشاط الجمعيّة قبل حلّها، ويتعاطفون معها، بل ويعبرون عن قناعاتهم وحماسهم بمبادئها السّياسيّة حول وحدة ليبيا، والمطالبة باستقلالها، ومقاومة هيمنة السياسة البريطانيّة، ممثّلة في الإدارة ومعتمدها البريطاني دي كاندول، ومن يسير في ركابه من المسؤولين اللّيبيّين في حكومة برقة.

تقرّر أن يعلن استقلال ليبيا موحّدة تحت تاج الملك إدريس السّنوسيّ يوم 24 ديسمبر، وأن يكون الإعلان في قصر المنار بمدينة بنغازي، وأرادت المدرسة الثّانويّة في بنغازي – وهي الوحيدة في برقة – أن تشارك في الاحتفال، وقام مدرّسون مصريّون من الأساتذة في المدرسة ليدرّبونا – نحن طلاّب الثانويّة – على المشي في طوابير منظّمة عسكريّة، وكان عدد الطّلاّب حوالي 300 طالب، ودُرّبنا لمدة ثلاثة أيّام، وكنتُ أحدَ الطّلاّب في السّنة الأولى ثانوي (الأولى إعدادي كما تسمّى الآن).

وقبل الاحتفال والتّدريب كانت هناك مناقشاتٌ حول المشاركة في الاحتفالات أو عدم المشاركة احتجاجًا على ما حلّ بجمعيّة عمر المختار التي بتعاطف معها طلاّب المدرسة الثّانويّة، وبخاصّة طلاّب الصّفوف العليا، وهم يشاركون في نشاطها الثّقافي والأدبي والسّياسيّ، واستقرّ الرأي على المشاركة ولكن دون الابتهاج في الاحتفال أو الهتافات مثل غيرنا من أفراد الشّعب المشاركين أمام قصر المنار، وذهبنا في صفوف منظّمة مدرّبة، ولكن دون هتاف، أو رفع كتابات تعبّر عن الابتهاج، ووقفنا أمام القصر تحت الشّرفة التي سيعلن منها الاستقلال، وقد ظهر الملك إدريس ومعه رئيس الوزراء المرحوم محمود المنتصر الذي قرأ الخطاب الذي يعلن فيه استقلال ليبيا، وأنّها أصبحت دولةً مستقّلة موحّدة وفق قرار الأمم المتّحدة، الصادر في 21 نوفمبر 1949م، وعدنا بعد ذلك إلى المدرسة.

حدث في الشّهور السّابقة أن أعلنت مصر إلغاء المعاهدة الموقّعة مع بريطانيا بخصوص بقاء قواعد عسكريّة بريطانيّة في مصر، وبخاصّة حول ضفّة قناة السّويس، وكان أن استجابت حكومة حزب الوفد الذي فاز في انتخابات مجلس النّوّاب التي تمّت في سنة 1951م والتي كان رئيس وزرائها رئيس حزب الوفد مصطفى النّحّاس باشا، أن استجابت للمطالبات الشّعبيّة والصحفيّة وأغلب الأحزاب السّياسيّة في مصر لإلغاء المعاهدة الموقّعة مع بريطانيا، فألقى مصطفى النّحّاس باشا خطابًا حماسيًّا مؤثّرًا في مجلس النّوّاب المصري في صيف 1951م قال فيه مخاطبًا أعضاء مجلس النّوّاب: ” من أجل مصر وقعت معاهدة 1936م، ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بإلغائها”.

وعمّت الفرحة الشعب في مصر بقرار إلغاء المعاهدة المقيّدة لمصر واستقلالها، وبدأت المقاومة التي يقودها سياسيّون وشباب من طلاّب الجامعات المصريّة وفدائيون ضدّ المعسكرات والقواعد البريطانيّة التي كانت حول قناة السّويس، وقرب المدن والقرى المصريّة القريبة منها، وقاوم العسكريّون البريطانيون بشدّة وسقط كثيرٌ من الشّهداء شبابًا وطلابًا وفدائييّن، وتعاطفت مع مصر وآزرتها كثيرٌ من شعوب الأقطار العربيّة، سواء المستقلّة منها أو التي كانت تحت الاحتلال البريطاني أو الفرنسي، أو مقيّدة بمعاهدات، وكان اللّيبيّون يتعاطفون مع مصر، ويقدرون جهاد شبابها، وموقف حكومتها الرّسميّ بإلغاء المعاهدة ومؤازرة الفدائيّين.

في هذه الأجواء الوطنيّة التي تعيش فيها مصر عبّر طلاّب المدرسة الثّانويّة في بنغازي عن تعاطفهم مع مصر ومناصرتهم لنضالها الوطنيّ، وقرّروا تنظيم مظاهرة تنطلق من المدرسة للتّعبير عن مناصرتهم وإعجابهم بما تقوم به مصر في سبيل استقلالها، ونبذ وجود القواعد البريطانيّة فوق أراضيها.

وخرجت المظاهرة يقودها الطّلاّب المتقدّمون في السّنّ من المدرسة الثّانويّة التي كانت في مبنى المدرسة المعروفة الآن باسم مدرسة المجاهد، قرب ضريح عمر المختار ودار الكتب، وكانت المظاهرة صباح يوم 25 يناير 1952م، وخرج طلاّب المدرسة، وذهبنا عن طريق شارع عمرو بن العاص والهتافات العالية المؤيّدة لمصر، وذهبنا إلى مدرسة الأمير لينضمّ إلينا بعض طلاّبها، وكان ناظر المدرسة الثّانويّة الأستاذ: إبراهيم المهدوي يحاول إقناعنا منذ خروجنا أن ننهي المظاهرة، ونعود إلى المدرسة، وأنّ الهتافات والمظاهرات لا تجدي، ولكنّ الطّلاّب وبخاصة كبار السّنّ منهم لم يستجيبوا لمناشدة الأستاذ المهدوي وإلحاحه لنعود إلى المدرسة، وننهي المظاهرة.

واستمرّت المسيرة متّجهة إلى مقرّ القنصليّة المصريّة في شارع أدريان بلت (شارع عبد المنعم رياض) وكانت الهتافات مدوية بحياة مصر واستقلالها وتأييدها، وبحياة الملك فاروق الأوّل ملك مصر والسّودان (الاسم الجديد للملك فاروق الذي أعلنته مصر لتوحيد مصر والسّودان معًا)، وفوجئ القنصل المصري ومساعدون وموظّفو القنصليّة بمظاهرتنا، وذهبنا بعد ذلك عن طريق شارع الاستقلال مرورًا من أمام قصر المنار (الديوان الملكي) إلى شارع عمر المختار ثم إلى ميدان البلديّة، وهناك بدأت الشّرطة تتدخّل لفضّ المظاهرة، وبدأت مصادمات بين الشّرطة والطّلبة، وخرجنا من ميدان البلديّة عن طريق شارع سيدي سالم ثم شارع عصمان إلى شارع البحر (شارع أحمد رفيق)، وقاومنا بالحجارة مطاردة الشّرطة لنا، وبدأ الطّلاّب يتفرّقون إلى الشّوارع الجانبيّة والخلفيّة تجنّبًا لمطاردة الشّرطة وخوف الاعتقال، وكنّا نجري، ولجأنا إلى المطبعة الأهليّة في شارع قزير، وهي المطبعة التي يملكها الأستاذ مصطفى بن عامر (وهو في السّجن)، وقد كنّا ثلاثة طلاّب: مصباح العريبي، وخالد زغبيّة، وأنا، ورحّب بنا مسؤول المطبعة والعمّال العاملون فيها، ومكثنا بها عدّة ساعات، وقد انتهت المظاهرة، وأوقف بعض الطّلاّب في مركز شرطة المدينة لعدّة ساعات، وكان من بينهم الطالب: عبد المولى دغمان، أحد قادة المظاهرة، ويروي أنّ الضّابط السّنوسيّ الفزّاني قال لهم منتقدًا خروج المظاهرة: ” ما زلنا ما ربْعَنَّا”، أي لم يمرّ على استقلالنا أربعون يومًا، وتخرجون في مظاهرة وتصطدمون بالشّرطة.

في اليوم التّالي للمظاهرة ذهبنا إلى مبنى المدرسة الثّانويّة للدراسة، فوجدنا الأستاذ إبراهيم المهدوي ناظر المدرسة، ونائبة الأستاذ محمود دريزة، وأحد الموظّفين، وأخبرونا بأنّ الدّراسة موقوفة، والمدرسة مغلقة بأمر الحكومة إلى إشعار آخر، فذهبنا وكلّ الطّلاّب إلى منازلنا، وغادر الطّلاّب المقيمون في القسم الدّاخليّ إلى مناطقهم انتظارًا لما سيقرّر.

علمنا في صباح ذلك اليوم أنّ في اليوم السّابق، أي 26يناير أضرمت حرائق في القاهرة، ودُمّرت مبانٍ ونوادٍ ليليّة وفندق شبرد المشهور، وكان يومًا مليئًا بالأحداث العنيفة، وأنّ الملك فاروق أقال نتيجةً لذلك حكومة مصطفى النّحّاس باشا (حكومة حزب الوفد) وكلّف علي ماهر باشا بتشكيل حكومة أخرى، وتوالت الأحداث، وتغيير الوزارات في مصر، وانتهى الموقف المتأزّم في مصر بقيام ثورة قام بها الجيش في 23 يوليو 1952م بزعامة اللواء محمّد نجيب، وأجبر الملك فاروق على أن يتنازل عن العرش، ويغادر مصر يوم 26 يوليو إلى المنفى، وشكّل مجلس وصاية على العرش يرأسه الأمير محمد عبد المنعم، ومع المجلس أعلن تشكيل مجلس قيادة الثّورة من الضّبّاط برآسة اللّواء محمّد نجيب.

توقّفت الدّراسة في المدرسة الثّانويّة لمدّة أسبوعين، ثمّ أعلن استئناف الدّراسة، وصدر قرار بفصل 25 طالبًا من المدرسة، وأوقف ناظر المدرسة الأستاذ: إبراهيم المهدوي عن العمل، ولم يعد إلاّ بعد انتهاء العام الدّراسيّ.

قرّر الطّلاّب الإضراب وعدم العودة إلى الدّراسة تضامنًا مع زملائهم المفصولين، ولكن ذلك لم يستمرّ؛ إذ رأى بعض المهتمّين وأولياء الأمور وبعض الشّخصيّات المؤثّرة في المجتمع أن تحلّ مشكلة الطّلاّب المفصولين بفتح فصول مسائيّة للدّراسة، يدرّس لهم فيها الأساتذة المصريّون والإنجليز الذين يدرّسون في الفصول الصّباحيّة، واختِير بيتٌ لأسرة بالرّوين بالقرب من الفندق البلدي ليكون مقرًّا للدّراسة المسائيّة، وابتدأت الدّراسة وكان يشرف على المدرسة الأستاذ عز الدين إبراهيم (أحد المصريّين الثلاثة الذين لجؤوا إلى ليبيا في يونيو 1949م ورحّب بهم الأمير إدريس وأصبحوا ضيوفًا لديه – بعد مقتل الشيخ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين، وسبقه مقتل رئيس الوزراء المصريّ محمود فهمي النقراشي باشا، واتّهام الإخوان المسلمين بقتله، واعتقال الكثيرين منهم).

وقد تبرّع السيّد عبد الله عابد السّنوسيّ بدفع مكافأة وهي قليلةٌ للقائمين بالتّدريس في المدرسة المسائيّة، وقد أصبحت في السّنة التّالية المدرسة الثّانويّة المسائيّة في بنغازي، واتّخذت من مبنى مدرسة الأمير مقرًّا للدّراسة فيها، أسوةً بمدرسة العمّال الليبيّة الابتدائيّة التي بدأت بتطوّع خيّرين ومدرّسين متطوّعين منذ سنة 1944م، واستمرّ السّيّد عبد الله عابد في دفع مكافآت مدرّسي المدرسة الثّانويّة المسائيّة إلى سنة 1960م، حيث ضمّت إلى إدارة المعارف في حكومة ولاية برقة.

وتحضرني الآن بعض أسماء الطّلاب الذين فُصِلوا من الدّراسة بعد قيام المظاهرة في 26 يناير 1952م، وهم 25 طالبًا، أتذكّر منهم:

عبد المولى دغمان، وعبد الحميد النّيهوم، وأحمد زغبيّة، ومصطفى الشّيبانيّ، وسليمان الواداوي، وحسن الشّاعري، وعوض بالرّوين، ومصباح العريبي، وعبد العزيز زواوة، والصّادق مخلوف، وطاهر بوقعيقيص، وعبد السّلام عبّاس … إلخ.

استمرّ الطّلاّب المفصولون في الدّراسة في المدرسة الثّانويّة المسائيّة في بيت أسرة بالرّوين، وصدر قرارٌ قبل الامتحانات النّهائيّة لطلاّب المدرسة الثّانويّة أن يسمح للطّلاّب المفصولين أن يمتحنوا مع زملائهم طلاب المدرسة الثّانويّة الصّباحيّة، وكانت نتائج الطّلاّب المفصولين عاليةً، وعادوا للدّراسة في السّنة التّالية في المدرسة الثّانويّة، وأوفد من نجح في السّنة الرّابعة الثّانويّة (التي كانت تسمّى شهادة النّجاح فيها شهادة الثّقافة) إلى مصر على نفقة الحكومة اللّيبيّة أسوةً بزملائهم ممن نجح من طلاّب شهادة الثّقافة، وذلك للدراسة في السّنة التّوجيهيّة، إذ لم تكن هناك سنةٌ دراسيّة خامسة (التوجيهيّة) في برقة.

وكانت الدّراسة والمناهج في المدارس الابتدائيّة والثّانويّة وفق مناهج الدّراسة في مصر منذ أربعينيّات القرن الماضي، وانتدب للتّدريس مدرّسون مصريّون في المدارس الابتدائيّة والثّانويّة ومعهد المعلّمين منذ سنة 1947م، وكانت امتحانات شهادة الثّقافة (السّنة الرّابعة ثانوي) يُؤتَى بها من مصر، وتصحّح أوراق الإجابة في مصر، ثمّ في سنة 1954م فتحت الدّراسة في المدرسة الثّانويّة في بنغازي وفي درنة للسّنة الخامسة الثّانويّة (التّوجيهيّة) بأقسامها الثلاثة: الأدبيّ، والعلميّ، والرّياضيّ، وفق المنهج المصريّ، وتحضر الأسئلة في الامتحانات النّهائيّة من مصر وتصحّح في مصر، وكانت شهادة التّوجيهيّة تُمنح من مصر، موقّعة من وزير التّربية والتّعليم، وكانت سنة 1956م آخر سنة يمتحن فيها الطّلاّب في الشّهادة التّوجيهيّة من مصر، وتصحّح الامتحانات في مصر، وكنتُ أحدَ الطّلاّب الذين امتحنوا في هذه السّنة وفق المنهج والامتحانات المصريّة، ومنحنا الشّهادة المصريّة موقّعة من وزير التّربية والتّعليم المصري كمال الدّين حسن، عضو مجلس قيادة الثّورة في مصر.

ومنذ سنة 1957م أصبحت الشّهادة التّوجيهيّة بأقسامها الثّلاثة: الأدبيّ، والعلميّ، والرّياضي، شهادةً ليبيّة، تمنحها وزارة المعارف الليبيّة، وإن كانت المناهج في أغلبها مصريّة، وكذلك الكتب الدّراسيّة لسنوات الدّراسة في المراحل الإعداديّة والثانويّة.

ويتبع ذلك إنشاء الجامعة الليبية في بنغازي، وافتتحت في 15ديسمبر 1955م، وكانت نواتها كلّيّة الآداب والتّربية في قصر المنار (الدّيوان الملكيّ سابقًا) الذي خصّصه الملك إدريس ليكون مقرًّا للجامعة، ثمّ توالى إنشاء الكلّيّات في مدينتي: بنغازي وطرابلس.

في هذه الذّكريات التي سردتها شاهدًا لأحداثها، وهي تمثّل نبذة من تاريخ التّعليم والمظاهرة التي قام بها طلاّب المدرسة الثّانويّة في بنغازي منذ سبعين سنةً، وما توالى قبلها وبعدها من أحداث ذات صلةٍ بالمدرسة وطلاّبها، وما مرّ على البلاد من أحداث قد لا يعرفها الكثيرون من الأجيال اللاحقة لعدم تدوينها.

مقالات ذات علاقة

سـؤال الكـتابة

أبوالقاسم المشاي

إجابة عن سؤال فني قائم

زياد العيساوي

كانت وكان وهل سنكون !!؟؟

الحبيب الأمين

اترك تعليق