السبت, 29 مارس 2025
قراءات

(قصصُ اليافعين في ليبيا): سبقٌ وريادةٌ بحثية

كتاب (قصصُ اليافعين في ليبيا) للأستاذة اشتيوية حسين بن محمود
كتاب (قصصُ اليافعين في ليبيا) للأستاذة اشتيوية حسين بن محمود

صدر عن دار الجابر للنشر والتوزيع كتاب (قصصُ اليافعين في ليبيا)(1) للأستاذة اشتيوية حسين بن محمود وهو عبارة عن دراسة جامعية نالت بها درجة الماجستير في الأدب العربي، حيث سلطت الضوء فيها على جماليات البُنى والأنساق الفكرية لأدب هذه الشريحة العمرية المتوارية خلف مرحلتي الطفولة والشباب.

وفي مقدمة كتابها تعرّف المؤلفة هذا النوع من الأدب بقولها (أدبُ اليافعين ]هو[ نوع من الكتابة محدّدة الجمهور، لها ميزاتها الشكلية التي تجعلها قابلة للتلقي من قبل اليافع، كما أنها تتناول هواجسه وعوالمه الكثيرة والمتغيرة، من أجل ذلك كانت هذه الدراسة التي تُعنى بقصص اليافعين) وتضيف بأن هذا المجال (يكاد يكون بكرًا على الصعيد المحلي، مع تفاوتٍ بين القلةِ والندرةِ على الصعيد العربي، فأدب اليافعين كغيره من الفنون عانى تهميشًا، وهو مرتبط بأدب الأطفال؛ لذلك يقترن الحديث عنهما في أغلب المصادر..)(2)

كما تحدد الفئة العمرية لليافعين ما بين 13 إلى 21 سنة والتي تعرف لدى علماء النفس والاجتماع بفترة المراهقة، وأوضحت أن اختيارها القصص والإبداعات لهذه الفئة العمرية تحديداً كان بسبب قلة الدراسات المتوفرة حولها. ويبدو أنها وقعت في لبس لغوي عند التعبير بدقة عن موضوع دراستها حين قالت حرفياً (تمحورت الدراسة حول قصص اليافعين، وكان الهدف منها التركيز على النتاج القصصي لهذه الفئة التي يستحق أدبها أن تفرد له الدراسات..)(3)، وأرى أن القاريء قد يفهم هذا القول خاصة العبارة الإشارية المحددة (النتاج القصصي لهذه الفئة) بأن موضوع الدراسة يتعلق بالانتاج القصصي لليافعين أنفسهم، أي القصص التي يكتبها وينتجها اليافعون، وليست قصص الكبار التي يستهدفون بها اليافعين ويوجهونها إليهم. ومما يؤكد هذا المذهب أنها أشارت -في موضع آخر- إلى مهرجان الإبداع الأدبي لليافعين الذي اختص بكتابات اليافعين وإبراز مواهبهم وإمكانياتهم الإبداعية في كتابة القصة والخاطرة والمقالة والقصيدة الشعرية.

ولكن المؤلفة سرعان ما تستدرك ذلك عند طرحها قضية توجيه أدب اليافعين بتوضيح يزيل ذاك اللبس حين أطلقت عدداُ من الأسئلة وتطالب بضرورة (فحص النتاج الذي يقدم لليافع سواء كان قصصيًا أم مسرحيًا أم غير ذلك من الأجناس، أهو مناسب  لهم؟ هل تفي هذه النصوص القصصية بإشباع أرواحهم وتطوير ذواتهم وعقولهم النهمة المليئة بالأسئلة الوجودية؟ أهي من الجمال والفنية بحيث تنمي ذائقتهم الأدبية وتصقل مجساتهم النقدية؟) ثم سؤالها الجوهري حول هذا الأدب في ليبيا محاولةً تتبعه في بحثها (هل لدينا نتاجٌ قصصيٌّ موجهٌ لليافعين في ليبيا؟!)(4)

جاء كتاب (قصص اليافعين في ليبيا) في حوالي مائتي وستين صفحة من الحجم الكبير توزعت على أربعة فصول بحثية تسلسل ظهورها كالتالي: الفصل الأول بعنوان (دراسة تاريخية) وتناول الجانب التاريخي لأدب الأطفال، فأظهر أن هذا النوع الأدبي واجه الكثير من المعاناة عند تسجيله وتوثيقه والاهتمام بدراسته ونقده أسوة بأدب الأطفال بشكل عام، مع التذكير بأنه تركز في معظمه على جنس الرواية الأدبية باعتبارها بانوراما إبداعية شاملة تستضيف كل الأجناس الأدبية الأخرى.(5)

كما تتبع هذا الفصل أيضاً أدب اليافعين عالمياً في بعض الدول الأوروبية وأمريكا، وعربياً منذ انجذاب اليافعين إلى قصص “ألف ليلة وليلة” و”حي بني يقظان” و”عنترة بن شداد” ثم القصص الإسلامي والسيرة النبوية، وواصل تتبعه في العصور اللاحقة حتى العصر الحديث في مصر والأردن وسوريا ولبنان وتونس والمغرب، وأفرد مبحثاً خاصاً له في ليبيا بأشكاله المختلفة كالشعر والمسرحية والرواية والقصة مستعرضاً بعض نماذجه ضمن محتويات الكتاب المدرسي، ومسجلاً بعض الملاحظات المهمة والانتقادات الموضوعية حول وجود هذا الأدب في ليبيا مثل (نفى بعض النقاد ذلك تارة، وصرحوا بوجود نصٍّ يتيم تارة، وتجاهلوا وجوده وغيابه مرات عدة، وقد يُعد الحديث في هذا المجال من التكهن أو الآراء الفردية التي لا تستند إلى أرضية صلبة تعتمد الدراسات الأكاديمية مصادر موثوقة)(6).

وتوضح المؤلفة أسباب ذلك التباين بين النفي والإقرار والتأكيد بقولها (ربما يعتمد البحث في تأريخ أدب اليافعين في ليبيا على تحليل الخطاب النقدي الذي تناول أدب الأطفال على اعتبار أن هناك من يجمع بين أدب الأطفال وأدب اليافعين، وذلك ظاهر في الجزئية الخاصة بمراحل الطفولة والشباب، وبما أن المصادر شحيحة في إشاراتها لهذا التخصص، فستكون الاستفادة من كل ما يطرح في هذا المجال، سواء كان ميثاقاً لمؤلف، أو نقداً من قارئ متخصص أو قارئ يافع، أو طبيعة نصية)(7). وفي سياق ذلك أشارت إلى فعاليات مهرجان الإبداع الأدبي لليافعين الذين أعمارهم تتراوح من سن 13 إلى 17 عامًا، الذي نظم بمدينة طرابلس خلال يومي 28 و29 يوليو 2018م ووجهت نقدها للنصوص الأدبية الفائزة التي كتبها اليافعون وشاركوا بها في المهرجان، وتقول بأنها لم تتمكن من الحصول على السيرة الذاتية للفائزين وبالتالي (تبقى عملية التقييم مبهمة، فالعمرُ له دور في توجيه التفكير للقضايا المطروحة، وجودة لغة النصّ)(8).

كما تتبع المؤلفة في كتابها دراسة ما نشر حول أدب اليافعين في المناهج التعليمية الليبية بداية من مرحلة التعليم الأساسي وحتى التعليم الجامعي،  وتقول بأن (الحديث عن أدب اليافعين من خلال الكتاب المدرسي أمرٌ معقدٌ، إذ أن الهدف من إدراج النصوص غير واضح، والطريقة التي تم انتقاؤها بها أيضاً غائمة، وليس هناك توازن بين الأجناس الأدبية.)(9)

أما في الفصل الثاني فقد تناولت المؤلفة استعراض (المصطلح والمفهوم) لأدب اليافعين من خلال توضيح تعريفات فنية دقيقة لتقسيمات هذه المرحلة العمرية بين الطفولة والمراهقة، وتصنيفاتها لدى كل من علماء النفس والتربويين والنقاد، وأيضاً دراسة مصطلح قصص اليافعين، ومصطلح جماليات البُنى، ومصطلح الأنساق الفكرية. ويرجع تركيز المؤلفة على دراسة المصطلح كما تقول بأنه (في الدراسة المنهجية، يُبنى البحث على تحديد المصطلح، فهو الأساس، وفيه تكمن الثروة المعرفية التي ينطلق الباحث من خلالها إلى عوالم مجهولة تجعله -أحياناً- يعيد النظر في كل ماهية لمصطلحات بحثه كلما تقدم خطوة.)(10)

وبمزيد من التركيز البحثي اختارت المؤلف في الفصل الثالث (جماليات البُنى في قصص اليافعين الليبية) تسليط الضوء جغرافياً على الحالة الليبية، وتحديداً على جنس القصة الأدبية لهذه الفئة العمرية، وذلك بدراسة عناصرها السردية الفنية مثل اللغة والشخصية والأحداث والزمان والمكان، وعقد مقارنة تطبيقية بين نصوص القصص التي اختارتها في هذه الدراسة البحثية لخمسة من القصاصين الليبيين كالتالي (الطريق إلى الأوراس) للأديب إبراهيم الكوني، و(لكنه لم يعد) للأديب خليفة حسين مصطفى، و(الإنسان) للأديب سعيد المحروق، و(عن أحسن لص في المملكة) للأديب الصادق النيهوم، و(قدسية الأمومة) للأديبة زعيمة الباروني.

ووضعتً المؤلفة عنوان الفصل الرابع والأخير من كتابها (قصص اليافعين في ليبيا) مباشراّ ومحدداً (الأنساق الفكرية) وخصصته لتناول خصائص المراهقة من منظور إجتماعي ونفسي، وبسطت مساحة تقديمية حول خصائصه الاجتماعية والنفسية وذلك من خلال المنهج الأركيولوجي الذي وضعه الفيلسوف الفرنسي “ميشيل فوكو” حول دراسة البنية التكوينية لما وراء النصّ، وكذلك المسكوت عنه بثنايا النصّ الذي لم تعريه الكلمات، وهو ما سمّاه النصّ الآخر للنصّ الأساسي الذي يقدم قراءة إضافية ثانية. وقد اختارت المؤلفة لدراسة هذا المنهج البحثي نوعين من القصّ وهما (أولاً: القصّ العجائبي) الذي تعرضت له من خلال دراسة مجموعة (من قصص الأطفال) للصادق النيهوم، ومجموعة (أصوات منتصف الليل) لسعيد المحروق، و(ثانياً: القصّ التاريخي) الذي اختارت أن تتناوله من خلال (سلسلة قصص الجهاد) لخليفة حسين مصطفى وإبراهيم الكوني، ومجموعة (القصص القومي) لزعيمة الباروني.

وفي الختام فإن كتاب (قصص اليافعين في ليبيا) لمؤلفته اشتيوية حسين بن محمود يؤسس لدراسة شاملة أوسع حول أدب اليافعين سواء من حيث ما كتبه اليافعون أنفسهم أو ما كتبه غيرهم من الكبار لتوجيههم وإرشادهم وتعليمهم وإمتاعهم، وبالتالي يمكن اعتبار هذا الإصدار رائداً في مجاله الذي تناول فئة عمرية مهمة وخطيرة لإكتشاف مستوياتها كافةً، وتوجييها نحو مسارات هادفة بعيدة عن التوجهات الهدامة، ونبه إلى أهمية دراستها بشكل دقيق، ولا شك بأن التوصيات التي اختتمت بها الأستاذة اشتيوية بن محمود دراستها البحثية وحددتها في ثمانية نقاط تبين وتعكس حجم المعاناة التي كابدتها من حيث شح المصادر وغياب الدراسات العلمية الدقيقة حولها، ولعل هذا كله يكون تحدياً وحافزاً لآخرين وحثهم على مواصلة ما مهدت له هذه الدراسة القيمة.


الهوامش:

(1) قصص اليافعين في ليبيا، اشتيوية حسين بن محمود، دار الجابر للنشر والتوزيع والإعلان، بنغازي، ليبيا، الطبعة الأولى، 2024م

(2) المصدر السابق نفسه، ص 9

(3) المصدر السابق نفسه، ص 11

(4) المصدر السابق نفسه، الصفحة نفسها

(5) المصدر السابق نفسه، ص 35

(6) المصدر السابق نفسه، ص 64

(7) المصدر السابق نفسه، الصفحة نفسها

(8) المصدر السابق نفسه، ص 71

(9) المصدر السابق نفسه، ص 92

(10) المصدر السابق نفنسه، ص 104

مقالات ذات علاقة

قراءة في كتاب (محمد كرازة، رحلتي مع عالم التصوير، من Box  إلى الــ Digital)

محمود الغتمي

بين التغريبة والسيرة ونفض الفوضى

رامز رمضان النويصري

ما يعد به الإسلام .. لروجيه غارودي

نادرة عويتي

اترك تعليق