الذكرى السادسة لرحيل الشيخ العلامة أحمد القطعاني
أحمد القطعاني
اصطحب في سنة 1966م والدي وعمي الحاج إدريس كريم رحمهما الله كل الأسرة والدتي وأنا وأشقائي الثلاث في سياحة ابتدأت من النجع شرق طبرق بقليل مرورا بكمبوت ثم الغرابات ثم بئر الأشهب ثم قصر الجدي ثم البردي ثم شماس ثم الحدود الليبية مساعد ومنها دخلنا مصر زرنا خلالها الإسكندرية وبفندق الماجستيك بالمنشية القابع على يمينه تمثال محمد على باشا ممتطيا صهوة جواده قضينا أياما تخللها دوي صفارات الإنذار وإطفاء الأنوار وصوت الطائرات، حيث كان جمال عبد الناصر يصب حمم غضبه على اليمن، وأياما بالقاهرة زرنا خلالها سيدنا الحسين والسيدة زينب ومن أراد الله لنا من الصلحاء فكانت أول مداومتي على صلاة الفريضة في جامع الأزهر ومنها داومت الصلاة، واسأل الله أن يغفر لي إن تركتها عامدا أو ناسيا بعدها.
لم تكن القاهرة والإسكندرية وقنها تغصان كاليوم بالسكان والمنشآت بل على العكس كانت الشوارع تذرعها سيارات قليلة وبعض المارة، نظيفة الطرقات منظمة عامرة بالخيرات ويُسر المعيشة تأخذك حلاوة حديث أهلها المهذبين في ألفاظهم المتأنقين في ملبسهم رجالا وسيدات لم يكن بلبسن الحجاب وقتها.
أما الإقامة بها وقتها فلا تكاد تكلف شيئا والأسرة تستأجر أفضل شقة مؤثثة لمدة شهر بجنيهات معدودة والأسعار لا تكاد تذكر فبإمكانك السكنى والأكل والشرب في اليوم بأقل من جنيه مصري واحد.
ورغم أنني زرت مصر أكثر من 100 مرة حتى الآن إلا أن تلك الرحلة بصفتها كانت الأولى بقيت مميزة عنها جميعا.
عبد الرازق محجوب:
ثم بمركز طميه بمنشية الجمال بالفيوم، كانت إقامتنا عند رجل من أولياء الله تعالى من بني عمومتنا اسمه الحاج عبد الرازق بن محجوب بن مصباح بن جبريل السعيدي هاجر أسلافه إلى مصر منذ مدة بعيدة، وأدر الله سبحانه عليه رزقا وافرا وأملكه أراضي شاسعة وأمم عبد الناصر أراضيه وأبقى له فقط 100 فدان فابتنى بها مسجدا وعين له إماما كان مسيحيا فأسلم على يديه وأطلق عليه اسم المهدي ثم حفظه بعضا من كتاب الله الكريم وعلمه الفقه.
كان الحاج عبد الرازق رجلا كريما مجوادا ومن عادته رحمه الله أن يطعم الفقراء والزُمنى وجبة كل يوم عند المغرب رأيتهم يتوافدون إلى بيته بالعشرات يطعمون ثم ينتشرون، ويجلس هو يأكل بينهم مما يأكلون ويطعمهم بيده ويحرص على شبعهم، يكثر الصدقة والسعي في أوجه المعروف ساهم بماله ويده في بناء أكثر من ستة وثلاثين مسجدا، يحرص على الاقتداء ما استطاع برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عبادته وعادته وأكله وشربه ولباسه وعمامته مسموع الكلمة ساعيا في إصلاح ذات البين وصفه والدي أكرم الله وفادته بقوله: (الورع الصالح الفقيه المرجعية الفقهية) توفي سنة 1976م ودفن بمقبرة الذبانه بالفيوم ولا عقب له والقيوم من قرى الريف المصري كانت وقتها آية في جمال الطبيعة الأخاذ والخضرة تعم الأفق وشرايين نهر النيل تبث الخير والنماء في ربوعه وبساطة حياة الفلاح المصري وحفاوته بالضيف ومحاولة استدراجه بتطفل محبب للحديث عن موطنه وعاداته والدهشة تعلو أسارير وجهه البريئة مستغربا ما يسمع، ثم إشاعته في من حوله في هيأة العارف بكل شيء لهذه المعلومات التي نقلها عن صديقه الحميم القادم من بلاد بره، واحتضانه السرمدي للأرض في صورة طبيعية يزينها بمسحاته في يمينه ورفاق عمره من داجن وحيوان تعينه على كد يومه من خلفه.
أحمد القطعاني (رحلات أحمد القطعاني)، دار بشرى وكلثوم، 2018م.