ذاكرة المجني عليه…
7 – العمة حواء
…علي الجانب الأخر من الغوط وبينما السباق في تلك الليلة الصيفية المقمرة كان يحتدم ويدور رحاه ، كان يترأ في نهاية أحد الأزقة، بيت عائلة (سي أدم )،كان هناك حواراً مشوشاً يكتنفه كثيراً من الهم والتوجس والتشاؤم ، كان طرفا الحوار هما (سيدي أدم ) الشيخ الورع ، وزوجته (حواء) تلك السيدة الكريمة، والتي جلست تنصت بإهتمام شديد، لزوجها المهموم حين بدأ موبخاً نفسه :
يا الله ماذا فعلت؟
لقد أجرمت في حق الغوط بتمكين هذه العائلة بالشراء والتملك بها.
ردت زوجته باللهجة الليبية القديمة :
اي عائلة عونك ؟
حيث ردت بما معناه :
أي عائلة تقصد؟
رد سي( أدم ) وهو يتحرك جيئا وذهاباً في أرجاء بيته ضارباً كفاً بكف :
قطعاً سيعتدون بالتأكيد علي تلك المرأة ، والتي جأنا بها (جبريل) ، وتلك التي تم تسكينها في الحوش العربي المقابل لبيت عيت (بوشرفيدة) ، فأولاد،(ادريس) لم يتلقوا نصيباً كافياً من التربية و الأدب، ف سي (إدريس )، لم يحسن تربيتهم.
ردت العمة ( حواء) :
صدقت ننقاله طالقهم هدد !
حيث قالت بما معناه :
لقد قلت الصدق فهو تارك أبنائه دون تربية!
ثم صمتت بعد أن فهمت مايتوجس به زوجها (سي أدم) من هواجس، فبدأت تخفف عليه، وتهدي من روعه.
…كانت ( حواء) زوجة صالحة ومباركة وكريمة جداً.
…كانت كريمة بشكل لافت وعطاياها من فائض الخضروات المزروعة بسانية سي (أدم) تصل لكل الجيران علي حد سواء .
….مرت الأيام حتي جاء اليها ابنها (محمد) يخبرها ويؤكد بأن الحوش العربي الواقع مقابل بيت عائلة (ادريس بو شرفيدة)، والذي قد تم تأجيره لغرباء به امرأة جميلة جدا، ومعها رجل ، وعندهم طفلين لا يمشيا فهم كسيحين ،أرجلهم تعجز عن المشي، ويرغب في تعليمهم وتحفيظهم القران الكريم ، بمناسية اقتراب عيد المولد النبوي الشريف،وهو ينوي أن يشركهما في اللعب معه أمام الزاوية الصوفية، والمسجد ليتسابقوا في حفظ وتجويد القرآن الكريم مع أطفال شارع الوحل عن طريق والدهم، و ليتمتعوا بأجواء العيد والقناديل هكذا اخبر (محمد) ما يرغب به لوالدته، والتي شجعته علي ما عزم ، فأستطرد بإخبارها، بأن (ميلود ) ابن (إدريس بوشرفيدة ) دائم التردد،علي الحوش العربي ! في حضور (قدري) زوج (نجوي) أو في غيابه !! وأن (رتيبة) و (مريم ) تتسللن بخفة الي الحوش العربي في غياب (نجوي)،ليتقابلا مع (قدري) زوج ( نجوي )!!،وأن (مريم ) كبرت وتضخمت بطنها و أنها ستلد قريباً.
…فزعت العمة (حواء ) من هول ما اخبرها به ابنها (محمد ) ،فعزمت أمرا في سرها،ونوت أن تحاول مساندة زوجها سي (أدم ) في اغلاق ابواب قد يأتي منها الشر ويفسدوا عيشة الود والبركة في غوطهم الجميل هذا.
فقررت بأن تقوم بالتردد علي (نجوي) من آن لآخر علها تنتبه، فتخجل من نفسها ،وتوقف ماتقوم به من تصرفات مشبوهة، إحتراما لسكان الغوط ،فنوت أن تذهب بمناسبة قرب قدوم المولد النبوي بقفة ، بها كساوي العيد*، و قناديل للأطفال ،وبعض السكر والملح والزيت والسمن البلدي و رغيفين من خبز التنور ،لتمد حبلاً من الود والتواصل بين طفلها وهذان الطفللان المقعدان ، كذلك لتقطع حبل التفكير المشبع بالشبهة جراء هواجس زوجها وابنيها (محمد وابراهيم ) والذي كان يأيتيانها بأخبار المنطقة اللافتة كل حين ، كان (ابراهيم) و(محمد ) كثيرا الحركة كثيرا النشاط ، ولكونهما طيبون ، فلم ينتبه أحد من المتسكعين الي حجم إدراكهما وذكائهما ،فتمادوا في سلوكياتهم وافعالهم القذرة أمامهما ، دونما اي مبالاة، فلن يستوعبا ما يقوم به (ميلود بوشرفيدة ) في بيت (نجوي وقدري )، من الاعيب مخزية ، أو ما يقوم به الخمار(فتحي ادراما) من استغلال وابتزاز ولوي ذراع للأرملة (سالمين)، عندما يكون بالقرب من بيت (مبروك) ابن الأرملة بالتبني.
…جهزت العمة ( حواء ) متطلبات الزيارة ، ولم تنسي أن تضع القليل من حلويات المولد والكرميلا والتي ستباع أمام الزاوية الصوفية يوم كبيرة*المولد النبوي الشريف ،
ووضعت لهم كذلك بعض من مستكة الدراهيب ((علكة مستديرة وملونة ))،التي يفضلها الصغار تلك الايام، ثم أنطلقت يرافقها طفلها ( صالح) والذي كان يبلغ الرابعة، حينها، ولم تنسي أن توصي إبنها ( داوود) أن يهتم بالبيت في غيابها.
* القفة تصنع بطريقة متشابكة من سعف النخيل وتستعمل كاكيس لحمل الخبز او السلع او الأشياء ذات الاحتياج المعيشي.
* الكساوي هي (جمع كسوه اي بمعني بدلة).
*والكبيرة هو (مسمي متعارف عليه يطلقونه علي ليلة التي تسبق اي يوم عيد).