هيفاء علي نورالدين
صباحٌ ممطرٌ وبارد، كأن السماء تُسرّ إلينا سراً في كل قطرة تتساقط برفق، كأنها تبوح بأغنيات حزنها وتترك للعالم فسحةً للتأمل. الطرقات مبتلة، والأشجار تكتسي بلمعان المطر، كأنها تفرح بلمسته التي تغسل عنها تعب الأيام.
في هذا الصباح، كأن الكون يتآمر على الزمن، يُبطئه ليستمتع بكل لحظة، ليُعيد ترتيب التفاصيل الصغيرة التي نسيناها في زحمة الحياة. صوت المطر كعزف كمان حزين، يوقظ فيك ذكرى لم تُعطَها حقها من البكاء، أو ربما حُلم دفنته تحت أنقاض الأيام.
الهواء البارد يداعب وجهك كصديقٍ قديمٍ تودّ رؤيته ولكنه يُذكّرك بكم تغيّرت الحياة بينكم. تحتاج دفئًا يتجاوز وشاحك الصوفي أو كوب القهوة الساخن الذي تعانقه يداك. دفء ربما تجده في كلماتٍ لم تُقال، في عناقٍ مؤجل، أو في ابتسامة غريبة تجتاح وجهك بلا سبب وأنت تتأمل المطر.
هذا الصباح يشبهنا، بين برده والمطر المنهمر منا، بين سكونه وضجيج مشاعرنا. لكن المطر، بكل ما يحمله من عبء الشجن، دائمًا يأتي محمّلاً بوعد. وعد بأن تنبت الأرض من جديد، بأن تغتسل أرواحنا من حزنها، وبأن الغد، مهما بدا بعيدًا، سيحمل شمسه الخاصة.