الظلم في مكان ما، يمثل تهديدا للعدل في كل مكان.
مارتن لوثر كينج
قبل أسابيع، أصدر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية قراراً فظيعاً بمنع جنسيات عربية إسلامية من الدخول إلى أمريكا معلّلاً الأمر بالحفاظ على الأمن القومي. ملايين المسلمين الوافدين للسياحة والعلاج والهرب والنزوح والدراسة محرومين من الذهاب إلى أي مطار أمريكي لمجرد أنهم عرب مسلمين، من دول تعيش في وضع أمنيّ خطير. ملايين العرب المسلمين يتحمّلون ما فعله بضعة آلاف من الإرهابيين الظلاميين.
قبل أسابيع أقلّ، أصدر عبدالرازق الناظوري قراراً مشابهاً، يقضي بمنع النساء من السفر بغير محرم، معلّلاً الأمر لنفس السبب، ومستشهداً بحالاتٍ لنساء متهّمات بالتخابر مع أجهزة استخباراتية من خارج البلاد. كلّ نساء ليبيا دون استثناء تُمنع من السفر بغير محرم لأنّ هناك بضعة نساء قد لا يتجاوزن أصابع اليد الواحدة متّهمات بالتخابر مع أجهزة من الخارج. كلّ نساء ليبيا يتحمّلن وزر جريمة لا ناقة لهنّ فيها ولا جمل.
القراران الجائران، يحملان مفارقةً عجيبة، بين أقوى دولة في العالم على الإطلاق، وبين واحدة من أضعف دول العالم. هذه المفارقة التي انتزعت الفروقات بين العالم الأول والعالم الثالث، وتحاكي الجنون والتفاهة التي يمرّ بها العالم، سواءً كان في دولة قوية متحضّرة أم دولة ضعيفة وهشّة. فيُمنع العرب المسلمون من السفر إلى أمريكا لأنهم عرب مسلمون، وتُمنع النساء في ليبيا من السفر لأنهن نساء. ولا فرق بالطبع بين التمييز الديني والتمييز الجنسي.
قرارات غير مسؤولة، فترامب لن يستطيع إيقاف الجريمة والإرهاب لمجرد أنه منع مسلمي الخارج، فالجريمة والإرهاب ليست صنعة يتميّز بها العرب المسلمين وحدهم، بل إن معدّلات التطرف والعنصرية والجريمة في أمريكا بدت في الآونة الأخيرة كارثيّة، وتزداد كل يوم، ولعلّ الدليل الشافي على تنامي هذا الحسّ المتطرف – في رأيي – هو انتخاب ترامب نفسه.
أما الناظوري، فحدّث ولا حرج. وكأنه يريد إيقاف التخابر لمجرّد منعه النساء من السفر بغير محرم. فالتخابر ليست حكراً على النساء، بل إنه خلال السنوات الستّ من الفوضى كان الرجال هم المتخابرون والمتصارعون والمتحاربون. هذا طبعاً بعد أن يعرف السيّد الحاكم أن المحرم لن يحمي الأمن القومي، وأن المرأة التي تسافر مع إخوتها العشرة، إذا كانت ستنوي التخابر فستفعل هذا من دون أن يشعر أحد.
إننا اليوم في عالم تافه فعلاً. ومليء بالمفارقات المخزية، والتناقضات الفظيعة. العرب المسلمين الذين يستنكرون ويرفضون قرار ترامب ويصفونه بالجائر والتمييزي والرجعي، يقفون مع قرار الناظوري بحجّة أنه دليل على الذكورة والنخوة والتديّن. دون أن يتأملوا الواقع الذي هم فيه، كم هو هشّ ومنحطّ.
تستفزّ ترامب الهجرات كونها هجرات، بينما لا يستفزّه الوضع الإنساني لمهاجرين لم تفتح لهم الأبواب من بلاد الحرمين إلى بلاد المغرب وتركتهم وانكرتهم، بل وساعدت في تمويل الخراب عندهم، وصاروا المساكين الفّارين من الظلم والقهر والجوع والموت.
تستفزّ الناظوري بضعة نساء لا نعرف أعدادهن ولا أسماءهنّ لتجعله يتدخّل في إصدار قرار ليس من اختصاصه، بينما لا تستفزّه أحوال المشرّدين النازحين من بيوتهم، بل ولا تستفزّه النساء اللواتي مات محارمهنّ في الحرب ضد الإرهاب.
جمّد ترامب قراره لأن «محاميّات» ومحامين «كفّار» قاموا بالتظاهر ضد هذا التخلف والانحطاط. وجمّد الناظوري قراره لأنه وجد «نساء» حقوقيّات ناشطات، يعملن في مؤسسات الدولة وفروعها يقفن ضد التمييز، وإصدار أوامر تشرّع للجماعات الظلامية بالتغلغل في البلاد مجدداً.
لكن التجميد ليس الحل، والإلغاء ليس المبتغى، والاعتذار ليس كافيًا، بل إن «سحب» هذه القرارات هو المهم والذي يجب أن يدافع عنه الجميع، فهو لا يخص العرب المسلمين في أمريكا، ولا النساء في ليبيا وحدهنّ. بل يخصّ عالماً مريضاً بحكّام غير مسؤولين، يصدرون القرارات الانفعالية بدافع الفوقية والعنصرية. وهذا لا يختلف على منع الأسود لأنه أسود، والسماح للأبيض لأنه أبيض.
على جميع المؤمنين بعالم حقيقي غير مزيّف، عالم مليء بالتنوّع والاختلاف، يسوده القانون، ويسري في دمه العدل والعقل والشعور، أن يرفضوا ما استطاعوا، أيّة قرارات تمكّن جماعات اللون الواحد، والعنصريين من السيطرة على العالم. على كل الأحرار في ذواتهم أن يدافعوا عن الحرية، لأنهم قد يفقدوها ليس لأنهم تكلّموا أو سكتوا، بل إن حتى موقف الحياد يمكّن السجون والأغلال من الانتشار، ويصبح العالم مجموعة من القطعان، بدل التقدم بالزمن تعود للوراء، وبدل الاعتناء بدورتها الطبيعية، ستحافظ على هذا الشلل المهيب.
__________
نشر بموقع المستقل