شخصيات

خليفة التليسي.. كوّن مدرسة وفية للثقافة العربية

من رواد الحركة الفكرية والأدبية في ليبيا

الذكرى الـ15 لرحيل الكاتب والأديب الليبي خليفة التليسي

الأديب خليفة التليسي.
الأديب خليفة التليسي. | الصورة: عن الشبكة.

يعتبر المفكر والأديب والشاعر والمؤرخ الليبي (خليفة محمد التليسي)، المولود عام (1930م) في محلة باب البحر بمدينة طرابلس الغرب، أحد أهم رواد الأدب العربي الحديث في ليبيا ومؤسسيه؛ فعقب انحسار المرحلة الاستعمارية، تبلورت في ليبيا أهم المدارس الأدبية والتيارات الفكرية والأشكال الفنية الإبداعية التي كان خليفة التليسي مؤسساً، ورائداً، وراعياً لها.

استطاع خليفة التليسي أن يبني لنفسه ثقافة واسعة، فهو عصامي، علم نفسه بنفسه حتى أصبح مدرسة لغيره. بدأ حياته بالعمل في مجال التدريس، وتقلب في مناصب مهمة في العهد الملكي السنوسي، منها رئاسة الأمانة العامة لمجلس النواب الليبي عام (1962م)، ورئاسة اللجنة العليا للإذاعة الليبية من (1962م إلى عام 1965م)، كما عين وزيراً للإعلام والثقافة في الفترة الممتدة من عام (1964م إلى 1967م)، ثم سفيراً لدى المغرب في عام (1968م). عمل محاضراً في كلية التربية بجامعة الفاتح بليبيا خلال السنتين (1978-1979م)، ثم بعد ذلك انتخب نائباً للأمين العام لاتحاد الأدباء العرب، كما اختير أميناً عاماً لاتحاد الناشرين العرب، وعضواً في مجمع اللغة العربية بالأردن حتى وفاته، وبمجمع اللغة العربية في ليبيا، وعضواً في المجلس التأسيسي للموسوعة العربية بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وكان أحد مؤسسي جمعية الفكر، وهو أول رئيس لرابطة الأدباء والكتاب في ليبيا.

الكاتب والأديب خليفة التليسي -رحمه الله-.
الكاتب والأديب خليفة التليسي -رحمه الله-.

يمتاز خليفة التليسي بمجهوده ومساهمته في تأليف الكتب والترجمة من الآخرين، وهو واحد من رواد الثورة الأدبية في ليبيا بسبب ثقافته الواسعة، واطلاعه على حركات التجديد المتتابعة في أوروبا، وله أسلوبه الخاص في الترجمة، ولم تكن إبداعاته أدبية فقط، بل كان ناقداً حصيفاً، ثاقب البصيرة، ومؤرخاً متعمقاً، متبحراً في كل مناحي اللغة والأدب والتاريخ، ومفكراً كبيراً.

وهو أيضاً صاحب رسالة شعرية هادفة، تغنى بحب الوطن في قصائده، التي تعد نموذجاً يحتذى به. وقد عزز حضوره الفاعل في ميدان التجديد الشعري بما أصدره من مختارات شعرية من ديوان الشعر العربي والعالمي، وقد تميز أسلوبه بخصائص لغوية وبلاغية.

والمتتبع لشعر خليفة التليسي، يستطيع أن يلمح مميزات هذا الشعر وخصائصه الفنية، فهو ينزع منزعاً رومانسياً في شعره، فحبه للخير ونشدانه السعادة، وتقديسه للحب، كلها أمارات دالة على رومانسيته، فضلاً عن أنه ملأ شعره بصور ذات تكثيف عاطفي، وإعجابه بالشابي، وتأليفه لكتاب يظهر فيه تأثر الشابي بجبران، ويضمنه إعجابه، هو الآخر بالشابي، وتأثره به في شعره، كما جاء في مقدمة كتابه (الشابي وجبران).

بعض من إصدارات الكاتب والأديب الليبي خليفة التليسي
بعض من إصدارات الكاتب والأديب الليبي خليفة التليسي

وبرغم سعة اطلاع الشاعر خليفة التليسي، ونهله من ثقافتي الشرق والغرب، وترجمته لأشعار طاغور الهندي ولوركا الإسباني، فإنه ظل وفياً لثقافته العربية، مسايراً لحركة الشعر في العصر الحديث، فكتب قصائد شعر التفعيلة (الحر)، ولكنه لم يكثر من هذا اللون، على الرغم من أنه أجاد فيه إلى حد بعيد، ففي قصيدة (صوت) يقول:

قالت لي يا سيدي يا فارس الكلام

يا غيمة تشتاقها أرضي على الدوام

يا نهر نور دافق في غابة الظلام

يا زورق النجاة في عاصفة الأيام

يا واحتي الظليلة الرائعة الإنعام

خليفة التليسي، عاشق الشعر ما لبث أن أدار ظهره لترجمة القصة، وأبحر باتجاه الشعر، ففي أواخر الثمانينيات، فاجأ جمهور القراء والمثقفين بترجمته الرائعة لشاعر الهند العظيم (طاغور)، وعلى الرغم من أن طاغور كان قد حظي بأكثر من ترجمة إلى اللغة العربية، فإن ترجمة خليفة التليسي قد نالت استحساناً واسعاً في أوساط المثقفين والكتاب والأدباء، الذين عبروا عن إعجابهم بهذه الترجمة، فقد اهتم خليفة التليسي بفن الترجمة اهتماماً كبيراً، حتى تضلع فيه، واشتهر بأعمال ضخمة، وسطع نجمه فيها منذ أن اكتشف (بيرانديلو) أحد أبرز كتاب القصة الإيطالية، فعن طريقه عرف القارئ العربي هذا الكاتب المهم، الذي لم يكن يعرف عنه سوى مسرحيته الوحيدة (ستة شخصيات تبحث عن مؤلف) التي قيل إن الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، قد تأثر بها قبل الثورة المصرية عام (1952م).

وقد تجاوزت الآثار والأعمال الأدبية لخليفة التليسي الأربعين عملاً، أهمها معجمه (النفيس من كنوز القواميس)، وترجمته للأعمال الشعرية الكاملة للشاعر الإسباني لوركا، وترجمته لبعض آثار أشعار الشاعر الهندي طاغور، ودراسة خص بها عبقرية جبران والشابي، وكتاب عن قصيدة البيت الواحد. أما مختاراته الشعرية، فبلغت ستة مجلدات… وغيرها كثير. أما في ميدان الشعر، فلم يترك سوى ديوان واحد، صدر عن الدار العربية للكتاب في ليبيا، ضمنه خلجات قلبه، وما جاشت به نفسه، ولم يخرج فيه عن موضوعات ثلاثة، كانت كالأثافي تسند تجربته الشعرية: الوطن والمرأة وبكاء الشباب.

بعض من إصدارات الكاتب والأديب الليبي خليفة التليسي
بعض من إصدارات الكاتب والأديب الليبي خليفة التليسي

وبالتدقيق النظر في ثلاثتها وُجد أن قاسمها المشترك هو الحب: حب الوطن والتفاني في نصرته، وحب المرأة والهيام بجمالها، وحبه لشبابه الراحل وحنينه لأيامه الخوالي، فديوان التليسي ديوان للحب بكل معانيه. ومن أعماله المهمة أيضاً: رفيق شاعر الوطن، ومعجم معارك الجهاد في ليبيا، بعد القرضابية، ورحلة عبر الكلمات، وكراسات أدبية، والفنان والتمثال للآداب (ترجمة)، وقصص إيطالية (ترجمة)، وليلة عيد الميلاد (ترجمة)، طرابلس تحت حكم الإسبان (ترجمة)، تأملات في نقوش المعبد، ومن الحصاد الأول، ومختارات من روائع الشعر العربي، وهكذا غنى طاغور، وقصيدة البيت الواحد، وقصائد من نيرودا، وقاموس التليسي.

احتل الشاعر خليفة محمد التليسي مكانة بارزة على خريطة الثقافة العربية والعالمية، واعترف له الكثيرون بفضله بعد أن توقفوا كثيراً عند آثاره، ولذلك حاز تكريمات عالمية فمنحه المعهد الشرقي في نابولي (الدكتوراه الفخرية)، ووسام الفاتح، وجائزة الفاتح التقديرية، ومنحته تونس جائزة الثقافة التونسية عام (1999م)، والمغرب الوسام العلوي المغربي، وجائزة الثقافة المغربية.

الشارقة الثقافية | العدد: 68 / 1 يونيو 2022م.

مقالات ذات علاقة

سامحنا يا محمد طرنيش

المشرف العام

40 الفنان الموسيقار عبدالرحمن قنيوة

المشرف العام

الراحلة القيادي: هذه أنا .. كأي امرأة أخرى

رامز رمضان النويصري

اترك تعليق