الأحد, 9 مارس 2025
طيوب المراجعات

قراءة في ديوان “عرجون الفل” للشاعر الليبي صالح عباس 

عرجون الفل، للشاعر الليبي صالح عباس
عرجون الفل، للشاعر الليبي صالح عباس

في ديوانه الشعري “عرجون الفل”*، الصادر في طبعته الأولى عام 2020، يقدم الشاعر الليبي صالح عباس تجربةً شعرية غنائيةً مميزةً تنبض بالحنين والألم والفرح، مُستعيناً بالعامية الليبية كجسرٍ يعبر من خلاله إلى عالم المشاعر الإنسانية الخالصة.

يضم الديوان 35 قصيدةً تتنوع بين الغزل والوجدانيات والتفاعل مع تفاصيل الحياة اليومية، مع تركيزٍ واضح على ثنائية الحب والفراق، والبحث عن الذات في خضم العلاقات الإنسانية المعقدة. 

 اللغة: أصالة اللهجة وعالمية المشاعر 

يكتسب الديوان خصوصيته من استخدام اللهجة الليبية، التي تمنح النصوص نكهةً محليةً صادقة، لكنها لا تحجب عالمية المشاعر المُعبَّر عنها. فالقارئ غير الملم باللهجة قد يواجه صعوبةً في تفكيك بعض المفردات، لكن الصور الشعرية والإيقاع الموسيقي للقصائد تعوض هذا التحدي. على سبيل المثال، في قصيدة “حنونة”، يصور الشاعر الحنان كنهرٍ ينبع من ذات المحبوب، مُستخدماً تعابير مثل: 

“نهر الحنان في الأصل نابع منك 

فقطان طبعك والمواقف فنك

ترسم الحان الفرح ليك وليا” 

هنا تتحول اللهجة إلى أداةٍ طيّعةٍ لرسم المشاعر بدقة، دون أن تفقد القصيدة قدرتها على الوصول إلى المتلقي العربي عامةً. 

 المحتوى: بين الحنين وصراعات الذات 

يغلب على الديوان طابعٌ غنائيٌ حميمي، حيث تتكرر مفردات مثل “الحنين”، “الغربة”، “القسوة”، و”الفرح” كخيوطٍ ناظمةٍ للمشهد الشعري. في قصيدة “أنت الأجمل”، يعبر الشاعر عن صراعٍ بين الرغبة في البوح بالحب وخوف الفقد: 

 “أزعل تدلل 

 من حقك حتى الرحيل ترحل 

 لأنك أنت الأحلى 

 لأنك أنت الأجمل

وأنت الآخر والأول

بلاك الفرح ما يكمل” 

هذا التناقض بين التمسك بالحب والاستعداد لفقدانه يعكس عمق التجربة الإنسانية التي يقدمها الديوان. 

كما يبرز الحوار مع المكان، خاصةً في القصائد الموقعة بمدن مثل “تونس” و”طرابلس”، حيث يصبح المكان شاهداً على اللحظات الشعرية. ففي قصيدة “تبسم”، المكتوبة في الحمامات التونسية، يتحول الورد والبحر إلى رموزٍ للجمال العابر: 

 “تبسم يا زهر الرمان

تبسم يا سيد الحبان 

 تبسم مشتاقين زهاك 

 تبسم فرّحنا برضاك

تبسم ياللي الروح معاك

ولهانة تناجي ولهان” 

الإيقاع والبناء الفني 

يتميز الديوان بتنوع إيقاعي لافت، حيث تتراوح القصائد بين الأبيات القصيرة ذات القوافي المتناغمة، والنصوص الطويلة التي تشبه الحكايات الغنائية. في قصيدة “نام يا حبيبي”، يُحاكي الشاعر إيقاع التهويدة، مُستخدماً تكرار كلمة “نام” لإضفاء جوٍّ من الرقة والهدوء: 

 “نام حبيبي نام 

نام وزرع ورد في خطاوينا ..

نمشي للفرح الوحدينا ..

ولا صُبح يوزّع أسامينا ..

يرجعنا الدنيا الأوهام ..

نام حبيبي نام” 

القيمة الثقافية والانزياح عن المألوف 

يُعد “عرجون الفل” إضافةً نوعيةً للأدب الليبي المعاصر، خاصةً في ظل ندرة الأعمال الشعرية التي تعتمد اللهجة المحلية بجرأةٍ. الشاعر لا يكتفي باستخدام العامية كوسيلةٍ للتعبير، بل يحوّلها إلى فضاءٍ شعريٍ قائمٍ بذاته، حيث تتحول المفردات اليومية إلى رموزٍ ذات دلالاتٍ عميقة. فـ”العرجون” (غصن النخيل أو الغصن الحامل للمجموع الخضري للنبات) في العنوان يرمز إلى الجذور والانتماء، بينما يتكرر “الفل” كرمزٍ للجمال الهش الذي يحتاج إلى عناية. 

 خاتمة 

رغم بعض الهنات الفنية في البناء الشعري، يظل ديوان “عرجون الفل” عملاً مؤثراً يستحق القراءة، ليس فقط لقدرته على توثيق اللحظة الليبية بعفوية، بل أيضاً لنجاحه في تحويل اللهجة المحلية إلى لغةٍ شعريةٍ قادرةٍ على الحوار مع الذات والآخر. صالح عباس هنا لا يكتب قصائد، بل ينحت ذاكرةً جماعيةً تختزل أفراح وأتراح إنسانٍ يبحث عن موطئ قدمٍ في عالمٍ متقلب. 


هوامش:
*صالح عباس (عرجون الفل – شعر غنائي)، الهيئة العامة للثقافة، طرابلس، 2020م

مقالات ذات علاقة

مثقفون عرب يحتفون بتجربة الكاتب الليبي الكبير سالم الهنداوي

المشرف العام

ومضات حول كتاب السنكي «ملك ورجال»

المشرف العام

الأدب النسائي الليبي بين رهن الذات والمجتمع المحافظ

خلود الفلاح

اترك تعليق