ترجمات طيوب عربية

علال الفاسي والقضية الفلسطينية – الحلقة الأولى

الكاتب والأديب والمفكر المغربي علال الفاسي
الكاتب والأديب والمفكر المغربي علال الفاسي

النكبة المخجلة والفضيحة المؤلمة

ليس غريبا على المغاربة الذين حظي أحد أبواب مدينة السلام والعدل والحرية، القدس الشريف، باسمهم (= باب المغاربة)، اعتبارهم للقضية الفلسطينية قضيتهم الوطنية، على قدم المساواة مع باقي قضاياهم الوطنية الأخرى المتعلقة باستكمال التحرير الترابي والاقتصادي، وتكريس أسس بناء ديمقراطي جدي وحقيقي.

فقد خلف لنا آباء فكر الوطني المغربي تراثا غنيا وثريا حول هذه القضية الإنسانية النبيلة، يصعب على الباحث في الفكر المغربي المعاصر الإحاطة بكل تفاصيله، بدءا بمقالات علال الفاسي، وصولا إلى مئات الكتابات والمحاضرات والدراسات والندوات التي خص بها المغربيون موضوعات الصراع مع الكيان العنصري الصهيوني، كمحمد بن الحسن الوزاني ومحمد بوطالب وعبد الله إبراهيم ..الخ، مرورا بخواطر الصباح لعبد الله العروي وحفريات الجابري وائتمانيات طه عبد الرحمن.

لا يتعلق الأمر في هذه المقالات بقول أكاديمي، يدعي الحياد الهادئ، ففي قضايا الكفاح ضد الشر الجذري للاستعمار والعنصرية وحروب الإبادة والتطهير العرقي، لا يمكن للواحد إلا أن يكون متحيزا للموقف الأخلاقي المنتصر لقضايا العدل والحرية والديمقراطية، سيرا على منوال المفكرين المغاربة الذين المشحونة مقالاتهم بعواطفهم الأخلاقية النبيلة، على خلاف العواطف العنصرية والهمجية التي يكتب بها زبانية الصهاينة، ومن يناصرهم في اباطيلهم وأساطيرهم من المثقفين الغربيين، الذين أعمتهم عواطفهم العمياء عن رؤية الحق حقا إلى درجة غيبت عندهم كل حس أخلاقي وإنساني نبيل وشريف.

من المناسب جدا تخصيص حيز مهم من هذه المقالات لتفاعلات الزعيم الوطني علال الفاسي مع القضية الفلسطينية، إذ يجد القارئ في مقالاته الصحفية ومحاضراته الفكرية وخطبه الحزبية شهادات تؤرخ لمعظم تطورات هذه القضية منذ النكبة سنة 1948 والعدوان الثلاثي سنة 1956 إلى النكسة سنة 1967 وما تلاها من أحداث حتى وفاة الراحل سنة 1974.

النكبة المخجلة والفضيحة المؤلمة:

يبتدأ الزعيم علال بتحديد أسباب نكبة فلسطين بتحرير القول في اختلاف المحللين بشأنها، فمنهم من ربطها بتصاعد المد القومي العربي، الذي جعل من السعي إلى سحق “إسرائيل” ومحوها من الخارطة هدفا له، ومنهم من ردها إلى تحالف العرب مع المعسكر الشيوعي الذي دفع الغرب ليقف إلى جانب قيام إسرائيل، وبعضهم اعتبر السبب هو الاشتراكية العربية التي مزقت، حسب زعمه، العرب إلى تقدميين ورجعيين. في الوقت الذي حمل فيه آخرون الدول الرجعية العربية المتخلفة فكريا وتقنيا والتابعة لأمريكا مسؤولية النكبة.

يعتقد علال الفاسي أن “هذه الأسباب كلها ما كانت لتؤدي إلى هذه النكبة المخجلة والفضيحة المؤلمة”[1]  لولا سبب يعده السبب الوحيد للهزيمة المنكرة، والذي يحدده في “ضعف القادة، واعتمادهم على غير عقيدة الشعب الذي يريدون أن يقودوه إلى النصر”[2]، فهؤلاء القادة لم تخترهم شعوبهم، وإنما فرضوا أنظمتهم عليها فرضا، لذلك فلا بديل عن حركة شعبية ديمقراطية تتيح للأمة العربية “تقرير مصيرها، واختيار من يحكمها بنفسها”[3].

 يعطي الزعيم علال الفاسي الأولوية للقضية الديمقراطية على المستوى القطري ويجعلها مقدمة للوحدة على المستوى القومي والإسلامي، لأنه يعلم بحسه النقدي العالي، استحالة قيام الوحدة ونبذ الفرقة والتجزئة في ظل أنظمة قائمة على القمع والاستبداد. ومن أجل ذلك يتعين على الأمة الإسلامية، في المشارق والمغارب، مراجعة شاملة لأحوالها، و”تجمع كلمتها، وتدخل في نضال واحد، من أجل الحصول على حق تقرير المصير، إلى النضال الذي تريد، والحكم الذي تختار، والحكام الذين يحظون بثقتها”[4].

إن الأنظمة القطرية المستبدة كانت من أهم أسباب النكبة سواء فيما يتعلق بوأدها لإرادات شعوبها الحقيقية، أو بعدم ترك الفرصة للمقاومة الفلسطينية لتقوم بدورها ودعمها بالمال والسلاح بل تمت الوصاية عليها واستيعابها والتضييق عليها وتوظيفها ووأد كل مقاومة تلقائية ترمي إلى بعث النضال الحق وفتح آفاقه.

إن الصراع العربي الإسرائيلي هو في حقيقته صراع عربي وإسلامي ضد الصهيونية والإمبريالية، التي قطعت أوصال العالم العربي، بحيث، تم في هذا السياق اتخاذ القرار بفصل فلسطين عن سوريا الكبرى أولا، التي تم توزيعها إلى عقائديا إلى سوريا المسلمة، ولبنان المسيحي، وفلسطين اليهودية، وحيل دون بناء كيان فلسطين عربية حرة لا كدولة مستقلة ولا كجزء من كيان عربي موحد”[5].

إن لهذا الصراع على تهويد فلسطين جذورا عريقة تاريخية قديمة، “نتيجة تآمر يهودي – مغرق في القدم – على الإنسانية، يريد تكوين دولة يهودية، من النيل إلى الفرات، وتتحكم في رقاب الشعوب المجاورة لها اقتصاديا وسياسيا، كما تتحكم في سائر الممرات البرية والبحرية والجوية”[6]. وقد برز حديثا مع الحرب العالمية الأولى ووعد بلفور، مما جعل العرب يخوضون صراعا مع الانتداب البريطاني ومع الحركة الصهيونية، المدعومة من دولة الانتداب، التي ساهمت في تضليل الرأي العام العالمي بمبررات واهية تخفي الوجه البشع للصهيونية، التي كانت تدعي “تأسيس وطن قومي يأوي إليه المضطهدون من اليهود، كما كانت دعايتها تزعم، ولا تكوين دويلة روحية تحمي الديانة، وتقوم بالدفاع عن اليهود، إذا اضطهدوا في جهة ما”[7].

لقد نجح الصهاينة في إفساد الروح الوحدوية التي نادى بها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، مستغلين الغضب العربي والتركي على الحكم الفردي العثماني بالعمل على تفكيك الإمبراطورية العثمانية، والتآمر على إسقاط الخلافة، وتوظيف الماسونية، بحيث تمكن اليهود الذين “كانوا يركضون وراء الخيالات منذ خمسين قرنا. بعد أن زرع فيهم تيودور هرتزل بذور الصهيونية. قد أعلنوا كافة تخيلاتهم في الاجتماع الأول الذي عقده الصهيونيون في مدينة بازيل السويسرية، فقرروا هناك وضع الحجر الأساس لامبراطوريتهم  العالمية، التي سيكون مركزها القدس، وشعارها هيكل داوود”[8]

لا نريد التوقف النقدي مطولا عند مسألة تفسير الزعيم علال لتفكيك الإمبراطورية العثمانية، التي كانت مفككة أصلا، وعند مسألة سقوط الخلافة التي يضخمها السلفيون تضخيما كبيرا، بينما هي  تحولت قبل سقوطها، بسنوات كثيرة، إلى كيان شكلي آيل للتلاشي من تلقاء نفسه، وأصبحت نهايته أمرا حتميا ومسألة وقت لا أقل ولا أكثر. 

إن ما يهمنا، وبالدرجة الأولى، هو تصور علال الفاسي لنكبة فلسطين التي يربط بدايتها الفعلية بالاستعمار الفكري، حيث قول بخصوص هذا الأمر: ” “إن النكبة من هنا بدأت: من الاحتلال الفكري الذي تغلغل في نفوس أجيال قومنا، باسم التقدمية والديمقراطية والاشتراكية، دون تعمق لمعاني الأشياء ونفوذ لفحواها”[9]. فقد وظف الغرب تغلغل الصهاينة في الأوساط الماركسية والرأسمالية، وتقلدهم لعدد من مقاعد المسؤولية والنفوذ في الدول الكبرى، وتملكهم لواسل الإقناع والدعاية والإعلام التي وجهوا بها الرأي العام الوجهة التي يريدون.

لكن أعظم سلاح فتاك استعمله الصهاينة هو توظيف الكنيسة المسيحية خدمة لأغراضهم ومقاصدهم، من خلال استخراجهم لقرار من المجلس المسكوني يمسح عنهم العار الذي ظل حاجزا نفسيا بينهم وبين المسيحيين وهو عار إدانتهم بصلب المسيح. وفي هذا الصدد يستشهد علال الفاسي برد فعل ماسينيون حينما زاره في القاهرة سنة  1950  وأخبره برسالته إلى البابا التي كان يتوقع منها أن تحظى بالقبول لفائدة الحرية بالمغرب، فتبسم السيد ما سينيون قائلا لعلال:

لا فائدة، إن الفاتيكان يقبض المال من اليهود.

ولما رأى استغرابي، قال لي:

لا تعجب فإن ذلك واقع، ولن يمنعني من أبقى مسيحيا”[10].

هكذا، وفيما يشبه الخلاصة الجازمة يعتبر علال أن سبب تأييد العالم لإسرائيل هو “الاحتلال الفكري”، الذي يتجلى في تأثير الصهيونية على الكنسية المسيحية، وعلى مختلف الأوساط الجامعية الغربية والمنتديات الفكرية الدولية، بما يجعل علال لا يستغرب أن يجد دولا من أوروبا الشرقية والغربية ومن أمريكا الشمالية والجنوبية تؤيد القضية الصهيونية وتدعمها سياسيا واقتصاديا وعسكريا، بما يجعل معه من الشبه المستحيل الإدانة الدولية لجرائم إسرائيل المستمرة.


Allal al-Fassi y la Causa Palestina

Primera parte : La catástrofe vergonzosa y la dolorosa humillación

No es extraño que los marroquíes, cuyo nombre lleva una de las puertas de la Ciudad de la Paz, la Justicia y la Libertad, Jerusalén (Bab al-Maghariba), consideren la causa palestina como su propia causa nacional, al mismo nivel que otras cuestiones nacionales relacionadas con la liberación territorial y económica, y la consolidación de una construcción democrática seria y genuina.

Los pensadores del movimiento nacional marroquí nos han legado un rico y valioso legado sobre esta noble causa humanitaria. Es difícil para los investigadores del pensamiento contemporáneo marroquí abarcar todos sus detalles, desde los artículos de Allal al-Fassi hasta cientos de escritos, conferencias, estudios y simposios de figuras como Mohamed bin al-Hassan al-Wazzani, Mohamed Boutaleb, Abdallah Ibrahim, pasando por las reflexiones matutinas de Abdallah Laroui, las excavaciones de Al-Jabri y las meditaciones de Taha Abderrahman.

Este artículo no pretende ser un análisis académico neutral, ya que en las luchas contra el mal radical del colonialismo, el racismo, los genocidios y las limpiezas étnicas, no se puede ser imparcial. Es necesario adoptar una postura ética a favor de la justicia, la libertad y la democracia, siguiendo el ejemplo de los pensadores marroquíes, cuyas obras están cargadas de emociones éticas nobles, en contraste con los sentimientos racistas y bárbaros de los defensores del sionismo y de algunos intelectuales occidentales, cegados por prejuicios que les impiden percibir la verdad con claridad.

Dedicaremos una parte importante de este artículo a las interacciones de Allal al-Fassi con la causa palestina. Sus artículos periodísticos, conferencias y discursos políticos ofrecen testimonios históricos sobre los principales acontecimientos de esta causa, desde la Nakba de 1948, la agresión tripartita de 1956, la derrota de 1967 y los eventos posteriores hasta su muerte en 1974.

La catástrofe vergonzosa y la dolorosa humillación

Allal al-Fassi analiza las causas de la Nakba palestina señalando las discrepancias entre los analistas. Algunos la atribuyen al auge del nacionalismo árabe, cuya meta era aplastar a Israel ; otros a la alianza árabe con el bloque comunista, lo que llevó a Occidente a apoyar la creación de Israel. Algunos culpan al socialismo árabe por dividir a los árabes en progresistas y reaccionarios, mientras que otros responsabilizan a los regímenes árabes reaccionarios, dependientes de Estados Unidos.

Para Al-Fassi, todas estas razones no habrían conducido a la catástrofe sin la verdadera causa : « la debilidad de los líderes y su falta de conexión con los ideales del pueblo que querían llevar a la victoria ». Estos líderes no fueron elegidos por sus pueblos, sino impuestos. Por ello, aboga por un movimiento democrático que permita a las naciones árabes « decidir su destino y elegir a sus propios gobernantes”.

Al-Fassi da prioridad a la cuestión democrática a nivel nacional como base para la unidad árabe e islámica. Reconoce que la unidad y la superación de las divisiones son imposibles bajo regímenes autoritarios. Por lo tanto, insta a las naciones islámicas a realizar una revisión completa de su situación, unir sus esfuerzos y luchar por su derecho a la autodeterminación.

Denuncia a los regímenes opresores como responsables de la Nakba, no solo por reprimir las voluntades genuinas de sus pueblos, sino también por impedir que la resistencia palestina desempeñara su papel. En lugar de apoyarla con recursos y armas, estos regímenes la sometieron, restringieron y manipularon, sofocando todo intento de resistencia auténtica.

El conflicto árabe-israelí

Para Al-Fassi, este conflicto es esencialmente una lucha árabe e islámica contra el sionismo y el imperialismo. La partición de Palestina comenzó con la decisión de separarla de la Gran Siria, dividiéndola en una Siria musulmana, un Líbano cristiano y una Palestina judía, impidiendo el establecimiento de un Estado palestino libre, ya sea independiente o como parte de una entidad árabe unificada.

Al-Fassi considera que el proyecto de judaización de Palestina tiene raíces históricas profundas. Lo describe como un « complot judío antiguo » para establecer un Estado entre el Nilo y el Éufrates, que domine política y económicamente a los pueblos vecinos. Este proyecto tomó forma moderna con la Primera Guerra Mundial y la Declaración Balfour, iniciando el conflicto árabe con el mandato británico y el movimiento sionista, que engañó a la opinión pública mundial con falsas justificaciones.

Además, Al-Fassi destaca cómo el sionismo utilizó su influencia en los círculos capitalistas y marxistas, así como en los medios y la propaganda, para orientar la opinión pública internacional a su favor. Uno de los instrumentos más efectivos, según él, fue la manipulación de la Iglesia cristiana, logrando que un concilio ecuménico borrara la acusación contra los judíos por la crucifixión de Cristo, lo que facilitó su relación con los cristianos.

Al-Fassi concluye que el principal motivo del apoyo mundial a Israel es “la ocupación intelectual », que ha influido en la Iglesia, las universidades y los foros internacionales, asegurando un respaldo político, económico y militar continuo, dificultando cualquier condena global a los crímenes de Israel.


* أستاذ مختص في الفلسفة السياسية بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء.

[1] – علال الفاسي، القضية الفلسطينية والقدس في الفكر والوجدان، إعداد المختار باقة، الرباط، مؤسسة علال الفاسي، ط1، 2018.ص9.

[2] – نفسه

[3] – نفسه

[4] -نفسه

[5] -نفسه، ص11

[6] – نفسه، ص 12 و13

[7] – نفسه

[8] – نفسه، ص15

[9] – نفسه، ص16

[10] – نفسه، ص20

مقالات ذات علاقة

حتى أجدك.. أتنبضك!

إشبيليا الجبوري (العراق)

بلاد الواق واق

عبدالناصر عليوي العبيدي (سوريا)

قصائد فاطمة* ما أجملها لو لم تكن تكذبْ!

فراس حج محمد (فلسطين)

اترك تعليق