حكايات وذكريات – سيرة قلم 54
وكأي مواطن ليبي يهمه هذا الأمر.. تساءلت وقلت: على أي شيء استند إعلان مركز الجهاد المشار إليه.. ولماذا يقوم هذا المركز بالذات بمهمة حصر: (أسماء المجندين الذين حاربوا مع إيطاليا في الحبشة وإريتريا والصومال.. وفي الحرب العالمية الثانية.. والموظفين والعمال الليبيين في الإدارة الاستعمارية الإيطالية منذ سنة: 1911 وحتى عام: 1942م).
لماذا لم يقم مثلا.. بحصر أسماء الضحايا الذين قتلوا في معتقلات الإبادة الجماعية.. الذين تحدث عنهم مصطفى العقاد في مقابلة له مع مجلة الدستور اللندنية.. فقال يرحمه الله:
(إن قيامي بإخراج فيلم عمر المختار في ليبيا، جعلني أكتشف ولأول مرة مدى فظاعة جرائم الفاشيست الطليان في ليبيا، حيث قتل الجنرال رودلفو غراتسياني – أثناء محاولاته اليائسة تنفيذ خطته في ترسيخ الاستيطان الاستعماري في ليبيا – 200,000 نسمة من المواطنين الأبرياء خلال ثلاث سنوات فقط .. وقبل عثوره على الثائر عمر المختار واعتقاله).
وقد وجدت الإجابة عن تساؤلي هذا في نص: (معاهدة الصداقة والشراكة والتعاون بين ليبيا وإيطاليا).. التي استند عليها مركز الجهاد دون شك.. والتي تنص الفقرة: (د) من المادة: 10 منها على فحوى إعلان مركز الجهاد.. التي تتحدث عن: (استئناف دفع معاشات التقاعد للمستحقين الليبيين من مدنيين وعسكريين ولورثتهم المستحقين لها بموجب اللوائح الإيطالية النافذة).
وقلت في مقالتي (هفوة أخرى من هفوات مركز الجهاد) التي أشرت إليها سابقا.. إلى أن هذه المعاهدة فرصة طيبة لإعادة الحقوق إلى أهلها.. وقلت بأنني لست ضد دفع المستحقات المترتبة على غزو إيطاليا لبلادنا.. ولكنني ضد أن يأخذ (المجندون الذين حاربوا مع إيطاليا… والموظفون والعمال الليبيون في الإدارة الاستعمارية الإيطالية منذ سنة: 1911 وحتى عام: 1942م).. تماما كما نصت المعاهدة.. يأخذوا حقوقهم كاملة.. ويحرم منها الضحايا الأبرياء.. والمجاهدون العاملون لحساب الوطن.
وقلت أيضا كيف تسكت تلك المعاهدة عن ضحايانا في معتقلات الإبادة الجماعية.. ؟ ولقد قرأت نص المعاهدة بالكامل ولم أعثر ولو على إشارة من بعيد لضحايا هذه المعتقلات.
انظروا كيف استثمر اليهود ضحايا أفران الغاز المزعومة وبالغوا في أعداد قتلاهم حتى وصلوا بها إلى: 6 ملايين بينما أعدادهم ذلك الوقت في أوروبا بأسرها.. لم يكن يتجاوز في أكثر التقديرات: 3 أو 4 ملايين نسمة.
انظروا كيف أرغموا ألمانيا على الرضوخ لمطالبهم وأشعروها بعقدة الذنب التي ضلت تلازمها رغم المليارات التي دفعت ولا تزال.
انظروا أيها السادة.. كيف استثمر اليهود (كذبتهم الكبرى).. وبالغوا في أعداد قتلاهم حتى شعر العالم كله بعقدة الذنب.. فمنحهم فلسطين وطنا لهم.. لعلهم يرضون.
وانظروا كيف ترغم إسرائيل اليوم جميع رؤساء الدول التي يزورنها.. على زيارة النصب التذكاري لضحايا (الهولو كوست) في القدس.. وصدق مؤلف كتاب الأكذوبة الكبرى الذي يقول: (ومما يؤسف له أن عشرات الألوف تلك.. تحولت إلى ملايين ستة.. عرفت إسرائيل كيف تنشد لهم الأغاني الحزينة.. والأناشيد الجنائزية لتجعل العالم يعيش وسيعيش في عقدة الإحساس بالذنب تجاههم).
الفرق بين ضحايانا وضحايا اليهود
وانظروا مرة أخرى أيها السادة.. أو بالأحرى (لا تنظروا).. فليس ثمة نصب تذكاري واحد يذكرنا ويذكر زوارنا.. أو أجيالنا القادمة بضحايانا في معسكرات الإبادة الجماعية.. التي يتم تجاهلها وطمسها من ذاكرة الوطن.. رغم أنها تعد ــ وباعتراف العديد من مؤرخي العالم: (من أكبر الجرائم البشرية التي ارتكبت في العصر الحديث).
نعــم.. من أكبر الجرائم التاريخية في العصر الحديث.. إلا أن ضحاياها للأسف الشديد.. لا بواكي لهم.. وحسب تقديراتي الخاصة.. ومن خلال اطلاعي على ما كتب عن معسكرات الفاشيست.. أقدر عددها بما يقارب 25 معسكرا في برقة للاعتقال والإبادة الجماعية.
مجــرد اقتــراح:
وقد اقترحت في نهاية مقالتي تلك.. التي نشرتها عام: 2009.. تعديل معاهدة الشراكة والصداقة الليبية الإيطالية المشار إليها.. لتشمل ضحايا المعتقلات وغيرها.. وقلت: الأمر في أيدينا أيها السادة.. وذلك بموجب الفقرة: 4 من المادة: 23 من المعاهدة التي تقول:
(يمكن تعديل هذه المعاهدة بموجب اتفاق مسبق بين الطرفين.. وتدخل التعديلات المقترحة حيز التنفيذ فور استلام الإخطار الثاني الذي يبّلغ بموجبه أحد الطرفين الطرف الآخر رسميا بإنجاز الإجراءات الداخلية الخاصة به بذلك).
(وَقَلِيلٌ مَا هُمْ):
سؤال لابد منه: هل ثمة من كتَّاب (ما بعد فبراير) من عبر عن رأيه بكل وضوح.. وكتب ونشر (في تلك الفترة) لله ثم للوطن.. بلا مقابل.. ودونما خوف.. ؟.. نعم هناك من فعل ذلك.. ولكنهم قليل.. قليل جدا..!!!