الطيوب | متابعة وتصوير : مهنّد سليمان
استذكارٌ لمسيرة إبداعية خالدة
في إطار الاحتفاء بأحد رموز شعراء الأغنية الليبية، أقامت الجمعية الليبية للآداب والفنون بالتعاون مع إذاعة طرابلس المحلية أمسية ثقافية استحضرت تجربة الشاعر والفنان الراحل فرج المذبل، وذلك مساء يوم الثلاثاء 25 فبرايرالجاري بقاعة المحاضرات في القبة الفلكية بطرابلس. جاءت هذه الأمسية تحت عنوان “رحلة عطاء”، حيث تولى تقديمها الشاعر محمد الدنقلي، وشارك فيها المخرج علي خليفة علي، إلى جانب عدد من المثقفين والفنانين الذين قدموا شهاداتهم حول مسيرة المذبل.
فرج المذبل.. شاعر ومخرج أثرى المشهد الفني
وسلّط المخرج علي خليفة علي الضوء على فرج المذبل باعتباره أحد رموز التجديد في الأغنية الليبية، مشيرًا إلى أنه كان جزءًا من جيلٍ ساهم في إحداث تحوّل واضح في الأغنية المحلية من حيث الشكل والمضمون. وبيّن أن عقد الستينات كان فترة غنية بالتحولات الإبداعية عالميًا، ما انعكس على المشهد الفني في ليبيا، حيث تفاعل الفنانون والشعراء مع التيارات الفكرية والفنية السائدة آنذاك.
كما أوضح علي خليفة أن هذه الحقبة شهدت بروز أساليب جديدة في المسرح والسينما والتلفزيون، بالتزامن مع ظهور ما عُرف بـ “المخرج المؤلف” في فرنسا، وهي المدرسة التي انتمى إليها المذبل وأثرت في رؤيته الفنية. ونتيجة لذلك، قدم المذبل العديد من البرامج التلفزيونية التي وظف فيها اللغة البصرية لخدمة الكلمة الشعرية، كما أسس لخطاب بصري يتواءم مع رؤيته الإبداعية، وهو ما ظهر جليًا في أعماله الغنائية مثل:
متغيرين
يصعب علينا
هز الشوق حنايا الخاطر
زاهيات معاك أيامي
ونست عيني الساهرة المشتاقة
“الوعد”.. تجربة بصرية تعكس فكر المذبل
فيما توقّف المخرج علي خليفة علي عند الأغنية المصورة “الوعد”، التي أخرجها فرج المذبل، مؤكدًا أنها مثال واضح على قدرته في تطويع الصورة لخدمة المعنى الشعري والموسيقي. وأشار إلى أن المذبل، بفضل حسه الفني، استطاع أن يؤسس خطابًا بصريًا ينسجم مع النصوص التي يكتبها، مما جعل أعماله تتميز بجمالية خاصة.
وأضاف علي خليفة أن المذبل ومجايليه من شعراء الأغنية أعادوا تشكيل الكلمة الشعرية، فصبغوها بمضامين تعبيرية راقية، التقطوا من خلالها اللحظة الشعرية بذكاء، ما منحها بعدًا إنسانيًا عميقًا. كما استعرض على شاشة العرض مجموعة من الأعمال الغنائية التي كتبها المذبل، مشيدًا بقدرته الفذة على اختيار كلماته بعناية فائقة، حيث شكل بها صورًا شعرية مميزة أثرت في الوجدان الليبي.
شهادات في حق المذبل.. شاعر لم يكرر نفسه
خلال الأمسية أيضا، قُدّمت شهادات حية حول تجربة فرج المذبل، حيث تحدث السيد جمال محمد النويصري عن الإرث الكبير الذي تركه الشاعر الراحل، والذي لا يزال حاضرًا في وجدان عشاق الأغنية الليبية.
من جانبه، تناول الكاتب والقاص محمد المسلاتي تجربة المذبل الإبداعية، مؤكدًا أنه تعامل مع الكلمة برؤية متجددة ومتنوعة، حيث حملت أغانيه مضامين إنسانية تعبر عن وجدان كل مستمع. وأضاف أن المذبل كان شاعرًا لا يكرر نفسه، بل سعى دائمًا إلى تقديم أعمال جديدة تعكس رؤيته الفنية المتطورة.
كما استعرض المسلاتي البدايات الشعرية للمذبل من خلال ديوانه الأول “الرباعيات يا صاحبي”، والذي حمل بصمة خاصة في تناول هموم الإنسان بلهجة عامية قريبة من الفصحى، ما جعل كلماته تمتلك تأثيرًا واسعًا في وجدان المستمع.
وفي سياق الحديث عن الشراكات الفنية، أشار المسلاتي إلى العلاقة الإبداعية التي جمعت فرج المذبل بالمطرب عادل عبد المجيد، والتي أثمرت عن أعمال متميزة ساهمت في تشكيل قاعدة جماهيرية كبيرة، وعملت على الارتقاء بالذائقة الفنية لدى المستمع الليبي.