سرد

شظايا الروح المبعثرة

Heap of Faces 2020 Adnan Meatek Ink On paper 32 x 42 cm ركام من ملامح سابقة 2020 عدنان بشير معيتيق
Heap of Faces 2020 Adnan Meatek Ink On paper 32 x 42 cm ركام من ملامح سابقة 2020 عدنان بشير معيتيق

اشتد البرد على جسدي، كأنه ألف إبرة تغرز في جلدي الهش، واستسلمت أخيرًا لفكرة الموت، تلك الفكرة التي تسللت كغريبٍ إلى زوايا عقلي المُرهق. أصبحت غير قادر على رفع جفوني، وكأنها محاصرة بأثقال خفية. أنفاسي تتباطأ بمرور الوقت، وكأن الحياة تنسحب من داخلي بخطوات متثاقلة، لا عجلة فيها، فقط انتظار صامت.

ارتخت أعضائي كلها، ولم يعد لجسدي سوى إحساس الوخز البارد في قدمي، إحساس أشبه بشبحٍ يُداعبك، لا ليطمئنك، بل ليذكّرك أنك هنا، على حافة النهاية. فجأة، وسط هذا السكون، بدأت أسمع همسات بعيدة، كأنها أنين أرواح غاضبة أو أصوات عتاب تتردد في أذنيَّ:

لماذا هذا الخضوع؟ لماذا تُسلم مفاتيح روحك للظلام؟ هل تظن أنك وحدك تحمل عبء هذه الحياة؟ انظر حولك… كل أفراد جيلك، كل من عرف هذه القسوة، قاوموا. لم يتوقفوا كما فعلت. لماذا أنت بالذات اخترت الركود؟

نعم، توقفت، ليس لتأخذ قسطًا من الراحة، بل لتغرق في ندب حظك، متناسيًا أن الحياة تمضي دائمًا، لا تنتظر المتخاذلين، بل تدوسهم ببرود. انظر إلى أصدقائك، أين هم الآن؟ نفس الرياح التي عصفت بك ضربتهم، وربما أقسى، لكنهم لم يختبئوا خلف عزلتهم.

أنت لست ضحية الظروف، بل ضحية أفكارك، ضحية ذاك الصوت الداخلي الذي يتلذذ بمعاقبتك، الذي يجعلك أسير الندم، غارقًا في مستنقع الماضي. لكن اسمعني الآن…

انهض! ما تشعر به ليس الموت. افتح عينيك! انظر إلى نافذتك المكسورة. هذا البرد القاتل ليس قادمًا من المجهول، بل من شقوق تركتها مهملة. الموت ليس خيارك، ولا يأتي حين تدعوه، بل حين يخيفك أكثر من اللازم.

وما تشعر به في قدميك؟ لا، ليست أنياب الموت تنهش جسدك. تلك الفئران البائسة وجدت طريقها إلى برد قدميك، لكنها ليست من سلبت منك الأمل. أنت من سمحت لها بالاقتراب، أنت من تركت نفسك عاريًا، مستسلمًا.

انهض! أنا صوتك، أنا روحك التي تحترق خلف قضبان عزلتك. أنا هنا لأقول لك: الحياة ليست ما فقدته، بل ما يمكنك استعادته.

انهض، ودع الماضي للرماد. قاوم كل شيء، كل ألم، كل خيبة، كل خذلان. لا يهم إن لم تُعجب فتاة، ولا يهم إن لم تكمل ما طُلب منك في وقته.

ما يهم هو أن تنهض الآن. العالم لا ينتظرك، لكنه أيضًا لا يملك حق أن يسلبك فرصتك. أنا هنا، روحك المعذبة، أمد يدي لك. انهض، ودعنا نبدأ من جديد.

مقالات ذات علاقة

تخاريف جدي

عائشة الأصفر

كتالوج حياة خاصة

نجوى بن شتوان

رواية الحـرز (21)

أبو إسحاق الغدامسي

اترك تعليق