في زيارة سريعة عقب صلاة المغرب لهذا اليوم (23/12/2024م) استمتعتُ بتجولي وسط فضاء متنوع يزخر بفيوض مشاعر حسيّة ووجدانية رقيقة أهداها إلينا الأستاذ مختار دريرة بتكويناته التشكيلية وما احتوته من متعة بصرية فنية ومقتنياته القديمة من الأجهزة والمعدات المختلفة وبثها في ربوع المكان أنغاماً موسيقية وأغاني طربية وفرت للزائر بهجة إضافية.
لا أعرفُ الأستاذ مختار دريرة رساماً أو تشكيلياً بالمفهوم التقليدي المتعارف عليه، ولكن من الواضح أن روحه تهفو لكل ما يمت للجمال بصلة وللفن والطرب ما يجعله يرتقي بذائقته بدرجة تتعالى فيها قيم الفن والجمال الحقيقية، فتجده يعانق تشكيل الحرف بخطوط واتجاهات وألوان متعددة في لوحات وتكوينات مختلفة، وعند تأمل هذه التشكيلات تكتشف أنها ليست مجردة بلا معنى، بل تحمل في ثناياها الكثير من الأقوال المأثورة والحكم مثل (ضاع من كان له مقصد غير الله) و(من طلب عزاً بباطل أورثه الله ذلاً بحق) و(اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وهذه الحكم يبثها في لوحاته بشكل أفقي أو عمودي أو مائل تظهر بألوان ترتاح لها عين الناظر فيستطيبُ له تأملها والتمعن في دلالاتها وليكتشف كذلك بأن الأستاذ مختار دريرة يستخدم رموزاً وأيقونات تعيش فينا ومعنا مثل الخميسة والحويتة، التي ترسخت لدى الكثيرين بأنها تبعد الحسد وتحفظ من العين، كما أنه يوثق في رسوماته مسمياتنا المحلية لبعض الظواهر الجوية والمناخية مثل (قرة العنز) و(انتهاء العزارة،) وغيرها.
والأستاذ مختار دريرة يضمن إحدى لوحاته ذات الوجه الأزرق رسالته الحبية التي عنونها (أحببتكم جميعكم) ويقول فيها (يا إخواني وجيراني، ويا أيها الذين يمرون ببابي كل يوم، إنني أود أن أناجيكم في نومكم وفي وادي أحلامكم. أود أن أمشي مطلقاً عارياً فإنَّ ساعات يقظتكم أشد غفلة من نومكم وآذانكم المثقلة بالضجيج كليلة صماء، لقد أحببتكم كثيراً وفوق الكثير قد أحببت الواحد منكم كما لو كان كلكم، وأحببتكم جميعاً كما لو كنتم واحداً. ففي ربيع قلبي كنتُ أترنم في جناتكم، وفي صيف قلبي كنتُ أحرس بيادركم.)
إن كل ذلك العالم التشكيلي التراثي الشعوري الذي يلظمه الأستاذ مختار دريرة يهديك رحلة تسمو بروحك في براح يمتزج فيها اللون بالطرب بالأدوات والمعدات القديمة فيعود معها كيانك الإنساني إلى الماضي بروح نوستالجيا الحنين إلى زمن تحبه حتى وإن مضى ورحل بعيداً عنك، إلاّ أن الأستاذ مختار دريرة بريشة خطوطه وذائقة مقتنياته يعيده إليك ويرجع بك إلى أحضانه في أجواء لا تفتقد الغوص في تأمل أبعاده وذكرياته ودلالاته وكل لحظاته لتظل راسخة في الذاكرة فتبعث الكثير من البهجة في النفس وتهدي الأستاذ مخنار دريرة أسمى آيات الشكر والثناء على هذا الفضاء الفني الجميل.