المقالة تشكيل

المغترب

التشكيلي الليبي عبدالمنعم بن ناجي (الصورة: عن عدنان معيتيق)
التشكيلي الليبي عبدالمنعم بن ناجي (الصورة: عن عدنان معيتيق)

من التجارب  الرائدة في التشكيل الليبي كانت تجربة “عبدالمنعم بن ناجي”  ليس ريادة التأسيس بل ريادة التجديد, فعبدالمنعم بن ناجي لم يكن من الرواد الاوائل الذين اسسوا للوحة الليبية او التشكيل بمفهومه الحديث, اعني اللوحة المفصولة عن زخارف الحرفيين ومنسوجات النساء, اللوحة كعمل فني جمالي, يرسم على سطح جديد هو اللوحة, بعد ان كان ولزمن طويل   ومنذ بداياته, ليس اكثر من زخارف لتزيين السلعة كالفخار او النسيج او مشغولات الفضة, كان تلك اللوحة قد بدأت تظهر في المشهد الليبي مع الاستعمار الايطالي وتأثر الليبيين بفنهم.

عبدالمنعم بن ناجي ولدراسته بأوروبا وسفره واطلاعه على الفنون التشكيلية التي ترسخت و سادت اوروبا منذ نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين, عاد الى ليبيا متشبعا وعاشقا للتجديد وكانت ليبيا في تلك الفترة ” منذ بداية ستينيات القرن العشرين ” قد بدأت مطامح وملامح الحداثة تظهر فيها, وبدأ الفن التشكيلي يحتل مكانه في المشهد الثقافي الليبي كعنصر مكون وهام لهذا المشهد, كانت اللوحة الليبية قد بدأت تحتل مكانها على جدران المكاتب والمدارس والجامعات وكانت المعارض قد بدأت تقام لهذا الفن ويدرس في المدارس والمعاهد .

كانت تجارب الرواد الاوائل ترسم ملامح الحياة الليبية، ويحتل الريف والمدينة والعادات والتقاليد واشكال المعمار الليبي القديم المساحة الاكبر في تلك الاعمال والتجارب، كانت في غالبها اعمالا يظهر فيها الاثر الاوروبي وفن المستشرقين جليا، لم تكن ذات الفنان الفرد حاضرة بتلك الاعمال، بل كانت في غالبها اعمالا تصور ثقافة وتقاليد وموروث مجتمعها، كانت ذات الفنان تتخفى خلف المشهد.

“بن ناجي” رائد جيل جديد، جيل تكون في المدينة الحديثة بمؤسساتها وثقافتها الحديثة التي بدأت تتشكل، مدينة “ما بعد الاستعمار ” واحلام النهضة والحرية، الحرية التي لم تعد تعني طرد المستعمر ونيل الاستقلال، بل صارت تعني حرية مواطن ” ما بعد الاستقلال“.                

“بن ناجي” كان من اهم فناني ذلك الجيل رغم قلة اعماله، كان ينظر الى الامام متطلعا لفن حديث يعبر عن طموحات ذلك الجيل في النهضة والتقدم واللحاق بالحداثة لذا جاءت اعماله ومنذ بداياته متأثرة بالمدارس الفنية الحديثة واهمها في تلك المرحلة كانت “الانطباعية”.

 تأثر “بن ناجي” بهذا التيار الهام لم يكن تقليدا ولا ركضا وراء موضة فنية بل كان، لان تلك المدرسة كانت تتيح للفنان براح التعبير عن الذات ورؤاها للحياة والمجتمع وللكون كله، كانت مدرسة وتيار انفكاك الفنان وتحرره من الاطر التي قيدته الى افاق أكثر حرية وتفردا.

ذلك الانفكاك والخروج من الاطر، لم يكن ممارسة للحرية والاستقلال والفردية فقط بل كان خطوة الفنان الاولى في اغتراب الذات وغربتها عن الجماعة والمجتمع، والبحث عن اطر جديدة وفضاءات أكثر براحا تتيح للفنان ممارسة عزلته وفرديته.

بن ناجي”وفي مرحلة الطموحات الاجتماعية الكبرى في التعليم والصناعة والزراعة وحتى الفنون ومعارك التحرير والنهضة، زمن نكران الفرد لذاته من اجل اهداف الامة، كان يرسم معبرا عن ” مركزية الانسان ” وهمه الوجودي كأهم عوامل تحقيق النهضة والحرية والاستقلال للإنسان اولا ومن ثم للامة.  

 “عبدالمنعم بن ناجي” وعبر لوحاته القليلة، قدم لنا اغتراب الانسان وعلاقته بالمجتمع وبالآخر تحديدا، حتى تبدو تلك الاعمال تعبيرا وتصويرا للانكفاء على الذات واغتراب الفنان عن محيطه، ولا نرى انفتاح تلك الذات الا على الطبيعة في بعض اللوحات حيث تظهر لنا الطبيعة بألوانه الانطباعية مانحة ايانا انغام شجن شفيف.

تجربة “بن ناجي” تمثل التماعة الذات روح الفنان الفرد المختلف وتعبيرها عن وجودها واغترابها ورفضها للواقع وتطلعها لآفاق جديدة بألوان وتكوينات جديدة ورائدة في التشكيل الليبي.

مقالات ذات علاقة

شكرا ليالي طرابلس لكنكم نسيتم حجر الاساس حين تجاهلتم فوزية شلابي

زكريا العنقودي

البطل الليبي

المشرف العام

من مقالات منتصف اللّيل في رسالة نبيّه عن الإسلام

المشرف العام

اترك تعليق