الثلاثاء, 1 أبريل 2025
طيوب النص

الأثر

الأثر، مقالة الكاتبة الليبية خيرية فتحي عبدالجليل، حول الراحل الناجي الحربي
الأثر، مقالة الكاتبة الليبية خيرية فتحي عبدالجليل، حول الراحل الناجي الحربي

كان ممر جبلياً رائعاً ذاك الذي سلكته في سبيل الوصول إليه فيما مضى .. كان كل شيء يبعث على السكينة ويوحي بالطمأنينة ويشعرك بالهدوء والبهجة .. ويغمر نفسك بسلام فريد يمجده حضور الربيع .. كنتُ أهيئ نفسي لاستقباله .. وعندما رفعتً يدي لأطرق باب داره وجدتها ترتعش ثم تسقط بوهن في إيماءة يأس وقنوط ..ووجدتني أتهالك مترنحة أمام داره الشامخة .. ربما خوفاً .. ربما رهبة .. ربما خجلاً .. لا أدري لماذا .. ؟ وعندما تمالكتُ نفسي ووقفت لم أصدق بأن هناك بيتاً لا باب له .. أخيراً دخلت .. جذبني خيط رفيع من ضوء شمعة وقادني إليه .. وجدته يتصدر غرفته الشاحبة المضاءة بضوء خافت شاحب لشمعة تتجلى جمالاً لروعة امتزاج ضوؤها بضوء القمر .. وجدته نحيلاً كأشد ما يكون النحول .. سامق .. أسمر كشأن كل الذين يقتاتون من قلوبهم ويشربون من ماء عروقهم .. جالساً أمام مدفأته العتيقة ودفاتره المكدسة دون نظام .. تتبعثر أوراقه التي تشاغب ديكوراً غاية في البساطة والروعة .. عندما استقبلني بحفاوة هب واقفاً كالعاصفة تماماً .. ورغم كل شيء فلقد ملأت رائحة كالمسك المكان

كنت فقد أريد التعرف إليه … أريد احتساء فنجان من القهوة معه .. والجلوس في بهو داره واكتشاف عوالمه المثيرة .. لكنه قدم لي شيئاً أخر جعلني أرتجف .. قدم قلباً شفافاً كالزجاج .. حياً ينبض بين يديه النحيلتين المعروقتين نبضاً رتيباً هادئاً حنوناً كشأن كل قلوب الآباء أو الأخوة الأشقاء .. كان قلباً طيباً ينبض بكل المعاني السامية .. كنت أنظر إليه ولا أصدق ..

أيوجد من يملك مثل هذا الشيء الثمين .. ثم يكون مثلنا ؟

يأكل .. يشرب .. ينام .. ويمشي في الأسواق .. ؟!!

وكان لابد لي أن أترك أثراً .. هذه الكتلة الحية النابضة تغريني بالنقش ..أنقش حرفاً.. أسماً .. عنواناً … أي شيء .. كان لا بد لي أن أترك أثراً يدل على هويتي وأرحل .. فتركت دعائي الطويل، كلماتي التي كانت تسقط بين يدّي هذا القلب الرحيم وأنا في بداية الطريق  .. لكنني الآن عندما  ألتفتُ إلى الخلف .. أجد  الشمعة التي كانت ترسل خيطاً رفيعاً يقودني إليه تتوهج .. ترتعش ذبالتها إيذاناً بالانطفاء .. أجد ضوء القمر ساطعاً .. يبعث أشعته شاهداً على زيارتي إلى صفحته الشخصية وتنقلي  بهدوء  بين منشوراته  وأنا أبعثر نظراتي القلقة، أتعثر وأدعو له بالشفاء.

الله يرحمك  يادكتور الناجي الحربي.

مقالات ذات علاقة

الشوق يغازل زهرة

محمد محمد الأبي

القصيدة العذراء … (فاطمة) سيميائية الماء

عبدالسلام سنان

عتاب

فتحي محمد مسعود

اترك تعليق