السبت, 29 مارس 2025
قصة

حكايات من مقعد في الصف الأخير

المقعد الأخير (الصورة من اختيار الكاتبة هيفاء نورالدين)
المقعد الأخير (الصورة من اختيار الكاتبة هيفاء نورالدين)

أنا أجلس في المقعد الأخير. المقعد الذي يليق بالأرواح التي لا تحب الأضواء، ولا تسعى إليها. في المقدمة يجلس الأبطال، أولئك الذين يرفعون أيديهم للإجابة قبل أن ينطق المعلم السؤال، وكأنهم متأكدون أن الحياة تدين لهم بكل شيء.

في الوسط يجلس العاديون، الذين لا يبالغون في الذكاء، ولا يعانون من الغباء القاتل. يعيشون على الهامش، يرفعون أيديهم أحيانًا، ويتجاهلون ذلك أحيانًا أخرى. هؤلاء هم من سيصبحون محاسبين ومهندسين وأطباء لديهم قروض لا تنتهي.

أما نحن، أهل المقعد الأخير، فلسنا جزءًا من أي تصنيف عقلاني. نحن الذين نقضي الحصة في تأمل تصدع الجدار، أو في تحليل الطريقة التي يضع بها المعلم نظارته على أنفه. نحن الذين لا نرفع أيدينا أبدًا، لأننا نعرف أن السؤال غير مهم، والإجابة أكثر تفاهة.

هنا في الصف الأخير، تعلمت أن الحياة لا تمنح الجوائز لمن يحفظ كتاب الكيمياء عن ظهر قلب، بل لأولئك الذين يعرفون كيف يخفون كراسة الواجب قبل أن يصل إليهم المعلم. تعلمت أن الحفظ لا ينفع، لأن كل شيء سيتغير يومًا ما، وأن أهم درس في الرياضيات هو كيف تحسب الوقت المتبقي حتى انتهاء الحصة.

لكن، في المقابل، نحن أكثر الناس إدراكًا للحياة. نحن من نراقب المعلم وهو يحاول أن يبدو صارمًا بينما يخفي ضحكته، نحن من نرى الفتاة في الصف الأول تحدق في زميلها دون أن يلاحظ، نحن من نعلم أن المقعد الأخير ليس مكانًا للهزيمة، بل هو مقعد الفلاسفة، والمراقبين، والساخرين من هذه المسرحية اليومية التي يسمونها المدرسة.

وكل يوم، عندما يرن الجرس معلنًا نهاية الدوام، نكون أول من ينهض، ليس لأننا نكره المدرسة، بل لأننا نعلم أن العالم خارج الفصل أكثر اتساعًا، وأن الحياة الحقيقية تبدأ بعد الحصة الأخيرة.

مقالات ذات علاقة

تشكيلٌ

غالية الذرعاني

اقوى من الحب

المشرف العام

العجائز بركتنا …

فهيمة الشريف

اترك تعليق