ترجمات طيوب عربية

علال الفاسي والقضية الفلسطينية – الحلقة الثانية

الكاتب والأديب والمفكر المغربي علال الفاسي
الكاتب والأديب والمفكر المغربي علال الفاسي

السلام الممكن: الدولة الديمقراطية اللادينية

انتهينا في الحلقة السابقة عند سيطرة الحركة الصهيونية على الرأي العام الغربي والمجتمع الفكري الغربيين، لا فرق بين يمينهم ويسارهم، هذا اليسار الاشتراكي الذي يعتبره علال فاسي مجرد لون جذاب لملابس مزيفة ينتحلها بعض الساسة لتضليل الشباب في المستعمرات السابقة، لكن حينما يتعلق الأمر بسيطرة الغرب لا يبدو ثمة فارقا بين اليمينيين الرجعيين وبين اليساريين التقدميين[1].

ينتقل بعد ذلك علال إلى مناقشة مدى إمكانية السلام مع الكيان الصهيوني، وهل يمكن لهذا السلام أن يضع حدا لخطر هذا الشر، الذي يهدد لا العرب وحدهم، بل يتعداهم إلى الإنسانية كلها ممثلة في قيمها النبيلة، والذي وصفه مؤخرا أستاذنا طه عبد الرحمن، وعن حق، بالشر المطلق. وقبله سبق للفاسي الجزم بأن الكيان العنصري الصهيوني، قد قام على العنف الوحشي والهمجي، ويشكل “مركزا مهما، وقنطرة عظمى للاستغلال الرأسمالي الغربي لخيرات العرب وأفريقيا وآسيا”[2]. لذلك يخاطب الزعيم العربي الذين ” يظنون أن التفاوض مع إسرائيل، أو إقرار سلام دائم معها، أو إنهاء الحرب، أو حتى اعتراف العرب بها، سينهي خطرها” أنهم واهمون ويجرون وراء السراب، فهذا الكيان هو بطبيعته لا يؤمن لا بالسلام ولا بالعدل، مادامت بنيته الداخلية قائمة على العنف والعدوان، وما لم تتخلخل هذه البنية من داخلها وتخضع لعمليات قيصيرية تغير طبيعتها العدوانية، ستبقى المنطقة مهددة دائما بالحروب والفتن والنزاعات.  

لم يصل حينئذ التشاؤم بعلال مرحلة اليأس من كل حل ممكن مع هذا الكيان المغتصب لأرض وإنسان فلسطين، ولكنه اعترف بصعوبته واقترح مقدمات ومداخل تتأسس عليها عناصر كل حل معقول ومقبول لهذا الصراع.

فأما المقدمات والعناصر التي لا بد من الاستناد عليها خلال عملية التفكير في كل تسوية لهذا الصراع فتتمثل في الحقائق الخمس الآتية:

  1. لا ليهودية دولة إسرائيل وعلى الغرب التنبه لخطورة الدولة الدينية.
  2. عدم قدرة العرب في وضعهم الحالي على سحق إسرائيل.
  3. العرب لا يعادون اليهود وبالتالي لا مبرر لقيام دولة يهودية.
  4. على كل من العرب واليهود أن يعلم أنه ليس في استطاعة أي من هما القضاء على الآخر .

بناء على هذه الحقائق عرض علال في تلك اللحظة التاريخية العصيبة، التي تلت هزيمة سنة 1667، على حزبه وعلى من سماهم بأحرار العالم مشروعه لحل  هذا الصراع القائم على العناصر الآتية:

  1. تخلي اليهود عن الصبغة الدينية والسلالية (=العنصري) التي أعطوها لدولتهم.
  2. تخلي العرب عن فكرة إجلاء اليهود الذين استوطنوا فلسطين.
  3. جلاء الجيوش الإسرائيلية عن الأراضي العربية التي احتلتها في الأردن وسورية وغزة وسيناء، وإرجاعها لحكوماتها.
  4. عودة اللاجئين العرب إلى ديارهم.
  5. تأسيس دولة لا دينية فلسطينية في الضفة التي تسمى اليوم بإسرائيل، وإعطاؤها اسم الجمهورية الديمقراطية الفلسطينية.
  6. طبقا لما يقرره المؤتمر التأسيسي يوضع دستور الجمهورية على أساس وفاقي بين الديانات والطوائف، بحيث توزع السلط بصفة عادلة شبيهة بالصفة الجاري بها العمل في لبنان، وتكون اللغتان العربية والعبرية رسميتين للدولة.
  7. تتمتع الطوائف المقيمة في الجمهورية بكامل حريتها الدينية، ويمكن أن تنظم شؤونها الطائفية على الطريقة التي تريد، وتقوم الدولة بواجب الرعاية والحماية والمساعدة المادية والمعنوية للجميع.
  8. تقبل الجمهورية عضوا في الجامعة العربية، وفي المؤسسات المنبثقة عنها، إذا رغبت في ذلك”[3]

قد يبدو هذا الحل مرفوضا من قبل الكثيرين، ومستحيل التحقق من طرف العددين، لكن علال الفاسي، بحسه الفكري والسياسي، العالي الدقة، والمستشرف للمستقبل، لم يتردد في اعتباره أقرب الحلول إلى المنطق الواقعي، رغم علمه أنه لا العرب ولا اليهود سيقبلون به. لكن، وبعد مرور ما يقارب الأربعة عقود على النكبة وما يقرب من ستة عقود على النكسة، وبعد العديد من القرارات الأممية لحل الصراع، والعديد من المبادرات الدولية والعربية، وبعد ثلاث عقود من المفاوضات المباشرة بين العرب والصهاينة، وما رافقه من اتفاقيات “سلام” و”تطبيع” مع الكيان المحتل، ماذا كانت النتيجة؟

النتيجة هي الفشل الذريع لكل الحلول المجربة مع هذا الكيان الصهيوني، وأيضا، نعتقد أن الفشل سيكون مصير الحل الذي يراد تجريبه، ممثلا في حل الدولتين. إن المشكلة الحقيقية في طبيعة هذا الكيان، القائمة على العنف والهيمنة والعدوان. وما لم يقع تغيير جذري داخل هذا الكيان يتعذر أي سلام معه، سواء فيما بينه وبين دول “الطوق” أو بينه وبين الفلسطينيين، فكل الاتفاقيات المبرمة معه مجرد اتفاقيات هشة قابلة للانهيار في أي لحظة، لأنها لا تقوم على أسس صلبة ومتينة.

وهنا لا نقصد فقط اتفاقية أوسلو، التي يكاد يجمع الكل على موتها موتا تاما، ولكن، نخص بالذكر المعاهدات المبرمة بين الكيان وكل من مصر والأردن، واتفاقيات “التطبيع”، العلنية والسرية، مع عدد من الدول العربية الأخرى. والسبب لا يعود لعدم جدية الدول المذكورة ورغبتها في “السلام” مع دولة الكيان الصهيوني، وإنما يرجع وبالدرجة الأولى إلى حاجة هذا الكيان إلى مراجعات عميقة لطبيعته العدوانية.

نسمع كثيرا عن ضرورة إصلاح عدد من المناهج التربوية والثقافية والدينية بعدد من الأقطار العربية من أجل تنشئة أجيال تؤمن بقيم التسامح والسلام، في حين، أن البرامج التي تحتاج إلى المراجعة هي تلك التي يعتمدها العدو في وسائله التربوية والدينية والمعرفية والإعلامية، والقائمة على العنصرية والكراهية، والتي تعلي من قيمة اليهودي الصهيوني وتقر بدونية ما عداه من الأجناس البشرية، وفي مقدمتها الجنس العربي، برامج تبيح للصهيوني استباحة دماء الأبرياء من الأطفال والنساء الفلسطينيين بدم بارد ومن دون أدنى حرج أخلاقي أو ديني.

لقد كانت الدعاية الصهيونية، ومعها الآلة السياسية والإعلامية الغربية، تغطي على هذه الحقيقة البشعة، من خلال رمي الكرة في معسكر التطرف الغربي والإسلامي، وتوظيف الحركات الدينية المتطرفة، لخدمة هذا الغرض، بحيث يتم إسقاط كل قيم الشر على المقاومة العربية، رغم أنها حق مشروع تضمنه كل المواثيق والمعاهدات الدولية؛ وفي، الوقت ذاته، يتم إخفاء بشاعة الشر الصهيوني بكل مساحيق التحضر الوهمي والأخلاقية الزائفة، التي لم تعمل حرب الإبادة الجماعية، التي يشنها اليمين الصهيوني المتطرف، بتورط رسمي غربي، على شعب غزة إلا على تعريتها وكشفها.

هذه الطبيعة العنصرية والعدوانية للكيان الصهيوني هي ما ينبغي التركيز على مواجهته مواجهة مزدوجة، واحدة من داخله، يقوم بها اليهود والعرب من داخل دولة الكيان، الراغبين في ترسيخ قيم المواطنة والسلام والتعايش والتسامح، وهم بالمناسبة قوى حقيقية داخل دولة الاحتلال، وفي حاجة للدعم والإسناد من طرف كل أحرار العالم، وفي مقدمتها قوى إسرائيلية مؤمنة حقا بالسلام، ومستعدة للدفاع عنه، وترفض ثقافة وسياسة اليمين السياسي والديني المهيمنين على القرار السياسي والعسكري داخل إسرائيل، والذي لا يهدد العرب فقط، ولكن يهدد أمن واستقرار الداخل الصهيوني أولا وقبل وكل شي.

هذا اليمين الفاشي يتغذى من افتعال الأزمات، ومن الادعاءات الكاذبة بخطر وجودي محذق بإسرائيل، في حين أنه إذا كان لا بد من حديث عن خطر وجودي يهدد الكيان الغاصب فهو يتمثل في خطر اليمين الفاشي المتنفذ في قراره السياسي. والذي يربط وجوده باستدامة الحروب وإشعال الفتن، بالمنطقة، ويعمل بكل الوسائل على جرها إلى حرب شاملة قد لا تبقي ولا تذر.


Allal al-Fassi y la causa palestina

Segunda parte : La paz posible : El Estado democrático laico

En la primera parte, llegamos a la conclusión de que el movimiento sionista logró dominar la opinión pública y el pensamiento occidental, tanto de derechas como de izquierdas. Esta izquierda socialista, según Allal al-Fassi, no es más que un disfraz atractivo utilizado por algunos políticos para engañar a los jóvenes de las antiguas colonias. Pero cuando se trata del dominio occidental, no hay diferencia entre los derechistas reaccionarios y los izquierdistas progresistas.

Allal al-Fassi pasa entonces a analizar la posibilidad de alcanzar la paz con la entidad sionista y si esta paz puede poner fin a la amenaza de este mal, que no solo afecta a los árabes, sino que se extiende a toda la humanidad representada en sus valores nobles. Este mal fue descrito recientemente, y con razón, por nuestro maestro Taha Abderrahman como el mal absoluto. Antes que él, al-Fassi había afirmado que la entidad racista sionista se basaba en la violencia brutal y bárbara y representaba « un centro crucial y un gran puente para la explotación capitalista occidental de los recursos de los árabes, África y Asia”.

Al-Fassi advierte a los líderes árabes que « creen que negociar con Israel, establecer una paz duradera con ella, poner fin a la guerra o incluso reconocerla terminará con su amenaza ». Considera que están equivocados y persiguen un espejismo, ya que esta entidad, por su propia naturaleza, no cree ni en la paz ni en la justicia. Mientras su estructura interna se base en la violencia y la agresión, y no se someta a un cambio radical desde dentro, la región seguirá siendo constantemente amenazada por guerras, discordias y conflictos.

A pesar de su pesimismo, al-Fassi no cayó en la desesperanza total sobre una solución posible con esta entidad que usurpó la tierra y la humanidad de Palestina. Reconoció su dificultad, pero propuso una serie de fundamentos y principios para construir una solución razonable y aceptable a este conflicto.

Los principios fundamentales son los siguientes:

  1. No a un Estado judío en Israel ; Occidente debe darse cuenta del peligro de un Estado religioso.
  • La incapacidad actual de los árabes para aplastar a Israel.
  • Los árabes no son enemigos de los judíos, por lo que no hay justificación para un Estado judío.
  • Árabes y judíos deben reconocer que ninguno de los dos puede eliminar al otro.

Basándose en estas verdades, al-Fassi propuso, tras la derrota de 1967, un proyecto que incluía las siguientes ideas:

  1. Los judíos deben renunciar al carácter religioso y racial (racista) de su Estado.
  • Los árabes deben abandonar la idea de expulsar a los judíos establecidos en Palestina.
  • Las tropas israelíes deben retirarse de los territorios árabes ocupados en Jordania, Siria, Gaza y el Sinaí, devolviéndolos a sus respectivos gobiernos.
  • Los refugiados árabes deben regresar a sus hogares.
  • Se debe establecer un Estado palestino laico en el territorio conocido hoy como Israel, bajo el nombre de República Democrática Palestina.
  • La constitución de esta república será decidida por una conferencia fundacional, basada en un consenso entre religiones y comunidades. El poder se distribuirá de manera equitativa, similar al modelo libanés, y las lenguas oficiales serán el árabe y el hebreo.
  • Las comunidades dentro de la república tendrán plena libertad religiosa y podrán organizar sus asuntos según sus preferencias, mientras el Estado les brinde protección y apoyo material y moral.
  • La república podrá convertirse en miembro de la Liga Árabe y de las instituciones derivadas de esta, si así lo desea.

Aunque esta propuesta pueda parecer rechazada por muchos e imposible de realizar por ambas partes, al-Fassi, con su visión política y su capacidad de anticiparse al futuro, la consideró una de las soluciones más lógicas, a pesar de saber que ni árabes ni judíos la aceptarían.

Sin embargo, tras décadas de desastres, resoluciones internacionales y acuerdos de paz fallidos, la verdadera barrera para la paz sigue siendo la naturaleza misma del Estado sionista, basado en la violencia y la agresión. A menos que esta naturaleza cambie radicalmente desde dentro, toda paz será frágil y vulnerable a colapsar en cualquier momento.

Finalmente, al-Fassi concluye que la lucha contra este mal absoluto debe librarse tanto desde dentro del Estado sionista como desde el exterior, destacando el papel crucial de quienes dentro de Israel aspiran a valores de ciudadanía, paz, convivencia y tolerancia.


* أستاذ مختص في الفلسفة السياسية بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء.

[1] – نفسه، ص22

[2] – نفسه، ص25

[3] – نفسه، ص26 و27

مقالات ذات علاقة

الغزيون في الخارج أعصابٌ متوترة وقلوبٌ مضطربة

مصطفى يوسف اللداوي (فلسطين)

بروفايل: من ساحات لا تحتمل أقلام كهنة شعراء العالمين

المشرف العام

يسرقون الكحل من عين القصيدة

المشرف العام

اترك تعليق