في لحظات الوحدة الصامتة، حين ينقلب الليل إلى رفيقٍ مُعتم، أتذكر ما لم تخبرني به الأيام. لم تخبرني الأيام عن قوة الألم حين يُصبح الرفيق، وعن كيف تترك ندوبه أثراً لا يُمحى على القلب. كانت الأيام معلمةً صارمة لا تترحم، تعلمنا الدرس من خلال التجارب الحادة، دون أن تُفصح عن معانيها بلسان، بل تتركنا نخمّن ونعاني ونتعلم.
تجولتُ في زوايا ذكرياتي، أبحث عن سر تلك اللحظات التي تلاشت مع الزمن، متساءلاً عن معنى كل دمعة ذُرفت وكل ابتسامة عابرة. لم تُخبرني الأيام أن لكل فراق بداية ونهاية، وأن كل لقاء يحمل في طياته وعداً بكثير من الأحلام الضائعة. تركتني الأيام أسيراً لذكرياتها، أرتبك بين طيف الماضي وهمس المستقبل.
في صمت الليل، حين يعزف القمر لحن الوحدة، أدركت أن الأيام تُعلمنا أكثر مما تُعطي، فكل تجربة هي صفحة تُكتب بمداد الألم والأمل معاً. لم تُخبرني الأيام أن النضج يأتي من مواجهة الهموم، وأن الفشل هو خطوة نحو تحقيق النجاحات المجهولة. كنتُ أظن أن النجاح هو نهاية المطاف، لكن الأيام كشفت لي أن النجاح الحقيقي يكمن في القدرة على النهوض بعد كل سقوط.
على مفترق طرق الحياة، وجدت نفسي أستمع إلى صدى الماضي الذي لم يتحدث، أبحث عن إجابات وسط حيرة الأحوال، وأسأل الزمن عن أسراره التي لا تُقال. كان قلبي يشدو بنغمة الفراق والحنين، وكأن الزمن يسخر منا ونحن نتوق لفهم ما لم تروه عيوننا. ومع كل تجربة، كبرت تلك الأسئلة وتعمق شعوري بأن الحياة ليست إلا دروساً تُكتب بمزيج من الألم والفرح.
وها أنا اليوم، أتأمل في تلك الأيام التي تركت بصمتها في كياني، وأسترجع دروسها كما لو كانت صفحات كتاب مفتوح لا ينتهي. أدركت أن الحياة ليست سوى سلسلة من اللحظات، بعضها جميل وبعضها مرّ، لكن كل منها يحمل في طياته الحقيقة الصامتة: أننا نعيش لنتعلم، وأن الألم والفرح هما وجهان لعملة واحدة تُسمى الحياة.
ما لم تخبرني به الأيام، ربما سأعرفه يوماً، حين يصبح الفجر قادرًا على مسح دموع الليل. حتى ذلك الحين، سأظل أكتب خواطري وأرتشف من كأس الذكريات، متأملاً في رحلة كانت دوماً مليئة بالأسرار والوعود، رحلة الأيام التي لا تنطق بحقائقها إلا عندما نقف صامتين أمام ملامح القدر.