أذكر جيدًا ذلك اليوم الذي قررتُ فيه أن أصبح امرأة مرتبة. امرأة تنجز أعمالها في وقتها، تجيب على الرسائل دون تأخير، وتبدو دومًا في قمة نشاطها وأناقتها. استيقظتُ صباحًا بشعور أن الكون بأسره يتآمر ليكون في صفي. رتبتُ سريري، وقفتُ أمام المرآة بثقة، وقلتُ لنفسي: اليوم، سأكون نسخة محسّنة مني!
حضّرتُ كوب شاي مع العسل، كما تفعل النساء الرشيقات في الأفلام، وجلستُ أمام حاسوبي لأنجز المهام المتراكمة منذ أسبوعين. لكن، كما تعلمين، الحياة لا تحب الخطط المحكمة. بينما كنتُ مستغرقة في العمل، تذكرتُ فجأة أنني نسيتُ الغسيل في الغسالة منذ يومين. هرعتُ إليه، وبينما كنتُ أنشره، وجدتُ أن بعضه لا يزال يحمل رائحة مسحوق الغسيل، فأعدته للغسالة. وفي طريق عودتي إلى المكتب، رأيتُ أن الكتب في الرف غير مرتبة.
وهنا حدثت المصيبة.
قلتُ لنفسي: لن يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة، ثم جلستُ على الأرض بين الكتب، أقلب الصفحات وأتصفح الروايات التي قرأتها منذ سنوات. فجأة، وجدتُ نفسي غارقة في قصة قديمة، منسية في طيات الزمن، وبدل أن أرتب الكتب، بدأتُ أقرأ مقاطع بصوت عالٍ وكأنني ممثلة مسرحية تعيش دورها الأخير.
بعد ساعة، تذكرتُ الحاسوب، لكن قبل أن أعود إليه، لمحتُ كوب الشاي على الطاولة. مددتُ يدي إليه، تذوقتُه، واكتشفتُ أنه أصبح باردًا تمامًا، مثل أحلامي المؤجلة ومهامي التي ما زالت تنتظرني بصبر نافد.
وهكذا، انتهى اليوم كما ينتهي كل يوم: قائمة المهام ظلت كما هي، الغسيل ما زال في الغسالة، والكتب لم تُرتَّب بعد. لكنني تعلمتُ شيئًا مهمًا… ربما الحياة ليست سباقًا ضد الوقت، وربما نحن لسنا مضطرين دائمًا لإنجاز كل شيء. أحيانًا، من الجيد أن نضيع قليلًا بين الكتب، ونسمح لفنجان الشاي أن يبرد… فقط لنكتشف أن مذاقه لم يتغير كثيرًا، وأن الحياة قد تكون أجمل حين لا نحاول التحكم بها تمامًا.