قصة

المونولوج الأخير قبل أن ينام العالم

اللوحة من اختيار الكاتبة هيفاء نورالدين
اللوحة من اختيار الكاتبة هيفاء نورالدين

ها قد أرخى الليل ستاره الأخير. 

الأرض تغمض عينيها بتعب، المدن تسكن أخيرًا بعد ضجيج لم يعرف الهدوء. الأزقة التي اعتادت خطوات العابرين تشعر لأول مرة بأنها فارغة بما يكفي لأن تسمع همس الريح بين جدرانها. 

كنت أعلم أن النهاية ستأتي هكذا، دون صخب، دون معجزة أخيرة أو خطاب وداع عظيم يلقيه أحدهم من شرفة عالية. لم تكن هناك مؤامرة كونية ولا صفارات إنذار تخبرنا أن الوقت قد حان. كل شيء كان بطيئًا، متدرجًا، حتى كأننا استسلمنا منذ زمن دون أن نلاحظ. 

العالم لم يكن يحتاج إلى حرب أخيرة، لم يكن بحاجة إلى مذنب غاضب يشق السماء، ولا إلى انهيار عظيم يبتلع المدن. كل ما كان يلزمه هو أن يتوقف البشر عن المحاولة، أن يكفوا عن الحب، عن الحلم، عن البحث عن شيء جديد يستحق أن نستيقظ من أجله. 

انطفأت النوافذ واحدة تلو الأخرى. الشوارع نامت على ضوء مصابيحها الخافتة. وحدي، كنت أشاهد هذا الانطفاء العظيم وأتساءل: هل كان كل هذا عبثًا؟ هل كان علينا أن نحاول أكثر، أن نصمد أطول، أم أن العالم كان متعبًا منذ البداية، وأن كل ما فعلناه هو تأجيل لحظة نومه الأخيرة؟ 

ربما كان ينبغي عليّ أن أخبر أحدًا، أن أصرخ في وجه مدينة ناعسة وأقول لها: لا تنامي بعد، انتظريني قليلًا، دعيني أكتب سطرًا أخيرًا، دعيني أخبرك أنني كنت أحبك رغم كل شيء…

لكن المدينة نامت. 

والعالم أرخى جفنيه. 

وأنا، كنت آخر العابرين في حلم لم يعد أحد يستيقظ منه.

مقالات ذات علاقة

أمواج بلا شاطئ

حسين بن قرين درمشاكي

الممحاة

خيرية فتحي عبدالجليل

أمنية

محمد المسلاتي

اترك تعليق